الفصل الثامن التعرّض لبعض أنحاء الوجوب

وهم ودفع : حول إتیان جماعة للواجب الکفائیّ عرضاً

وهم ودفع : حول إتیان جماعة للواجب الکفائیّ عرضاً

‏ ‏

‏لو تکفّل جماعة عَرْضاً لأداء الواجب الکفائیّ، کالصلاة علی المیّت، فهل‏‎ ‎‏لایسقط، أو یسقط؟‏

وعلیٰ الثانی:‏ یکون کلّ واحد مسقطاً، أو أحدها اللابعینه، أو أحدها المعیّن؟‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 47
‏وفی الکلّ محذور.‏

‏وهکذا إذا کان یعدّ المجموع مصداقاً واحداً، أو یکون المسقط فرداً منتشراً.‏

أقول:‏ جواز ذلک مبنیّ علیٰ کون الموضوع والمتعلّق، قابلین للتکرار عَرْضاً،‏‎ ‎‏فلایجوز إذا کانا صِرْف وجود المکلّف، أو صرف الطبیعة، علیٰ ما عرفت من‏‎ ‎‏تقریبه‏‎[1]‎‏، فإذا جاز ذلک فلابأس بتعدّد الأمر؛ لتعدّد المصداق، فیکون کلّ واحد‏‎ ‎‏واجباً ومسقطاً لأمره، ویکون کفائیّاً بالنسبة إلیٰ الأفراد الطولیّة، فتأمّل.‏

‏نعم، جعل الموضوع عنوان «الواحد» الانتزاعیّ الطبیعیّ القابل للصدق علی‏‎ ‎‏الکثیر‏‎[2]‎‏ مشکل؛ لما مضیٰ: من أنّ الموضوع هو «المکلّف» وهذا العنوان الانتزاعیّ‏‎ ‎‏غیر قابل لأن یکون مورد التکلیف والعقاب‏‎[3]‎‏. ومع رجوعه إلیٰ الخارج یعدّ من‏‎ ‎‏الفرد المنتشر، وهو غیر معقول کما تقرّر فی محلّه‏‎[4]‎‏.‏

‏ومع إرجاعه إلیٰ الواجب التخییریّ یلزم الخلف؛ وهو کون الواحد الانتزاعیّ‏‎ ‎‏مورد التکلیف، فتأمّل جیّداً.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ ما فی «الکفایة» من: «استحقاقهم للمثوبة، کما هو قضیّة توارد‏‎ ‎‏العلل المتعدّدة علیٰ معلول واحد»‏‎[5]‎‏ انتهیٰ، غیر صحیح؛ لأنّ کلّ واحد یستحقّ تمام‏‎ ‎‏الثواب والجُعْل لو کان استحقاق وجُعْل، والقاعدة المذکورة توجب الشرکة فی‏‎ ‎‏الجعل الواحد، کما إذا کان ما أتوا به من قبیل غسل المیّت ودفنه وتکفینه. ویمکن‏‎ ‎‏دعویٰ عدم استحقاقهم کلاًّ کما لا یخفیٰ، والأمر سهل.‏

وبالجملة:‏ هنا أسئلة:‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 48
أحدها:‏ هل یجوز أن یتصدّیٰ جماعة لامتثال الواجب الکفائیّ، أم لا؟‏

والجواب:‏ أنّ المفروغ عنه جوازه‏‎[6]‎‏؛ لأنّ الواجب لیس عنوان صرف‏‎ ‎‏الوجود بلحاظ نفی التکرّر والکثرة العرضیّة والطولیّة، لما أنّ معنیٰ «صرف الشی»‏‎ ‎‏أنّه لایتکرّر لا طولاً، ولا عرضاً، وهذا المعنیٰ هو المرعیّ فی هذه المواقف.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ تصدّی جماعة للدفن والکفن، لیس من صغریات هذه‏‎ ‎‏المسألة؛ لعدم تکرّر الأمر بتعدّد الأفراد، کما هو الظاهر، بل هو من قبیل رفع الحجر‏‎ ‎‏بتوسّط جماعة؛ فإنّه من قبیل توارد العلل علیٰ معلول واحد عرفاً، لا عقلاً.‏

