تذنیب : فی أنّ العجز الحاصل بالعصیان یوجب سقوط أمر الأهمّ
ربّما یقال : إنّ الامتثال سبب سقوط الأمر، والعجز عن الامتثال أیضاً سبب، والعصیانَ بما هوالعصیان لا امتثال،ولا عجز:
أمّا الأوّل : فهو واضح.
وأمّا الثانی : فلأنّ الأمر لابدّ وأن یکون موجوداً حال الامتثال والعصیان؛ حتّیٰ یتحقّق الامتثال والعصیان، فلایکون حال العصیان أمر الأهمّ ساقطاً.
وفیه : أنّ العصیان سبب انتفاء الأمر ، بمعنیٰ أنّه دلیل علی انتهاء أمد الإرادة،وهو حقیقة العجز عن الامتثال، إلاّ أنّ هنا عجزین:
الأوّل : ما یکون عجزاً ، ویعدّ عذراً عند العقلاء .
الثانی : ما لا یعدّ عذراً، ویکون عصیاناً .
وقد عرفت : أنّه لاشیء ثالث وراء الامتثال والعصیان، یعدّ حال العصیان؛ ضرورة أنّ قولنا: «حال العصیان» کقولنا: «حال الإیمان، وحال الکفر، وحال الشجاعة، والسخاوة» فإنّ فی جمیع تلک الأحوال یکون المضاف إلیه متحقّقاً، ویکون أمراً مستمرّاً منطبقاً علی الزمان، ولیس العصیان من هذا القبیل، بل العصیان هو التخلّف عن الأمر والامتثال؛ علیٰ وجه لایقدر العبد علیٰ تطبیق المأمور به علی الخارج، وهو من الاُمور الآنیّة والدفعیّة، سواء فی ذلک عصیان الأوامر الموقّتة، أو الأوامر الفوریّة.
ومن العجیب ، توهّم القائل بالترتّب: أنّ العصیان إمّا آنیّ، أواستمراریّ!! مع أنّ العصیان الاستمراریّ یرجع إلیٰ عصیانات؛ لوجود الأوامر الکثیرة، کما فی أداء
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 497
الدین الواجب، وصلاة الزلزلة الواجبة، هکذا أفاده صاحب «التقریرات» فلاتغفل.
ولعمری، إنّ من تفوّه بکلمة «حال العصیان» لم یتوجّه إلیٰ ماهو معناه حقیقة، والله الهادی إلیٰ سواء السبیل.
وبالجملة : قد عرفت أنّ هذه التقاریب کلّها، قاصرة عن حلّ هذه المعضلة.
وإنّی وإن کنت بصدد إثبات إمکان الترتّب، خلافاً للوالد المحقّق ـ مدّظلّه ، وبصدد نفیالحاجة إلیه فیتصویرالأمر بالمهمّ، خلافاً للقوم، ولکن بعد التدبّر والتأمّل تبیّن لی أنّ طریق إمکانه مسدود جدّاً، ویکفی لامتناعه ذهاب مثل الشیخ الأعظم الأنصاریّ والمحقّق الخراسانی إلی استحالته، وإن کان طریق تقریب الاستحالة الذی قرّبناه تبعاً للوالد المحقّق ـ مدّظلّه غیرَ ما ظنّوه «وَالله ُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِیطٌ».
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 498