الفصل السابع فی مسألة الضدّ

خاتمة : حول تقیید المهمّ بإطاعة أمر الأهم

خاتمة : حول تقیید المهمّ بإطاعة أمر الأهم

‏ ‏

‏ربّما یخطر بالبال: أنّ لتصویر الأمر بالمهمّ طریقاً آخر، ومسلکاً بدیعاً،‏‎ ‎‏وتقریباً حدیثاً لابدّ من الإشارة إلیه: وهو أنّ من تقیید المهمّ ترتفع غائلة الترتّب؛ من‏‎ ‎‏غیر لزوم الغوائل الاُخر، ولکنّ ذلک بأن یکون الدلیل المستکشف، ناظراً إلیٰ حال‏‎ ‎‏المکلّف تکویناً؛ لأنّ الفساد ناشئ من عجز العبد عن الجمع، أو عن الامتناع الذاتیّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 512
‏الثابت بین الضدّین؛ وذلک أن یکون مفاد هذا الدلیل تقیید المهمّ بالاشتغال وإطاعة‏‎ ‎‏الأهمّ، وتکون النتیجة نفی المهمّ حال الإطاعة والاشتغال.‏

‏فإذا ورد قوله: «إذا اشتغلت بالأهمّ وکنت مطیعاً لأمره، فلیس علیک المهمّ»‏‎ ‎‏ویکون العبد ـ بحسب متن الواقع ـ إمّا شاغلاً للأهمّ، فلا مهمّ علیه، وإمّا شاغلاً‏‎ ‎‏للمهمّ، فیکون حسب إطلاق أمره مورد الأمر، وإمّا لیس شاغلاً لکلّ من الأهمّ‏‎ ‎‏والمهمّ، فیستحقّ العقوبة؛ لأنّه بالنسبة إلیٰ کلّ واحد جامع للشرائط، ولاتکلیف‏‎ ‎‏بالجمع بینهما حتّیٰ یکون معذوراً.‏

وبالجملة :‏ من تقیید المهمّ بعصیان الأهمّ، تأتی الشبهات التی ترجع إلیٰ معنی‏‎ ‎‏العصیان وحقیقته، وأمّا من تقییده بإطاعة الأهمّ لاتأتی تلک الشبهات.‏

إن قلت :‏ حین الاشتغال بالمهمّ، هل یکون أمر الأهمّ فعلیّاً وموجوداً أم لا؟:‏

‏فإن کان فعلیّاً، فیلزم الإشکال المزبور المتوجّه إلی الترتّب المعروف‏‎[1]‎‏.‏

‏وان کان ساقطاً فهو المسلک الذی أبدعتموه، وقد مضیٰ‏‎[2]‎‏.‏

‏فعلیٰ کلّ تقدیر : إمّا أن لایتمّ الترتّب بهذا التقریب أیضاً، أو یرجع إلیٰ بعض‏‎ ‎‏المسالک السابقة.‏

قلت :‏ لاشبهة فی عدم توجّه الإشکالات الناشئة من التقیید بالعصیان إلی‏‎ ‎‏التقیید بالإطاعة. وأمّا الأمر بالأهمّ ـ وهو فعل الإزالة ـ فهو فعلیّ حال الاشتغال به،‏‎ ‎‏ولیس بفعلیّ حال الاشتغال بالمهمّ، وأیضاً هو فعلیّ حال ترک المهمّ.‏

‏ولسنا فی مقام إثبات الجمع بین الحکمین الفعلیّین فی زمان واحد، بل النظر‏‎ ‎‏إلیٰ أنّ فی حال الابتلاء بالمزاحمة بین التکالیف، یکون الأمر هکذا: وهو أنّ‏‎ ‎‏المکلّف مع ترک المهمّ والأهمّ یستحقّ العقوبتین، ومع ترک المهمّ یکون الأهمّ مع‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 513
‏الأمر، وهکذا فی عکسه، سواء کانا فعلیّین فی زمان واحد، أو لم یکونا کذلک.‏

‏ولاشبهة أنّه بعد ثبوت الإطلاق لکلّ واحد من الدلیلین، وبعد عدم رجوعهما‏‎ ‎‏إلیٰ دلیل واحد باعث نحو الجمع بینهما، تصیر النتیجة علیٰ هذا النحو من التقیید‏‎ ‎‏هکذا، ویثبت المطلوب.‏

