بیان الشبهة المهمّة علی الترتّب
فإذا أحطت خبراً بما هو المقصود من «الترتّب» وبما هو مورد التسالم ، وأنّهم یقولون بالترتّب فی مثل الأهمّ والمهمّ، وبالترتّبین فیالمتساویین، وأیضاً یقولون بتعدّد العقاب بلا محذور عقلیّ، کما التزمنا بذلک، والتزم الوالد المحقّق؛ لعدم رجوع التکلیفین إلی التکلیف بالجمع بالضرورة، فلنشرع فیما هو إحدی الشبهات علیهم، ثمّ نشرع فیالتقاریب التی ذکروها لإثبات الترتّب بقلع هذه المادّة، ثمّ بعد ذلک ـ بعون الله وقدرته ـ نذکر بعضها الآخر إن شاء الله تعالیٰ.
وها هی: إنّ فی الصورة المزبورة إذا کان أحدهما أهمّ، فلابدّ من تحقّق العصیان بالحمل الشائع، حتّیٰ یمکن فعلیّة المهمّ؛ أی لابدّ من تحقّق الشرط بالحمل الشائع، حتّیٰ یمکن ترتّب المشروط علیه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 475
ومعنی «العصیان» هو ترک المأمور به علیٰ وجه لایتمکّن المکلّف من اللاعصیان؛ أی ترک المأمور به علیٰ وجه یسقط أمره، لعدم إمکان قیامه بماهو المأمور به، وإلاّ فلا معنیٰ للعصیان.
مثلاً : ترک الصلاة فی أوّل الوقت فی الموسّع، لیس من العصیان؛ لتمکّن العبد من إتیانها وامتثال أمرها، وهذا أمر واضح، ویتّضح من ذی قبل أکثر منه إن شاء الله .
وعلیٰ هذا، أوّل الزوال إذا کان أمر الأهمّ موجوداً، فهو لایسقط إلاّ بالعصیان، ومعناه عجز العبد عن الامتثال، فلوکان فی أوّل الزمان أمر المهمّ موجوداً أیضاً، فهو بعد لم یعجز عن امتثال الأهمّ ؛ لأنّه بمضیّ الزمان یصیر عاجزاً بالحمل الشائع وعاصیاً، فکیف یعقل تحقّق أمر المهمّ؟!
وبعبارة اُخریٰ: العصیان المتوسّط؛ سواء کان من الحقائق ، أو الاعتباریّات، أو الانتزاعیّات، إذا کان من الاُمور الآنیّة والبنائیّة، کان لما أفادوه وجه، وإلاّ فکیف یمکن أن یتخلّل الأمر المحتاج إلی الزمان فی التحقّق، بین المترتّبین بالترتّب العقلی؟!
ولا شبهة فی أنّ شرط المهمّ عصیان الأهمّ، وبین الشرط والمشروط لیس یتخلّل شیء، ولکن ما هو الشرط متخلّل بین الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ؛ فإنّ أمر المهمّ مترتّب علیٰ أمر الأهمّ بتخلّل العصیان، وهو أمر زمانیّ؛ لأنّ معناه عجز العبد عن الامتثال عجزاً لایعدّ عذراً.
فإذن لایکون فی أوّل الزوال إلاّ أمر الأهمّ، فإذا عجز المکلّف عن امتثاله بعصیانه، یوجد الأمر الآخر، وهذا لایکون إلاّ بمضیّ زمان الزوال حتّیٰ لایبقیٰ ظرف امتثاله، وبعد ذلک یوجد الأمر بالمهمّ، وهذا هو الترتّب الزمانیّ، لا العقلیّ المقصود لهم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 476
ولمزید الاطلاع علیٰ حدّ هذه الشبهة، وعلیٰ حدّ التقاریب الآتیة دفعاً لها، نقول: لو کان الأهمّ من الموقّتات الشرعیّة کالصوم، والمهمّ أیضاً منها، أو من الموسّعات، فإنّهم یقولون بجریان الترتّب فیها، والأمر هنا أوضح؛ ضرورة أنّ أوّل الفجر ظرف الامتثال والفعلیّة بالنسبة إلی الأهمّ، وعصیانه معناه عجز العبد عن الصوم، فهل العبد یعجز عن الصوم فی أوّل الفجر، أو بعده؟
فإن کان عصیانه فی أوّل الفجر ممکناً؛ بأن یکون العصیان أمراً غیر زمانیّ، کان لذلک وجه واضح ؛ لاتحاد زمان الشرط ـ وهو العصیان ـ وزمان الأهمّ والمهمّ؛ لإمکان کلّ ذلک.
