الفصل الثامن التعرّض لبعض أنحاء الوجوب

هل یجوز التخییر الشرعیّ بین الأقلّ والأکثر فی الدفعیّات ؟

هل یجوز التخییر الشرعیّ بین الأقلّ والأکثر فی الدفعیّات ؟

‏ ‏

‏وأمّا التخییر الشرعیّ بین الأقلّ والأکثر فی الدفعیّات، ففی جوازه‏‎[1]‎‏،‏‎ ‎‏وعدمه‏‎[2]‎‏، والتفصیل بین أنحاء الأغراض؛ فیجوز إذا کان الغرضان قابلین للاجتماع،‏‎ ‎‏ولا یکون اجتماعهما مبغوضاً للمولیٰ وإن لم یکن مراداً له؛ فإنّه إذا أوجد العبد‏‎ ‎‏الأکثر دفعة وجد متعلّق الغرضین، ولا یجوز فی سائر الصور، وهذا هو خیار الوالد‏‎ ‎‏المحقّق ـ مدّظلّه ‏‎[3]‎‏، أقوال.‏

أقول:‏ نظرنا إلیٰ أنّ الأخذ بظاهر الدلیل مادام یمکن واجب. وغیر خفیّ أنّ‏‎ ‎‏من الممکن أحیاناً؛ أن لا یکون للمولیٰ غرض وراء ما هو مورد الأمر، ویکون‏‎ ‎‏الغرض نفس المأمور به، لا الأمر الآخر الحاصل به.‏

‏إذا تبیّن ذلک فاعلم: أنه تارة: یرد فی ظاهر الدلیل «أکرم واحداً من العلماء،‏‎ ‎‏أو مائة» فمن المحتمل أن یکون نظر المولیٰ إلیٰ عدم تحقق إکرام الحدّ المتوسّط،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 23
‏فلا یجوز التخطّی عن الظاهر، ومنه یعلم أنّ الغرض الحاصل من الواحد، غیر‏‎ ‎‏الغرض الحاصل من المائة، ولو کان یکفی الواحد فی المائة، لما کان یأمر بهذه‏‎ ‎‏الصورة والشکل من التخییر، فیعلم من ظاهر الدلیل: أنّه للمولیٰ ربّما تکون‏‎ ‎‏أغراض، ومنها غرض التسهیل علیٰ المکلّفین، فعند ذلک یکون الأقلّ بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏الحدود المتوسّطة بشرط لا، وبالنسبة إلیٰ الأکثر لا بشرط، ویترتّب عند الإتیان‏‎ ‎‏بالأکثر الأغراض الملزمة، ویکون مورد الإرادة.‏

واُخریٰ:‏ یرد الأمر بضیافة واحد أو اثنین، فیشکل الأمر؛ لأجل أنّ النظر لا‏‎ ‎‏یمکن أن یکون لنفی الحدود المتوسّطة، وحیث إنّ المفروض کون الأقلّ لا بشرط،‏‎ ‎‏ویکون الغرض یحصل منه ـ وإلاّ فهو خارج عن محطّ النزاع، ومصبّ النفی‏‎ ‎‏والإثبات فلابدّ من الإقرار بالامتناع؛ ضرورة أنّ أخذ الزائد من اللغو، لحصوله‏‎ ‎‏بذلک الأقلّ؛ وبضیافة الواحد، فلا یمکن تمشّی القصد وإرادة البعث إلیٰ الأکثر.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ إنّ الزائد علیٰ الواجب یجوز ترکه لا إلیٰ البدل، ولا شیء من‏‎ ‎‏الواجب کذلک.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ له البدل، ولکنّ البدل دائماً یتقدّم علیٰ المبدل منه،‏‎ ‎‏فلا معنیٰ لإیجابه کما لا یخفیٰ. فما أفاده من التقریب، العلاّمة الأصفهانیّ ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ فی‏‎ ‎‏غیر محلّه.‏