‏فما هو مورد نظر الترتّبی؛ هو إثبات هذه المسألة بشقوقها من غیر النظر إلی‏‎ ‎‏التقریب الخاصّ، أو التقیید بنحو معیّن.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ کما أنّ العقل فی المتساویین، یجد طریق التخلّص من‏‎ ‎‏الإشکال، منحصراً بالتقییدین علیٰ وجه یستلزم العقابین عند ترکهما، دون التخییر‏‎ ‎‏الشرعیّ، کذلک فیما نحن فیه، العقل یجد طریق التخلّص منحصراً بالتقیید من‏‎ ‎‏جانبین، إلاّ أنّ إحراز الأهمیّة من الخارج یستلزم أوّلاً إقدام العبد علی الأهمّ، وأمّا‏‎ ‎‏مع اشتغاله بالمهمّ فلایلزم عدم الأمر. کما أنّ مع اشتغاله به یسقط أمر الأهمّ؛‏‎ ‎‏للعجز الطارئ.‏

‏فسقوط أمر المهمّ للعجز الموجود، وسقوط أمر الأهمّ للعجز الطارئ، وهذا‏‎ ‎‏التعجیز ـ بسوء الاختیار ـ لایعدّ عذراً، فافهم واغتنم، وکن من الشاکرین،‏‎ ‎‏وتأمّل جدّاً.‏

وإن شئت قلت :‏ لایعقل استحقاق العقابین؛ إلاّ مع فرض فعلیّة التکلیفین معاً‏‎ ‎‏فی زمان واحد، وهو محال، ولیس هو المهمّ فی مسألة الضدّ وبحث التزاحم، بل‏‎ ‎‏المهمّ تصویر الأمر بالمهمّ عند الاشتغال به، وهو مع تقیید المهمّ بعصیان الأهمّ‏‎ ‎‏یستلزم المحذور، وأمّا مع تقییده بإطاعة الأهمّ فلایستتبع محذوراً؛ ضرورة أنّ مع‏‎ ‎‏الاشتغال بالمهمّ، یکون هو مورد الأمر حسب إطلاق دلیله، ویسقط أمر الأهمّ؛ لعدم‏‎ ‎‏معقولیّة بقائه مع العجز.‏

‏ولکن جواز العقاب علیه، لیس لأجل فعلیّة التکلیف، بل هو لأجل تعجیزه‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 514
‏بسوء الاختیار، فمع الاشتغال بالمهمّ یستحقّ العقوبة من تلک الجهة.‏

وبالجملة :‏ هذا النحو من التقیید، أقلّ محذوراً جدّاً من التقیید المعروف فی‏‎ ‎‏کلماتهم‏‎[3]‎‏.‏

‏والذی هو الحجر الأساس عندنا: أنّه لا حاجة ـ علیٰ تقدیر إمکان هذا النحو‏‎ ‎‏من التصویر ـ إلیٰ تصدیقه؛ لما تقرّر: أنّ التکالیف القانونیّة فعلیّة، ولایشترط القدرة‏‎ ‎‏لفعلیتها حین التکلیف، ولا حین الامتثال‏‎[4]‎‏، فلا داعی إلیٰ هذه المقالة؛ لا فی الأهمّ‏‎ ‎‏والمهمّ، ولا فی المتساویین.‏

‏وإلیٰ هنا تمّ ما هو المقصود فی هذه المسألة، ونرجو من إخواننا أهلَ الفضل‏‎ ‎‏أن یعذرونی لو اُطیل الکلام فیالمقام؛ لأنّه من مزالّ الأقدام، مع کثرة فوائده فی‏‎ ‎‏الفقه، وفی حلّ المسائل والمشکلات العلمیّة، والله هو الموفّق.‏

‏وقد بقی شیء من البحث، ولکنّ الانصراف عنه أولیٰ وأحسن.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 515

  • )) تقدّم فی الصفحة 475 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 344 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 336 ، درر  الفوائد ، المحقّق الحائری : 140 ، نهایة الاُصول : 218 ـ 220 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 449 .