وأمّا إذا کان معنی العصیان: عجز العبد بعدم تمکّنه من امتثال الأمر الأهمّ، وعدم تمکّنه لایحصل ولایتحقّق إلاّ بمضیّ الزمان، فلایتحقّق الشرط إلاّ بمضیّ الزمان، فیکون وجوب المهمّ متأخّراً زماناً؛ لتخلل الشیء الزمانیّ بین الأمرین، وعند ذلک کیف یعقل وحدة الزمان لهما، مع تخلّل الشیء الزمانیّ بینهما؟!
وبعبارة واضحة : إنّ العصیان المتحقّق بالاشتغال بفعل المهمّ، متأخّر عن فعل المهمّ فیالرتبة، فکیف یعقل کونه شرطاً لوجوب فعل المهمّ المتقدّم علیه فی الرتبة؟! فیلزم تقدّم ماهو المتأخّر فی الرتبة، وهذا دور واضح المنع، أوتقدّم الشیء علیٰ نفسه ، فإنّه أفحش فساداً من الدور، علیٰ ماتحرّر فتأمّل.
وإن شئت قلت : إنّ الانبعاث نحو المهمّ، متأخّر عن البعث إلیه فیالرتبة، والعصیان إمّا فی رتبة الانبعاث الخارجیّ، أو متأخّر عنه، فکیف یعقل کونه شرطاً لفعلیّة البعث المتقدّم علیه طبعاً؟! فتدبّر تفهم. وسیزید اتضاحاً عند ذکر التقاریب الممکنة لإثبات الترتّب إن شاء الله تعالیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 477
وبالجملة : مجرّد إمکان اتحاد زمان الشرط والمشروط غیر کافٍ؛ لاختلاف الشروط، والعصیان لیس من تلک الشروط.
مثلاً : إذا کان الشرط وجود الحرکة الخاصّة، فلابدّ من تحقّق الحرکة ـ بالحمل الشائع ـ حتّیٰ یتحقّق الشرط، ولایکفی أوّل وجودها؛ لأنّ الحرکة بسیطة، وأوّل وجودها مجرّد لحاظ عقلیّ، ولاتفکیک بین أوّل وجودها وثانی وجودها، بل هو وجود متدرّج خارج من القوّة إلی الفعل، فلابدّ من انطباقها علی الزمان حتّیٰ تعدّ حرکة، وإلاّ یلزم أن تکون من الاُمور القارّة الذات.
فما هو الشرط أمر وحدانیّ بسیط ینطبق علی الزمان، فإذا تحقّق هذا الأمر الوحدانیّ یصیر التکلیف فعلیّاً، ففعلیة التکلیف وإن کانت متأخّرة عن الشرط تأخّراً بالرتبة ،ولکن نفس الشرط لیس متّحداً زماناً مع زمان المکلّف به ، والعصیانُ من هذا القبیل، کما تبیّن واتضح .
وإن شئت قلت : جعل العصیان شرطاً ـ کجعل العجز عن امتثال تکلیف الأهمّ شرطاً ـ لایکون عذراً شرعاً، لا مطلق العجز. وأنت إذا راجعت وجدانک، تجد أنّک تقدر فی أوّل الزوال علی الأهمّ، فلایکون شرط المهمّ فی أوّل الزوال موجوداً بالضرورة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 478