الفصل الثامن التعرّض لبعض أنحاء الوجوب

البحث الثانی: مقتضیٰ الأصل العقلائی فی الوجوب التخییریّ

البحث الثانی: مقتضیٰ الأصل العقلائی فی الوجوب التخییریّ

‏ ‏

‏لا شبهة فی أنّ المتبادر العرفیّ والمتفاهم العقلائیّ من الأدلّة المتکفّلة لإثبات‏‎ ‎‏الواجب التخییریّ: أنّ کلّ واحد من الطرفین أو الأطراف، موصوف بنوع من‏‎ ‎‏الوجوب المعبّر عنه ب «الوجوب التخییریّ» وأنّ کلّ واحد من الأطراف بخصوصیّته‏‎ ‎‏متعلّق الإیجاب، لا أمراً آخر؛ سواء کان ذلک الأمر الآخر عنواناً انتزاعیّاً، أو عنواناً‏‎ ‎‏ذاتیّاً وجامعاً قریباً، ومن غیر فرق بین کیفیّة الأداء؛ بأن یخلّل کلمة «أو» مع تکرار‏‎ ‎‏الصیغة، أو لم یکرّر صیغة الأمر أو ما یقوم مقامها.‏

بل الدعویٰ:‏ أنّ المتفاهم العرفی من قوله: «یجب علیک إکرام واحد من‏‎ ‎‏العلماء» أو «أحدهم» أنّ الوجوب موضوعه عنوان «العالم» ویکون تخییریاً،‏‎ ‎‏لا تعیینیاً کسائر الواجبات التعیینیّة.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ العناوین المأخوذة تحت الهیئة وما فی حکمها، إذا کانت من‏‎ ‎‏قبیل العناوین الذاتیّة، فهی ظاهرة فی الوجوب التعیینیّ، فإذا قال: «صلّوا وزکّوا»‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 5
‏تکون الصلاة واجبةً تعیینیّةً، بخلاف ما إذا کانت من قبیل العناوین الانتزاعیّة، أو‏‎ ‎‏بعض منها من قبیل عنوان «الأحد» و«الواحد» فإنّ ذهن العرف ینصرف منها إلیٰ أنّ‏‎ ‎‏الواجب؛ هو منشأ الانتزاع، ویکون فی قوله: «تجب إحدیٰ هذه الخصال الثلاث»‏‎ ‎‏الواجبُ عنوانَ ذاتیّ الخصال، کالعتق والصوم والإطعام تخییراً.‏

‏ومن الغریب دعویٰ بعض الفضلاء المعاصرین: ظهورَ الأدّلة الشرعیّة فی أنّ‏‎ ‎‏الواجب هو عنوان «الأحد» و«الواحد» مطلقاً‏‎[1]‎‏، فینکر علیٰ هذا الواجبات‏‎ ‎‏التخییریّة!! ضرورة أنّ معنیٰ ذلک أنّ ما هو الواجب، هو العنوان الانتزاعیّ تعییناً، إلاّ‏‎ ‎‏أنّ تطبیقه بید المکلّفین فی نطاق اعتبره الشرع، فلا تغفل، ولا تخلط.‏

‏ولا حاجة فی إبطاله إلئ شیء غیر الإحالة إلیٰ الوجدان والذوق. نعم، لا‏‎ ‎‏بأس بذلک إذا اقتضت الضرورة، کما یأتی.‏

فبالجملة:‏ هذا هو الأصل العقلائیّ فی المسألة، وحیث إنّ الوجوب التخییریّ‏‎ ‎‏الشرعیّ یستتبع شبهات؛ بین ما تتوجّه إلیٰ مطلق الأقسام المزبورة، وبین ما تتوجّه‏‎ ‎‏إلیٰ صنف خاصّ منه، ولأجل تلک الشبهات بنوا علی العدول عمّا هو الظاهر‏‎ ‎‏الابتدائیّ إلیٰ المسالک المختلفة فی تفسیر «الواجب التخییریّ» فلابدّ أوّلاً من النظر‏‎ ‎‏إلیٰ الشبهات العامّة، وثانیاً إلیٰ الشبهات الخاصّة، فإن کانت هی تامّة فنأخذ بما هو‏‎ ‎‏الأقرب إلیٰ تلک الأدلّة، وإلاّ فیتّبع الأصل المزبور.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ کثیراً من الأعلام والأفاضل غفلوا عن هذه النکتة، وظنّوا أنّ‏‎ ‎‏الأصحاب اختلفوا فی معنی «الواجب التخییریّ»‏‎[2]‎‏ غافلین عن أنّ هذا الاختلاف‏‎ ‎‏ناشئ من الإشکالات العقلیّة، وإلاّ فلا خلاف فیما هو الأصل، کما عرفت وتحرّر.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 6

  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 4: 40 .
  • )) الذریعة إلیٰ اُصول الشریعة 1: 88 ، معالم الدین: 74، قوانین الاُصول 1: 116 / السطر14.