الفصل الثامن التعرّض لبعض أنحاء الوجوب

أحدها : فی بیان متعلّق الواجب التخییریّ

أحدها : فی بیان متعلّق الواجب التخییریّ

‏ ‏

‏عن العلاّمة الأراکیّ ‏‏قدس سره‏‏: أنّ الواجب التخییریّ هو أن یتعلّق بکلّ واحد من‏‎ ‎‏الأطراف إرادة ناقصة، ولا توجب هذه الإرادات الناقصة سدّ جمیع أبواب العدم، بل‏‎ ‎‏تسدّ جمیع الأبواب إلاّ باب عدمه فی ظرف وجود الطرف الآخر.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ هو من قبیل الواجبین أو الواجبات التعلیقیّة، فیجب هذا حین‏‎ ‎‏ترک الآخر، وبالعکس‏‎[1]‎‏، انتهیٰ مرامه.‏

‏وقد فرغنا نحن بحمد الله عن بطلان هذا المسلک فی المتزاحمین‏‎[2]‎‏، ویلزم‏‎ ‎‏علیه تعدّد العقاب أیضاً.‏

‏وما ذکرناه هناک: هو أنّ حین الترک لا یعقل أن یکون مطلقاً، وإذا کان موقّتاً‏‎ ‎‏فبمضیّ وقت طرف یمضی وقت الطرف الآخر أیضاً، کما هو الواضح الظاهر. هذا‏‎ ‎‏مع لزوم کون الجمع بین الأطراف، مضرّاً بالوجوب.‏

وعن آخر:‏ أنّ کلّ واحد من الطرفین أوالأطراف، واجب مشروط بعدم الآخر‏‎[3]‎‏.‏

‏وأنت خبیر بما فیه من تعدّد العقاب أوّلاً، ولا یمکن دفعه کما توهّم‏‎[4]‎‏. مع أنّ‏‎ ‎‏عدم الآخر لا یمکن أن یلاحظ مطلقاً، وإلاّ لا یحصل شرط وجوب الآخر، وإذا‏‎ ‎‏لوحظ الآخر فی زمان خاصّ، فبمضیّه یمضی ظرف الزمان للطرف الآخر، فتدبّر‏‎ ‎‏جیّداً تعرف حقیقة المطلب.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 26
‏هذا مع أنّ الإشکال الأخیر یتوجّه إلیه أیضاً؛ ضرورة أنّ قضیّة الاشتراط‏‎ ‎‏عدم اتصاف کلّ طرف بالوجوب عند الجمع بینها.‏

وعن ثالث:‏ أنّ کلّ طرف واجب تعییناً، إلاّ أنّه یسقط بالإتیان بأحد‏‎ ‎‏الأطراف؛ لانتفاء موضوعه. وهذا نظیر الواجب التعیینیّ علی الولیّ، فإنّ ذلک یسقط‏‎ ‎‏بالتبرّع، وهکذا فی مثل الدین وأمثاله‏‎[5]‎‏.‏

وفیه:‏ لزوم تعدّد العقاب عند الترک، وهو غیر مرضیّ فی الواجبات التخییریّة‏‎ ‎‏عند کافّة ذوی العقول. وهذا أقلّ محذوراً من سائر المقالات المشار إلیها.‏

وتوهّم:‏ أنّه إذا کان هکذا، فلابدّ من أن تتعلّق الإرادة بواحد من الأطراف‏‎[6]‎‏،‏‎ ‎‏فی غیر محلّه؛ لأنّ المدّعیٰ توهّم امتناع التخییریّ، فإذا کان کذلک فعلی المولیٰ أن‏‎ ‎‏یرید الأطراف تعییناً حتّیٰ یصل إلیٰ مرامه، وبکلمة «أو» أفاد سقوط موضوع‏‎ ‎‏التکلیف بإتیان الطرف الآخر. وبهذا یمکن دفع شبهة تعدّد العقاب أیضاً، فتأمّل.‏

وعن رابع:‏ أنّ فی التخییریّ واجباً تعینیّاً معلوماً عندالله ، وهو مجهول لنا،‏‎ ‎‏وفی تجهیل ذلک علینا مصلحة مخفیّة عنّا‏‎[7]‎‏، وهو من قبیل إمضاء الأمارات المؤدّیة‏‎ ‎‏إلیٰ خلاف مصالح المولی؛ لمصالح اُخر أعلیٰ. فما توهّم من الإشکالات علیٰ هذا‏‎ ‎‏المسلک‏‎[8]‎‏، غفلة وذهول عن هذه الدقیقة.‏

‏وأنت قد أحطت خبراً: بأنّه لا داعی إلیٰ اختیار هذه المسالک أو ما سبق فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 27
‏أصل البحث؛ إلاّ لزوم الامتناع العقلیّ علی القول بالواجب التخییریّ الذی هو ظاهر‏‎ ‎‏دلیله، وحیث قد تبیّن إمکانه، أو لم یتمّ دلیل علیٰ امتناعه، فیتّبع ذلک الظاهر،‏‎ ‎‏وتسقط هذه المسالک مع ما فیها من المفاسد.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 28

  • )) نهایة الأفکار 1: 368 ـ 369 و391 ـ 392.
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 485 ـ 487 .
  • )) بدائع الأفکار، المحقّق الرشتی: 390 / السطر 5 .
  • )) منتهی الاُصول 1: 218 .
  • )) لاحظ شرح العضدی علیٰ مختصر ابن الحاجب 1: 86 / السطر 21، قوانین الاُصول 1: 116 / السطر 16.
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 4: 29 و31 .
  • )) نقل هذا القول فی کثیر من کتب القوم ونسب إلیٰ الأشاعرة والمعتزلة کلیهما لکنّهما تحاشیا عنه ونسبه کلّ منهما إلیٰ صاحبه. المحصول فی علم اُصول الفقه 1: 274، شرح العضدیعلیٰ مختصر ابن الحاجب 1: 86 / السطر 22، معالم الدین: 74 / السطر 15، قوانین الاُصول 1: 116 / السطر 17، الفصول الغرویّة: 102 / السطر 12.
  • )) المحصول فی علم اُصول الفقه 1: 274، منتهی الاُصول 1: 224.