المقصد الثالث فی النواهی

المقدّمة الثالثة : حول اُصولیّة مسألة اجتماع الأمر والنهی وعدمها

المقدّمة الثالثة : حول اُصولیّة مسألة اجتماع الأمر والنهی وعدمها

‏ ‏

‏هل أنّ هذه المسألة من المسائل الفقهیّة، أم الکلامیّة‏‎[1]‎‏، أم الاُصولیّة‏‎[2]‎‏، أم‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 126
‏من المبادئ الأحکامیّة‏‎[3]‎‏، أو التصدیقیّة‏‎[4]‎‏، أو لیس بشیء منها‏‎[5]‎‏؟ وجوه وأقوال،‏‎ ‎‏ومنها: أنّها من الکلّ‏‎[6]‎‏.‏

الأوّل:‏ أنّها من الفقهیّة؛ لأنّ البحث فی الحقیقة راجع إلیٰ أنّ العمل المنطبق‏‎ ‎‏علیه العنوان صحیح ونافذ، أم لا، ومجرّد اختلاف العنوان فی طرح البحث، لا‏‎ ‎‏یورث الخروج عن مسائل العلم، کما لا یخفیٰ.‏

‏وقیل بخلاف ذلک؛ ضرورة أنّه لو کان الأمر کما حرّر، لکانت جمیع المسائل‏‎ ‎‏الاُصولیّة من المسائل الفقهیّة‏‎[7]‎‏.‏

‏نعم، لا بأس بالالتزام بذلک؛ بدعویٰ أنّ المسألة الواحدة لأجل اختلاف‏‎ ‎‏الأنظار فیها، تعدّ من المسائل للعلوم الکثیرة؛ حسب کیفیّة الارتباط الحاصل بینها‏‎ ‎‏وبین موضوع العلم وسائر مسائله ومباحثه، ثمّ إنّه إذا کانت من المسائل الفقهیّة،‏‎ ‎‏فهی ذات وجهین: الصحّة، والفساد، فإذا قیل بالصحّة فلابدّ من الدلیل علیها، ولا‏‎ ‎‏یستدلّ لها إلاّ بجواز الاجتماع، وهکذا فی ناحیة الفساد لا یستدلّ إلاّ بعدم الجواز،‏‎ ‎‏وهذا یشهد علیٰ تعدّد المسألتین، وإلاّ یلزم کون الدلیل عین المسألة، فلا تخلط.‏

الثانی:‏ أنّها من المسائل الکلامیّة، وتقریب ذلک بأنّ البحث هنا حول إمکان‏‎ ‎‏اجتماع الإرادتین وامتناعه، أو حول قبح ذلک وعدم قبحه، أو أنّه هل یحصل‏‎ ‎‏الامتثال بالمجمع أم لا؟ غیر صحیح، ولذلک یتوجّه إلیه ما فی المفصّلات‏‎[8]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 127

‏نعم، لنا أن نقول: بأنّه یرجع البحث إلیٰ أنّ اجتماع الإرادتین، هل یستلزم‏‎ ‎‏التکلیف بالمحال أم لا، أو هل یرجع إلیٰ التکلیف المحال، أم لا؟ وعند ذلک یعدّ من‏‎ ‎‏المسائل الکلامیّة، أو هل مثل هذه قبیح من المبدأ الأعلیٰ، أم لا؟ وعلیٰ هذا‏‎ ‎‏لایتوجّه إلیه الإشکالات المزبورة علیٰ کونها کلامیّة.‏

‏نعم، یتوجّه إلیه ما أفاده جدّی الأعلیٰ ‏‏قدس سره‏‏ فی «التقریرات»: من أنّ هذه‏‎ ‎‏المسألة أعمّ، ولاتختصّ بالأحکام الشرعیّة والقوانین الإلهیّة، بل المسائل الاُصولیّة‏‎ ‎‏مباحث عقلائیّة کلّیة یستنتج منها المسائل الشرعیّة، فالبحث من هذه الجهة عامّ‏‎ ‎‏یشترک فیه المبدأ وغیر المبدأ من الموالی العرفیّین‏‎[9]‎‏، فاغتنم.‏

الثالث:‏ أنّها من المبادئ الأحکامیّة، والظاهر أنّ المبادئ الأحکامیّة هی‏‎ ‎‏المسائل الخاصّة بها الاُصول، ولا تشترک فیها سائر العلوم؛ لأنّ مبادئ العلم بین‏‎ ‎‏تصوّریة، وتصدیقیّة، ولا ثالث لهما.‏

