وهم ودفع : حول إتیان جماعة للواجب الکفائیّ عرضاً
لو تکفّل جماعة عَرْضاً لأداء الواجب الکفائیّ، کالصلاة علی المیّت، فهل لایسقط، أو یسقط؟
وعلیٰ الثانی: یکون کلّ واحد مسقطاً، أو أحدها اللابعینه، أو أحدها المعیّن؟
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 47
وفی الکلّ محذور.
وهکذا إذا کان یعدّ المجموع مصداقاً واحداً، أو یکون المسقط فرداً منتشراً.
أقول: جواز ذلک مبنیّ علیٰ کون الموضوع والمتعلّق، قابلین للتکرار عَرْضاً، فلایجوز إذا کانا صِرْف وجود المکلّف، أو صرف الطبیعة، علیٰ ما عرفت من تقریبه، فإذا جاز ذلک فلابأس بتعدّد الأمر؛ لتعدّد المصداق، فیکون کلّ واحد واجباً ومسقطاً لأمره، ویکون کفائیّاً بالنسبة إلیٰ الأفراد الطولیّة، فتأمّل.
نعم، جعل الموضوع عنوان «الواحد» الانتزاعیّ الطبیعیّ القابل للصدق علی الکثیر مشکل؛ لما مضیٰ: من أنّ الموضوع هو «المکلّف» وهذا العنوان الانتزاعیّ غیر قابل لأن یکون مورد التکلیف والعقاب. ومع رجوعه إلیٰ الخارج یعدّ من الفرد المنتشر، وهو غیر معقول کما تقرّر فی محلّه.
ومع إرجاعه إلیٰ الواجب التخییریّ یلزم الخلف؛ وهو کون الواحد الانتزاعیّ مورد التکلیف، فتأمّل جیّداً.
وغیر خفیّ: أنّ ما فی «الکفایة» من: «استحقاقهم للمثوبة، کما هو قضیّة توارد العلل المتعدّدة علیٰ معلول واحد» انتهیٰ، غیر صحیح؛ لأنّ کلّ واحد یستحقّ تمام الثواب والجُعْل لو کان استحقاق وجُعْل، والقاعدة المذکورة توجب الشرکة فی الجعل الواحد، کما إذا کان ما أتوا به من قبیل غسل المیّت ودفنه وتکفینه. ویمکن دعویٰ عدم استحقاقهم کلاًّ کما لا یخفیٰ، والأمر سهل.
وبالجملة: هنا أسئلة:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 48
أحدها: هل یجوز أن یتصدّیٰ جماعة لامتثال الواجب الکفائیّ، أم لا؟
والجواب: أنّ المفروغ عنه جوازه؛ لأنّ الواجب لیس عنوان صرف الوجود بلحاظ نفی التکرّر والکثرة العرضیّة والطولیّة، لما أنّ معنیٰ «صرف الشی» أنّه لایتکرّر لا طولاً، ولا عرضاً، وهذا المعنیٰ هو المرعیّ فی هذه المواقف.
وغیر خفیّ: أنّ تصدّی جماعة للدفن والکفن، لیس من صغریات هذه المسألة؛ لعدم تکرّر الأمر بتعدّد الأفراد، کما هو الظاهر، بل هو من قبیل رفع الحجر بتوسّط جماعة؛ فإنّه من قبیل توارد العلل علیٰ معلول واحد عرفاً، لا عقلاً.
ثانیها: بعد الفراغ عن الجواز، فما هو المطلوب فی الکفائیّ حتّیٰ یمکن التکرار عرضاً، ولا یمکن طولاً؟ ضرورة أنّه مع وحدة الغرض فلا یعقل، ومع تعدّده فلا یکون من الکفائیّ.
وإن شئت قلت: إن کان الموضوع أوالمتعلّق الطبیعیَّ أو الطبیعةَ، فهوکما یتکرّر عرضاً، یتکرّرطولاً، ولایکفی ذلک لاعتبا رسقوط الأمر بالنسبة إلیٰ الأفراد الطولیّة، ولکثرة الأمر بالنسبة إلیٰ الأفراد العرضیّة، فکیف یعقل أن یوصف کلّ فرد من أفراد صلاة المیّت العرضیّة بالوجوب، ولا یبقی الوجوب بالنسبة إلیٰ الأفراد الطولیّة؟!
فلو کانت صلاة المیّت کدفنه فی اجتماع الناس علیٰ إتیانها بمصداق واحد فهو، وأمّا مع تکرّر المصداق المستلزم لکون الغرض متعدّداً والأمر متعدّداً ـ لأنّ هذا هو قضیّة تکرّر الامتثال فکیف یعقل؟!
