الفصل الثامن التعرّض لبعض أنحاء الوجوب

رابعها : فی أنّ القضاء بالأمر الأوّل أو الجدید

رابعها : فی أنّ القضاء بالأمر الأوّل أو الجدید

‏ ‏

‏قد اشتهر بین أبناء التحقیق، تذییل هذه المسألة بمسألة «أنّ القضاء هل هو‏‎ ‎‏بالأمر الأوّل وتابع للأداء، أم القضاء بالأمر الجدید والأمر الآخر؟» وأنت خبیر:‏‎ ‎‏بأنّها لیست مسألة اُصولیّة کلّیة.‏

‏وما هو الأولیٰ بالبحث: هو أنّه مع الإخلال ببعض قیود الواجب ـ زماناً کان،‏‎ ‎‏أو زمانیّاً فهل یبقی الوجوب، أم لا؟ وقد تعرّضوا لهذه المسألة فی مباحث الاشتغال‏‎ ‎‏تحت عنوان آخر؛ وهو «أنّ مقتضیٰ أدلّة الأجزاء والشرائط، هل هو الرکنیّة، فیکون‏‎ ‎‏لازمها أصالة الرکنیّة، أم لا؟»‏‎[1]‎‏ بعد الفراغ عن إطلاقها.‏

فبالجملة تحصّل:‏ أنّ هذه المسألة من صغریات تلک المسألة فی بحوث‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 62

‏البراءة والاشتغال.‏

‏وحیث إنّ اختلاف ألسنة الأدلّة فی کیفیّة أداء القید والشرط، یورث‏‎ ‎‏الاختلاف فی المسألة، کان ینبغی أن یحوّل البحث إلیٰ الفقه، حتّیٰ یکون علیٰ ضوءٍ‏‎ ‎‏مفیدٍ ، ولکن قضیّة التبعیّة لهم ـ رضیالله عنهم هو الإیماء إلیٰ هذه المسألة خصوصاً،‏‎ ‎‏لیکون المراجع علیٰ خبر بما هو الحقّ.‏

فنقول:‏ اختلفوا فی أنّ القضاء بالأمر الأوّل أو الجدید علیٰ أقوال: فالمعروف‏‎ ‎‏عنهم عدم الدلالة‏‎[2]‎‏، وقیل: بدلالة الأمر الأوّل علیٰ عدم الوجوب خارج الوقت‏‎[3]‎‏.‏

‏وعن بعض: دلالة الأمر الأوّل عند ترک المأمور به فی الوقت عصیاناً، وأمّا‏‎ ‎‏إذا ترکه لا عن عصیان، فلا دلالة له علی القضاء خارجه.‏

وقیل:‏ بالتفصیل بین کون التقیید بالوقت بالمتّصل، أو المنفصل، فإن کان دلیل‏‎ ‎‏المقیّد متّصلاً فلا دلالة للأمر الأوّل، وإن کان منفصلاً فیدلّ‏‎[4]‎‏.‏

‏وقد فصّل «الکفایة» بین ما إذا کان لدلیل المنفصل إطلاق، وما إذا کان‏‎ ‎‏مهملاً‏‎[5]‎‏، فإن کان له إطلاق فلا یدلّ، وإن لم یکن له إطلاق، وکان لدلیل الواجب‏‎ ‎‏إطلاق، فدلیل الواجب متّبع، ویدلّ علیٰ بقاء الوجوب خارج الوقت؛ لأنّ الوقت‏‎ ‎‏المضروب له هو القدر المتیقّن من التقیید حال القدرة، والوقت الخارج مورد الشکّ،‏‎ ‎‏وإطلاق دلیل الواجب محکّم ورافع للشبهة والشکّ، فلو ترکها فی الوقت عصیاناً‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 63

‏مثلاً، فعلیه خارج الوقت إتیانها.‏

أقول:‏ هذه هی الوجوه والأقوال فی المسألة، والذی یقتضیه النظر: هو أنّ‏‎ ‎‏محـلّ النـزاع والمقصـود فی المقام؛ هو ما إذا کان الدلیل علیٰ التقیید بالوقت،‏‎ ‎‏کالدلیل علی التقیید بالطهارة والستر، فکما أنّه فی سائر الأجزاء والقیود والشرائط،‏‎ ‎‏لا تکون أدلّة إلاّ تفید قیدیّة الأجزاء والشرائط للطبیعة المأمور بها، ویکون الأمر‏‎ ‎‏الثانی إرشاداً إلی التقیید وتضییق دائرة الطلب، کذلک دلیل الوقت لا یفید إلاّ تقیید‏‎ ‎‏الطبیعة به، ویکون فی موقف اشتراطها بالوقت کاشتراطها بالطهارة. فتوهّم تعدّد‏‎ ‎‏المطلوب هنا‏‎[6]‎‏ بلا وجه، کما لا تعدّد للمطلوب فی سائر الأجزاء الزمانیّة.‏

