المقصد الثالث فی النواهی

إیقاظ وإفادة : حول أنّ مفاد الصیغة هل هی الحرمة أم لا؟

إیقاظ وإفادة : حول أنّ مفاد الصیغة هل هی الحرمة أم لا؟

‏ ‏

‏لاشبهة فی أنّه فی مورد التحریم بمادّة الحرمة کقوله تعالیٰ: ‏‏«‏حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ‎ ‎المَیْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِیرِ‏»‏‎[1]‎‏ یعتبر الحرمة الشرعیّة، وتتحقّق الصغریٰ بقاعدة‏‎ ‎«إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه»‎[2]‎‏.‏

‏إنّما الکلام فی تحقّقها بمادّة النهی وهیئته، فربّما یمکن أن یقال: إنّ التحریم‏‎ ‎‏لایمکن استفادته منهما إلاّ بالإطلاق‏‎[3]‎‏، ومعنیٰ إطلاقهما أنّ الحجّة من قبل المولیٰ‏‎ ‎‏تامّة علی التحریم، ولایعدّ الاعتذار عند التخلّف من العذر العقلائیّ، فلو کان مفاد‏‎ ‎‏الصیغة أو المادّة هی الحرمة کان لذلک وجه، وإلاّ فلا، وقد مرّ فی باب النواهی: أنّ‏‎ ‎‏الأمر حجّة علی العبد، کحجّیة العلم الإجمالیّ والاحتمال فی الشبهات المهتمّ بها،‏‎ ‎‏ولا کاشفیّة لها عن الواقع.‏

وبالجملة:‏ بعد صحّة استعمال مادّة النهی فی موارد التنزیه وهکذا صیغته،‏‎ ‎‏لایستفاد منهما التحریم.‏

أقول أوّلاً:‏ لو کان ما اُفید حقّاً للزم عدم جواز الإفتاء علیٰ طبق الأمر والنهی،‏‎ ‎‏ولایجوز أن یفتی الفقیه بوجوب شیء وحرمته؛ لأجل الأمر والنهی، وهذا خلاف‏‎ ‎‏الضرورة عند العرف والعقلاء.‏

وثانیاً:‏ قد تقرّر منّا أنّ حکم العقلاء عند الإطلاق، هو الاستکشاف والاطلاع‏‎ ‎‏علیٰ حدود إرادة المولیٰ، وأنّها إرادة إلزامیّة من غیر فرق بین الأمر والنهی، کما‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 94
‏فصّلناه فی تلک المباحث‏‎[4]‎‏.‏

‏والعجب من بعض أهل الفضل؛ حیث توهّموا أنّه فی مورد النهی تکون‏‎ ‎‏الکراهة، وفی مورد الأمر تکون الإرادة‏‎[5]‎‏!! وهذا لأجل الاغترار بظواهر کلمات‏‎ ‎‏أرباب المعقول؛ حتّیٰ مثل صدر المتألّهین فی کتابه الکبیر‏‎[6]‎‏، مع أنّ الکراهة من‏‎ ‎‏انفعالات النفس مقابل الحبّ، والإرادة فعل النفس، وهی تحصل فیمورد الأمر‏‎ ‎‏والنهی، وبمادّتهما وصیغتهما یکشف وجودها فی النفس، وبالإطلاق یعلم أنّها إرادة‏‎ ‎‏حتمیّة إلزامیّة، فإذن یصحّ اعتبار التحریم من موارد النهی، وتشمله القاعدة بناءً علیٰ‏‎ ‎‏شمولها لمعنی أعمّ من الأعیان والأحداث؛ ضرورة أنّ مادّة الحرمة یصحّ تعلّقها‏‎ ‎‏بذات الشیء، بخلاف النهی، وتفصیله یطلب من مکاسبنا المحرّمة، وقد تعرّضنا‏‎ ‎‏لحدودها فیها‏‎[7]‎‏، والله العالم.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 95

  • )) المائدة (5) : 3 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 81 ، الهامش 2 .
  • )) وقایة الأذهان: 325 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 105 .
  • )) لاحظ: نهایة الدرایة 2 : 286 .
  • )) الحکمة المتعالیة 4 : 113 .
  • )) المکاسب المحرّمة من تحریرات فی الفقه للمؤلّف مفقود، لاحظ مستند تحریر الوسیلة 1 : 298 وما بعدها .