أقول أوّلاً:‏ الأمر بالمقدار الزائد ربّما یکون لأجل غرض؛ وهو أنّ العبد فی‏‎ ‎‏مقام الامتثال، ربّما لا یتمکن إلاّ من الإتیان بالأقلّ فی ضمن الأکثر، ولو کان الأقلّ‏‎ ‎‏واجباً فلا یقوم بالامتثال؛ لما یجد فی ذلک حرجاً علیٰ نفسه، أو ضرراً.‏

مثلاً:‏ إذا أمر المولیٰ بإعطاء زید تخییراً بین نصف الدینار والدینار، ولا یوجد‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 24
‏فی الخارج إلاّ الدینار، فإنّه یماطل فی ذلک، ولأجل عدم ابتلائه بالمماطلة یأمر‏‎ ‎‏المولیٰ بنحو التخییر، ویکون الأکثر واجباً، فلا یکون البعث إلیٰ الأکثر لغواً وعبثاً.‏

وثانیاً:‏ أنّ الغرض لیس إلاّ نفس إعطاء الدینار، أو الدینارین، ولیس وراء‏‎ ‎‏ذلک أمر یعدّ هو الغرض، حتّیٰ یقال: بأنّه فی صورة الوحدة لا یعقل الأمر بالزائد،‏‎ ‎‏وفی صورة المضادّة لا یعقل الأمر مطلقاً، کما أفاده مدّ ظلّه، بل لا غرض للمولیٰ إلاّ‏‎ ‎‏نفس المأمور به.‏

‏نعم، بناءً علیٰ ما قرّبناه ـ من الامتناع الذاتیّ بحسب مقام الجعل؛ وأنّ تعلّق‏‎ ‎‏الإرادتین بشیء واحد محال، وهکذا بالکلّ وببعض أجزائه؛ بحیث لا یرجع إلیٰ‏‎ ‎‏التباین فی الاعتبار ‏‎[5]‎‏ فیستحیل التخییر؛ للزوم تعلّق الإرادة الموجودة فی طرف‏‎ ‎‏بعین ما تعلّقت به الإرادة الاُخریٰ، فإنّ الدینار المشترک بین الأطراف واحد، ومع‏‎ ‎‏وحدته لا تتعدّد الإرادة التاسیسیّة، حسبما برهنّا علیه فی المواضع العدیدة‏‎[6]‎‏.‏

تذنیب:‏ فیما إذا کان الاقلّ اللا بشرط القائم به الغرض، لا یوجد دائماً إلاّ مع‏‎ ‎‏الأکثر، کالقیراط من الألماس، فإنّه لا یوجد مثلاً ألماس إلاّ هو أکثر من القیراط،‏‎ ‎‏فإنّ التخییر ـ لإفادة أنّ الغرض یحصل بالأقلّ ممکن؛ وأنّ العبد لو تمکّن من إعطاء‏‎ ‎‏القیراط کان یکفی.‏

‏وهنا دائماً یکون الامتثال بالأکثر والأقلّ، ولا یجب کون الأقلّ مورد الأمر‏‎ ‎‏التعیینیّ، إلاّ إذا کان الأکثر فی عالم العنوانیّة والجعل عین الأقلّ مع الزیادة؛ فإنّه‏‎ ‎‏عندئذٍ یشکل کما مرّ‏‎[7]‎‏، فتدبّر.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 25

  • )) قوانین الاُصول 1: 117 / السطر 15 ـ 18، حقائق الاُصول 1: 337.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 1: 235، محاضرات فی اُصول الفقه 4: 46 ـ 47.
  • )) مناهج الوصول 2: 90 ـ 91 .
  • )) نهایة الدرایة 2: 273 ـ 276.
  • )) تقدّم فی الصفحة 19 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 257 ـ 258 والجزء الثالث : 12 و 16 ـ 17 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 20 .