‏والمراد منها هی المباحث المعنونة فی هذا العلم لکشف الحکم الشرعیّ من‏‎ ‎‏طریق العقل، مع دخالة النقل، کالبحث عن وجوب المقدّمة، وحرمة الضدّ، وحیث‏‎ ‎‏إنّ علم الاُصول لیس من العلوم المتعارفة کما سیمرّ علیک تحقیقه‏‎[10]‎‏، فلا منع من‏‎ ‎‏ازدیاد المبادئ الاُخر المسمّاة ب «المبادئ الأحکامیّة» فیها.‏

‏فما أوردنا علیها فیما سلف: من أنّها إمّا تکون تصوّریة راجعة إلیٰ تصوّر‏‎ ‎‏الموضوع والمحمول بحیال ذاتهما، أو تصدیقیّة راجعة إلیٰ الأدلّة والحجج القائمة‏‎ ‎‏علیٰ إثبات المحمول للموضوع، والأحکامیّة لیست منهما، ولا ثالث‏‎[11]‎‏، قابل للدفع‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 128

‏بما اُشیر إلیه؛ ضرورة أنّ البحث عن وجوب المقدّمة وحرمة الضدّ، لا یعدّ من‏‎ ‎‏المبادئ التصوّریة، ولا التصدیقیّة، فلابدّ وأن تکون من المبادئ الأحکامیّة؛ أی‏‎ ‎‏المقدّمات التی یستنتج منها الحکم الشرعیّ من الوجوب والحرمة؛ لأجل تعلّق‏‎ ‎‏الحکم الآخر بالموضوع الآخر.‏

‏وإدراجها فی المسائل الاُصولیّة حسبما سلکه المتأخّرون ممکن، ولکن بناءً‏‎ ‎‏علیٰ کون الموضوع علم الاُصول هی الحجّة فی الفقه‏‎[12]‎‏ یشکل الإدراج؛ لأنّه بحث‏‎ ‎‏عن الوجوب واللاوجوب، لا عن تعیّنات الحجّة واللاحجّة کما لایخفیٰ، ولاسیّما‏‎ ‎‏علیٰ ما فسّروا الحجّة: «من أنّها هی الحجّة بالحمل الأوّلی فقط»‏‎[13]‎‏.‏

أقول:‏ لو سلّمنا جمیع هذه المقدّمات، فلا نسلّم کونها من المبادئ الأحکامیّة؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ البحث فی هذه المسألة یدور مدار إمکان انحفاظ الإرادتین فی المجمع‏‎ ‎‏وعدمه، وهذا لیس من البحث عن الملازمات العقلیّة المستکشف بها الحکم‏‎ ‎‏الشرعیّ.‏

‏نعم، إن قلنا: بأنّ المقصود أعمّ من المبادئ المنتهیة إلیٰ کشف الحکم‏‎ ‎‏الشرعیّ، ومن المبادئ المنتهیة إلیٰ إمکان حفظ الحکم الشرعیّ علیٰ موضوعه، فهو‏‎ ‎‏وجیه، إلاّ أنّ لازمه خروج مباحث الظنّ والشکّ عن مسائل العلم؛ لما یبحث فیها‏‎ ‎‏عن الإمکان المزبور، فإنّ شبهات ابن قبة‏‎[14]‎‏ ترجع إلیٰ امتناع المحافظة علی‏‎ ‎‏الأحکام الواقعیّة فی مرتبة الأحکام الظاهریّة، فهذه المسألة خارجة عن المبادئ‏‎ ‎‏الأحکامیّة بالضرورة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 129

الرابع:‏ أنّها من المبادئ التصدیقیّة لعلم الاُصول؛ وذلک لأنّ البحث فی هذه‏‎ ‎‏المسألة صغرویّ، ویرجع إلیٰ أنّ عند القول بالامتناع یندرج موضعها فی کبریٰ‏‎ ‎‏مسألة التعارض، وعلی القول بالاجتماع یندرج فی کبریٰ مسألة التزاحم،‏‎ ‎‏وبالانضام إلی الکبریین المزبورتین تنتج النتیجة الفقهیّة‏‎[15]‎‏.‏

‏ومن العجیب أنّ تلمیذ العلاّمة النائینی ـ عفی عنهما ، اعترض علیه بما‏‎[16]‎‏ هو‏‎ ‎‏أجنبیّ عن فصوص کلامه!!‏

‏والذی یتوجّه إلیه: أنّ المبادئ التصدیقیّة فی کلّ علم عبارة عن الأدلّة‏‎ ‎‏الناهضة علیٰ إثبات الاتحاد بین المحمول والموضوع المعنون علیٰ سبیل التردّد فی‏‎ ‎‏أصل العلم.‏