‏فما یظهر من جمع من الإطالة فی هذه المقالة حول وحدة المطلوب‏‎ ‎‏وتعدّده‏‎[7]‎‏، فهو بحث آخر یشترک فیه سائر القیود والشرائط، ولا ینبغی الخلط؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّه علیٰ تقدیر تعدّد المطلوب فلا منع من الإتیان بالطبیعة الفاقدة؛ إمّا‏‎ ‎‏مطلقاً، أو فی صورة العجز عن القید، طهارةً کانت، أو وقتاً.‏

‏إذا تبیّن محطّ الکلام فی المقام، فالذی هو التحقیق: سقوط دلیل الطبیعة‏‎ ‎‏بخروج الوقت، کسائر الأجزاء، ولا یعقل بقاء الباعثیّة لأمرها بعد انتفاء قیدها‏‎ ‎‏وشرطها، أو جزئها؛ لأنّ المفروض أنّ المراد بالإرادة المتعلّقة بالطبیعة علیٰ نعت‏‎ ‎‏الجدّ، هی الطبیعة المتقیّدة، دون الأعمّ.‏

‏نعم، بناءً علیٰ کون القید والشرط أو الجزء، مطلوباً ثانیاً فی الطبیعة ـ وإن‏‎ ‎‏کانت الطبیعة متقیّدة به فی حال الاختیار، بحیث لا یجوز البدار إلیها مع القدرة علی‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 64

‏القید والشرط فربّما یأتی تفصیل «الکفایة».‏

‏وربّما یشکل؛ من أجل أنّ دلیل الطبیعة إن کان له الإطلاق، فنتیجة الإطلاق‏‎ ‎‏هی مطلوبیّة الطبیعة فقط، وتکون الطبیعة تمام الموضوع، فعند ذلک لا یعقل کشف‏‎ ‎‏تعدّد المطلوب؛ لأنّ دلیل القید والجزء وإن کان له الإهمال، ولکنّه یورث التقیید‏‎ ‎‏طبعاً، ویکون إثبات المطلوبیّة خارج الوقت بلا وجه.‏

‏نعم، إذا کان مفاد إطلاق دلیل الطبیعة، مطلوبیّتها فی کلّ وقت، أو کان دلیل‏‎ ‎‏الطبیعة له العموم الأزمانیّ، فالتقیید المزبور لا یورث سقوط دلیل الطبیعة عن إثبات‏‎ ‎‏المطلوبیّة خارج الوقت.‏

‏وممّا ذکرناه فی هذا المقام، یظهر مواقف الخلط والاشتباه فی کلمات‏‎ ‎‏الأصحاب ـ رضیالله عنهم ولو شئنا الإیماء إلیها لطال الکلام، مع أنّه خروج عن‏‎ ‎‏وضع الکتاب، والله الهادی إلیٰ الصواب.‏

وبالجملة تحصّل:‏ أنّه فی محلّ النزاع لا معنیٰ لاختلافهم؛ لوضوح المسألة‏‎ ‎‏حسب العقل والعرف. وفیما فرضناه من فرض تعدّد المطلوب لاقتضاء دلیل الطبیعة‏‎ ‎‏ـ جمعاً بینه وبین دلیل القید، فیکون التقیید مخصوصاً بحال دون حال فلا معنیٰ‏‎ ‎‏أیضاً للخلاف فیه، فرجع الخلاف بین الأعلام فی المقام إلیٰ عدم تحریر مصبّ‏‎ ‎‏الکلام ومحطّ النفی والإثبات.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ من الممکن دعویٰ استفادة تعدّد المطلوب حتّیٰ مع القید‏‎ ‎‏المتّصل، کما اشتهر ذلک فی المندوبات‏‎[8]‎‏.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 65

  • )) فرائد الاُصول: 2: 482 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 4: 208، نهایة الأفکار 3: 418 .
  • )) عدّة الاُصول: 82 / السطر 20، الفصول الغرویّة: 114 / السطر 22، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 1: 237، نهایة الاُصول: 235 ـ 236، مناهج الوصول 2: 99 .
  • )) قوانین الاُصول 1: 99 / السطر 18 ـ 19، و134 / السطر 20، کفایة الاُصول: 178 .
  • )) لاحظ أجود التقریرات 1: 191، نهایة الأفکار 1: 397.
  • )) کفایة الاُصول: 178 .
  • )) کفایة الاُصول: 178 .
  • )) نهایة الأفکار 1: 397 ـ 398، نهایة الاُصول: 236 ـ 237، حقائق الاُصول 1 : 339 ـ 340 .
  • )) کفایة الاُصول: 291، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 2: 585 ، نهایة الاُصول 1: 237.