ثالثها : مقتضی الاُصول العملیّة عند الدوران بین التعیین والتخییر
هل أنّ قضیّة الاُصول العملیّة فی دوران الأمر بین التعیین والتخییر، هی البراءة، أم الاشتغال، أو المسالک فی ذلک مختلفة؟ وقد مرّ بعض الکلام فی مباحث
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 30
الترتّب، وسیظهر تحقیقه فی مباحث الاشتغال والبراءة.
وإجمال الکلام فی المقام: أنّه إن قلنا بأنّ الوجوب التخییریّ نوع وجوب یوصف به الشیء خارجاً، فالقاعدة تقتضی الاشتغال؛ لرجوع الشکّ إلیٰ الشکّ فی السقوط.
وإن قلنا: بأنّه من قبیل الوجوب التعلیقیّ، أو المشروط، أو یرجع إلیٰ الوجوب التعیینیّ ووجوب الجامع الذاتیّ، فالقاعدة تقتضی البراءة، کما هو الظاهر.
وإن قلنا: بأنّ الواجب هو عنوان انتزاعیّ وهو «الواحد منهما» فربّما یشکل إجراء البراءة، فتأمّل.
ثمّ إذا شکّ فی أنّ الجمع بین الأطراف یجزئ، أم لابدّ من الاکتفاء بأحدلأطراف، لاحتمال التضادّ بین الأغراض، فعلیٰ مسلکنا فی الواجب التخییریّ، لابدّ من الاقتصار علیٰ إتیان أحد الأطراف؛ لأنّه معلوم وجوبه، وأنّه واضح کونه مورد الإرادة. ویحتمل عدم سقوط تلک الإرادة و ذلک الوجوب بالانضمام، ولا أصل یحرز به عدم المضادّة والمانعیّة.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ مقتضیٰ حدیث الرفع رفع المانعیّة عن الموجود، فتدبّر.
أو یقال: بأن المانعیّة لا تتصوّر إلاّ برجوعها إلیٰ اشتراط عدم کلّ طرف بالنسبة إلیٰ الطرف الآخر، وعندئذٍ تجری البراءة عن القید الزائد.
وأمّا علیٰ القول بالوجوب المشروط، فلابدّ من الالتزام بعدم جواز الجمع کلاًّ؛ لأنّ ترک کلّ طرف شرط لوجوب الطرف الآخر.
وهذه هی ثمرة هذا القول والمسلک فی الواجب التخییریّ، ولا یلتزم به من اختار قطعاً جواز الجمع فی بعض الموارد، أو فی کلّ مورد، بل ورجحانه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 31
هذا، والقول بالوجوب المعلّق أیضاً مثله؛ لأنّه عند الجمع بینهما لم یتمثل الأمرین، لأنّ کلّ واحد واجب عند ترک الآخر، فلیتدبّر.
وأمّا علیٰ القول: بأنّ الواجب هو الجامع الذاتیّ، والأطراف أسباب ومحصّلات شرعیّة، فجریان البراءة أو الاشتغال مورد الخلاف، وتفصیله فی محلّه وقد قوّینا هناک إمکان التمسّک بالبراءة فی المحصّلات الشرعیّة.
وأمّا إذا کان الواجب هو الجامع الانتزاعیّ، فالجمع لا یضرّ بعنوان «الواحد منهما» لأنّه أمر ینتزع عند الاجتماع أیضاً، وکون الآخر مضرّاً ومضادّاً لامعنیٰ له، فتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 32