وما قیل جواباً: بأنّ الطبیعة إذا کانت من حیث هی هی مطلوبة، فإن أتیٰ بها واحد فقد امتثل الأمر، وإن أتیٰ بها جماعة عرضاً فقد أتوا أیضاً بنفس الطبیعة، کما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 49
عن العلاّمة الاُستاذ البروجردیّ قدس سره فهو غیر وافٍ؛ لأنّه مع تعدّد الصلاة خارجاً، وتعدّد الاتصاف بالوجوب، لابدّ من تعدّد الأمر، وتعدّد الغرض، وهذا علیٰ خلاف طبع الکفائیّ، فهل إلیٰ حلّ هذه المعضلة من سبیل؟
أقول: لعمری، إنّ هذه المعضلة لا تنحلّ إلاّ علیٰ ما أشرنا إلیه فی مطاوی بحوثنا السابقة: وهو أنّ العینیّ والکفائیّ ربّما لا یختلفان فی مرحلة الجعل والطلب وتعدّد الغرض، ویختلفان فی أنّه للمولیٰ فی العینیّ لا یکون غرض وراء تلک الأغراض الملزمة فی العینیّ، ولکن فی الکفائیّ یکون له الغرض الآخر؛ وهو تسهیل الأمر أحیاناً، أو ملاحظة الجهة الاُخریٰ، فعند ذلک ـ بدلیل منفصل یؤدّی ذلک الغرض، وتصیر النتیجة الکفائیّة.
مثلاً: یأمر کلّ واحد بالصلاة علی المیّت، أو بالطواف حول البیت، وإذا قام جماعة بذلک الواجب، یجد أنّه حکم ربّما ینتهی إلی الصعوبة المنتفیة فی أصل الدیانة الإسلامیّة، فیرتضی بترک الآخرین بعد إتیان الأوّلین.
وهذا معنیٰ سقوط التکلیف، وإلاّ ففی الواقع ونفس الأمر لا یکون التکلیف ثابتاً؛ حتّیٰ یلزم المحذور العقلیّ بالنسبة إلیٰ ناحیة المولی الحقیقیّ.
وبالجملة: فی مرحلة الجعل والإنشاء قبل قیام الناس بالوظیفة، یکون الکلّ مورد الأمر، وتکون الطبیعة مورد الإیجاب، ولکن بعد قیامهم بها یسقط عن الآخرین. وهذا معناه أنّ الدلیل المنفصل قام علیٰ أنّه إذا أتیٰ بها واحد أو جماعة، یسقط عن الآخرین طولاً، فافهم واغتنم.
ثالثها: بعد الفراغ من هذا وذاک فلا إشکال فی تعدّد الثواب بالنسبة إلی الفرض الثانی، وإنّما الإشکال فی الفرض الأوّل؛ وأنّه ـ حسب التحقیق
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 50
لایستحقّق أحد منهم شیئاً إذا کان الثواب مجعولاً لمن تکفّل الدفن مثلاً، فإنّه لا یصدق إلاّ علیٰ المجموع، ولا یستند الفعل إلیٰ واحد، والمجموع القائم به لیس مورد الأمر اعتباراً، حتّیٰ یستحقّ ذلک الواحد الاعتباریّ شیئاً، بل ولا یعقل الأمر بالنسبة إلیٰ تلک الوحدة وإن کان فعلهم وافیاً بالغرض، ومسقطاً للأمر، ولکنّه لا یستلزم الاستحقاق عقلاً لو کان یستحقّ أحد علیٰ مولاه شیئاً، فهنا لا استحقاق رأساً، والالتزام بذلک مشکل جدّاً.
والجواب: أنّ مقتضیٰ ما تحرّر فی کیفیّة اعتبار الطبیعة والأجزاء؛ هو أنّ الأجزاء فانیة فیها، ولا تلاحظ بحیالها، وإذا لوحظ کلّ جزء بحیال الکلّ، فیصحّ نفی الکلّ واسم الطبیعة عنه، وإذا لوحظت الطبیعة بمجموع الأجزاء، تصدق الطبیعة علیٰ کلّ مرتبة وجزء حال الفناء فیها.
مثلاً: یصحّ سلب الصلاة عن الرکوع، فیقال: «الرکوع لیس صلاة» ویصحّ حمل الصلاة علیٰ الرکوع الفانی فی الطبیعة؛ فإنّ المصلّی فی جمیع الحالات مشغول بالصلاة، مع أنّه لا یکون مشغولاً إلاّ ببعض الأجزاء المندرجة.
إذا تبیّن لک هذه الحقیقة الراقیة إجمالاً، یتبیّن ویتّضح لک هنا: أنّ المعلول مع وحدته یستند إلی المجموع، وفی هذا الاستناد یکون مستنداً إلیٰ الکلّ والأجزاء، فالدفن مستند إلی الجزء الفانی فی الکلّ، دون الجزء بحیال الکلّ، وهذا المقدار من الاستناد یصحّح الاستحقاق، فلیتأمّل.
ومن الممکن أن یکون الثواب الواحد جُعالة علیٰ دفن المیّت، لا علیٰ من یدفنه، فإذا دفن المیّت فلابدّ عقلاً من إعطاء الاُجرة علی الدفن بالضرورة، فلا یعتبر الموضوع، کما مرّ فی اعتبار الثواب، فلیتدبّر جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 51