ثانیها:‏ بعد الفراغ عن الجواز، فما هو المطلوب فی الکفائیّ حتّیٰ یمکن‏‎ ‎‏التکرار عرضاً، ولا یمکن طولاً؟ ضرورة أنّه مع وحدة الغرض فلا یعقل، ومع تعدّده‏‎ ‎‏فلا یکون من الکفائیّ.‏

وإن شئت قلت:‏ إن کان الموضوع أوالمتعلّق الطبیعیَّ أو الطبیعةَ، فهوکما یتکرّر‏‎ ‎‏عرضاً، یتکرّرطولاً، ولایکفی ذلک لاعتبا رسقوط الأمر بالنسبة إلیٰ الأفراد الطولیّة،‏‎ ‎‏ولکثرة الأمر بالنسبة إلیٰ الأفراد العرضیّة، فکیف یعقل أن یوصف کلّ فرد من أفراد‏‎ ‎‏صلاة المیّت العرضیّة بالوجوب، ولا یبقی الوجوب بالنسبة إلیٰ الأفراد الطولیّة؟!‏

‏فلو کانت صلاة المیّت کدفنه فی اجتماع الناس علیٰ إتیانها بمصداق واحد‏‎ ‎‏فهو، وأمّا مع تکرّر المصداق المستلزم لکون الغرض متعدّداً والأمر متعدّداً ـ لأنّ‏‎ ‎‏هذا هو قضیّة تکرّر الامتثال فکیف یعقل؟!‏

‏وما قیل جواباً: بأنّ الطبیعة إذا کانت من حیث هی هی مطلوبة، فإن أتیٰ بها‏‎ ‎‏واحد فقد امتثل الأمر، وإن أتیٰ بها جماعة عرضاً فقد أتوا أیضاً بنفس الطبیعة، کما‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 49
‏عن العلاّمة الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‎[7]‎‏ فهو غیر وافٍ؛ لأنّه مع تعدّد الصلاة خارجاً،‏‎ ‎‏وتعدّد الاتصاف بالوجوب، لابدّ من تعدّد الأمر، وتعدّد الغرض، وهذا علیٰ خلاف‏‎ ‎‏طبع الکفائیّ، فهل إلیٰ حلّ هذه المعضلة من سبیل؟‏

أقول:‏ لعمری، إنّ هذه المعضلة لا تنحلّ إلاّ علیٰ ما أشرنا إلیه فی مطاوی‏‎ ‎‏بحوثنا السابقة: وهو أنّ العینیّ والکفائیّ ربّما لا یختلفان فی مرحلة الجعل والطلب‏‎ ‎‏وتعدّد الغرض، ویختلفان فی أنّه للمولیٰ فی العینیّ لا یکون غرض وراء تلک‏‎ ‎‏الأغراض الملزمة فی العینیّ، ولکن فی الکفائیّ یکون له الغرض الآخر؛ وهو‏‎ ‎‏تسهیل الأمر أحیاناً، أو ملاحظة الجهة الاُخریٰ، فعند ذلک ـ بدلیل منفصل یؤدّی‏‎ ‎‏ذلک الغرض، وتصیر النتیجة الکفائیّة‏‎[8]‎‏.‏

مثلاً:‏ یأمر کلّ واحد بالصلاة علی المیّت، أو بالطواف حول البیت، وإذا قام‏‎ ‎‏جماعة بذلک الواجب، یجد أنّه حکم ربّما ینتهی إلی الصعوبة المنتفیة فی أصل‏‎ ‎‏الدیانة الإسلامیّة، فیرتضی بترک الآخرین بعد إتیان الأوّلین.‏

‏وهذا معنیٰ سقوط التکلیف، وإلاّ ففی الواقع ونفس الأمر لا یکون التکلیف‏‎ ‎‏ثابتاً؛ حتّیٰ یلزم المحذور العقلیّ بالنسبة إلیٰ ناحیة المولی الحقیقیّ.‏

