المقدّمة الثانیة : فی بیان المورد المسلّم الذی یجری فیه الترتّب عندهم
إذا تبیّن لک أساس مقالة الترتّب، وما هو الداعی عندهم إلی الالتزام به، لابدّ من ذکر مقدّمة اُخریٰ محتویة علی المورد المسلّم عند الکلّ، الذی یجری فیه الترتّب عند القائلین به، ثمّ نردفه بالتقاریب الممکنة، فإن أمکن الالتزام به فی ذلک المورد، فلنا البحث عن سائر الموارد المختلف فیها، وإلاّ فلا داعی لإطالة البحث حولها:
وهی أنّ الذی لاشبهة فیه: أنّ نفس جعل عصیان تکلیف ، شرطاً لفعلیّة التکلیف الآخر، ممّا لا محذور فیه، فیصحّ أن یکون عصیان أمر صلاة الظهر مثلاً، شرطاً لوجوب القضاء، أو عصیانُ أمر الصلاة مثلاً شرطاً لوجوب القضاء علی الولیّ وهکذا.
فما هو مورد المحذور العقلیّ، لیس نفس الترتّب ولو کان بین المترتّب والمترتّب علیه تأخّر زمانیّ؛ فإنّ مع التأخّر الزمانیّ یصحّ هذا، وهو لیس مورد إنکار المنکرین.
والذی لا إشکال عندهم أیضاً: هو أنّ «الترتّب» المقصود هو الترتّب العِلّی؛ بمعنیٰ کون زمان العلّة والمعلول زماناً واحداً، فیکون بین المترتّب والمترتّب علیه تأخّراً بالمعلولیّة، وتقدّماً بالعلّیة، أو ما بحکمها، کتقدّم الشرط علی المشروط.
فعلیٰ هذا، فی الواجبـین اللّذین یکون أحدهما أهمّ ، والآخر مهمّاً، وکان زمان وجوب الأهمّ والمهمّ واحداً، ولکن یتقدّم أحدهما علی الآخر نحو التقدّم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 473
بالعلّیة، قالوا: «بأنّه لایلزم منهما الجمع بین الضدّین مثلاً؛ إذا کان أوّلَ زوال یوم الجمعة إزالة النجاسة من المسجد واجباً، وکان فیها وجوب الصلاة مشروطاً بالعصیان، فإنّه بعصیان الأهمّ تکون العبادة مأموراً بها، مع وحدة زمان التکلیفین، وترتّب أحدهما علی الآخر».
وهذه الصورة من الصور الکثیرة التی اُجری فیها الترتّب عند أربابه، وهی مورد نظرنا هنا نفیاً وإثباتاً، ومحطّ البحث.
إن قلت : هذا المثال مورد المناقشة کما مضیٰ سبیله؛ ضرورة أنّ فعل الإزالة واجب فوراً ففوراً ، فإذا کان العصیان الأوّل شرطاً یلزم المحال والمحذور العقلیّ.
وإذا کان العصیان إلی انتفاء موضوع الإزالة شرطاً، فیتأخّر وجوب الصلاة عنه تأخّراً زمانیّاً.
وإذا کان العصیان المتأخّر شرطاً للوجوب المتقدّم، فهو أیضاً یستلزم المحذور الآخر.
قلت : نعم، ولکنّ المقصود أرباب الترتّب؛ إثبات صحّة الصلاة التی اشتغل بها المکلّف فی أوّل الزوال، فیکون الشرط هو العصیان الأوّل، ولا نظر إلی العصیانات المتأخّرة إذا فرض أنّ وجوب الإزالة فوریّ، ویسقط بالعصیان، ولایکون من فور ففور.
ولک فرض المسألة علیٰ وجه آخر أیضاً؛ حتّیٰ لایتوجّه إلیها المحذور المزبور: وهو کون العصیان الآخر المنتهی إلی انتفاء موضوع الإزالة، مقارناً لأوّل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 474
الزوال، فإنّه إذا کان شرطاً یلزم الترتّب العقلیّ؛ لأنّ فی أوّل الزوال الأمر بالأهمّ باقٍ، والأمر بالمهمّ أیضاً موجود فی ذلک الزمان، ومتأخّر رتبة؛ لتخلّل الشرط بینهما؛ وهو شرط عصیان الأهمّ.
فتحصّل إلی الآن : أنّ هذه الصورة، مورد إجراء قانون الترتّب عند القائلین به اتفاقاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 475