وبالجملة:‏ فی مرحلة الجعل والإنشاء قبل قیام الناس بالوظیفة، یکون الکلّ‏‎ ‎‏مورد الأمر، وتکون الطبیعة مورد الإیجاب، ولکن بعد قیامهم بها یسقط عن‏‎ ‎‏الآخرین. وهذا معناه أنّ الدلیل المنفصل قام علیٰ أنّه إذا أتیٰ بها واحد أو جماعة،‏‎ ‎‏یسقط عن الآخرین طولاً، فافهم واغتنم.‏

ثالثها:‏ بعد الفراغ من هذا وذاک فلا إشکال فی تعدّد الثواب بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الفرض الثانی، وإنّما الإشکال فی الفرض الأوّل؛ وأنّه ـ حسب التحقیق  ‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 50
‏لایستحقّق أحد منهم شیئاً إذا کان الثواب مجعولاً لمن تکفّل الدفن مثلاً، فإنّه لا‏‎ ‎‏یصدق إلاّ علیٰ المجموع، ولا یستند الفعل إلیٰ واحد، والمجموع القائم به لیس‏‎ ‎‏مورد الأمر اعتباراً، حتّیٰ یستحقّ ذلک الواحد الاعتباریّ شیئاً، بل ولا یعقل الأمر‏‎ ‎‏بالنسبة إلیٰ تلک الوحدة وإن کان فعلهم وافیاً بالغرض، ومسقطاً للأمر، ولکنّه لا‏‎ ‎‏یستلزم الاستحقاق عقلاً لو کان یستحقّ أحد علیٰ مولاه شیئاً، فهنا لا استحقاق‏‎ ‎‏رأساً، والالتزام بذلک مشکل جدّاً.‏

والجواب:‏ أنّ مقتضیٰ ما تحرّر فی کیفیّة اعتبار الطبیعة والأجزاء؛ هو أنّ‏‎ ‎‏الأجزاء فانیة فیها، ولا تلاحظ بحیالها، وإذا لوحظ کلّ جزء بحیال الکلّ، فیصحّ نفی‏‎ ‎‏الکلّ واسم الطبیعة عنه، وإذا لوحظت الطبیعة بمجموع الأجزاء، تصدق الطبیعة علیٰ‏‎ ‎‏کلّ مرتبة وجزء حال الفناء فیها‏‎[9]‎‏.‏

مثلاً:‏ یصحّ سلب الصلاة عن الرکوع، فیقال: «الرکوع لیس صلاة» ویصحّ‏‎ ‎‏حمل الصلاة علیٰ الرکوع الفانی فی الطبیعة؛ فإنّ المصلّی فی جمیع الحالات‏‎ ‎‏مشغول بالصلاة، مع أنّه لا یکون مشغولاً إلاّ ببعض الأجزاء المندرجة.‏

‏إذا تبیّن لک هذه الحقیقة الراقیة إجمالاً، یتبیّن ویتّضح لک هنا: أنّ المعلول مع‏‎ ‎‏وحدته یستند إلی المجموع، وفی هذا الاستناد یکون مستنداً إلیٰ الکلّ والأجزاء،‏‎ ‎‏فالدفن مستند إلی الجزء الفانی فی الکلّ، دون الجزء بحیال الکلّ، وهذا المقدار من‏‎ ‎‏الاستناد یصحّح الاستحقاق، فلیتأمّل.‏

‏ومن الممکن أن یکون الثواب الواحد جُعالة علیٰ دفن المیّت، لا علیٰ من‏‎ ‎‏یدفنه، فإذا دفن المیّت فلابدّ عقلاً من إعطاء الاُجرة علی الدفن بالضرورة، فلا یعتبر‏‎ ‎‏الموضوع، کما مرّ فی اعتبار الثواب، فلیتدبّر جیّداً.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 51

  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 331 ـ 332 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 4: 55 ـ 56 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 41 .
  • )) لاحظ البیع ، الإمام الخمینی قدس سره 3 : 285 .
  • )) کفایة الاُصول: 177 .
  • )) کفایة الاُصول: 177، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 1: 236، نهایة الأفکار 1: 395، نهایة الاُصول: 230 .
  • )) نهایة الاُصول: 230 ـ 231 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 42 ومابعدها.
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 13 ـ 14، 18 ـ 22 .