مثلاً:‏ یعنون فی العلم أنّ الدور مستحیل بذاته، أم لا، فمن یدّعی استحالته‏‎ ‎‏الذاتیّة یقیم علیه البرهان، وهو من المبادئ التصدیقیّة، ومن ینکره یقیم أیضاً‏‎ ‎‏البرهان علیٰ عدم استحالته الذاتیّة، وهذا البرهان یعدّ من تلک المبادئ.‏

‏وأمّا فی المقام فالبحث أجنبیّ عن المبادئ التصدیقیّة، بل هو راجع إلی‏‎ ‎‏الفحص عن وجود الموضوع للمسألة الاُصولیّة؛ بناءً علیٰ صغرویّة النزاع، وتکون‏‎ ‎‏أشبه بالمبادئ التصوّریة والأدلّة الناهضة علیٰ إثبات هذا الموضوع، لا تعدّ من‏‎ ‎‏المبادئ التصدیقیّة للعلم.‏

وبالجملة:‏ هذه المسألة خارجة عن المبادئ التصوّریة أیضاً، وتکون من‏‎ ‎‏قبیل البحوث عن أصالة الوجود فی العلم الأعلیٰ، مع أنّ موضوعه الوجود، وإثبات‏‎ ‎‏موضوع العلم فی ذلک العلم لیس من مسائل العلم، ولا من المبادئ التصوّریة، ولا‏‎ ‎‏التصدیقیّة، کما تقرّر منّا فی «قواعدنا الحکمیّة» ولذلک أنکرنا فیها کونه موضوعاً،‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 130

‏وجعلنا الموضوع عنوانا قابلاً للانطباق علی الوجود والماهیّة؛ حتّیٰ یکون البحث‏‎ ‎‏عن الوجود والماهیّة وأصالتهما، من عوارضه وتبعاته.‏

الخامس:‏ أنّها من المسائل الاُصولیّة، وعلیٰ ذلک أکثر المتأخّرین‏‎[17]‎‏، ومنهم‏‎ ‎‏الوالد المحقّق‏‎[18]‎‏ ـ مدّظلّه وذلک لوقوعها فی طریق استنباط الحکم الفرعیّ، مثلاً إذا‏‎ ‎‏شکّ فی أنّ الصلاة فی المغصوبة صحیحة أم لا، فهی مسألة فقهیّة، فإن کان الجواز‏‎ ‎‏ممکناً نحکم بالصحّة، وإلاّ فنحکم بالفساد.‏

وتوهّم:‏ أنّ المسألة الاُصولیّة لا یعتبر فیها کونها فی طریق الاستنباط‏‎ ‎‏بطرفیها‏‎[19]‎‏، فی محلّه، إلاّ أنّ هذه المسألة یقع الطرفان فی طریقه؛ ضرورة أنّ القول‏‎ ‎‏بالفساد من المسائل الفقهیّة، وتترتّب علیه الآثار الشرعیّة، ومستنده الامتناع،‏‎ ‎‏والقول بالصحّة مثله.‏

‏بل قلّما یتّفق ذلک حتّیٰ فی مثل حجّیة الخبر الواحد والظواهر، فإنّ للفقیه‏‎ ‎‏الفتویٰ بعدم الوجوب أو بالوجوب مستنداً إلیٰ عدم حجّیة الخبر الواحد، أو عدم‏‎ ‎‏حجّیة الظواهر، فلا تخلط وتأمّل.‏

أقول:‏ المشهور عنهم «أنّ مسائل الاُصول هی الکبریات الواقعة فی طریق‏‎ ‎‏الاستنتاج‏‎[20]‎‏» ولو کان هذا حقّا لما کانت هذه المسألة منها؛ لعدم وقوعها کبریٰ‏‎ ‎‏قیاس الاستنباط.‏

مثلاً:‏ یقال: «قول زرارة حجّة؛ لأنّه خبر واحد، والخبر الواحد حجّة، فقوله‏‎ ‎‏حجّة» وهکذا، وأمّا فیما نحن فیه فلا تنطبق المسألة علیٰ المسألة الفقهیّة وهی‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 131

‏صحّة الصلاة فی الدار المغصوبة.‏

‏نعم، قد مرّ منّا فی تعریف علم الاُصول: أنّه الحجّة علیٰ المسائل الفقهیّة من‏‎ ‎‏غیر لزوم کونها کبریٰ، بل لابدّ من کونها ممّا یصحّ الاستناد إلیها لإثبات المحمول‏‎ ‎‏فی القضیّة الفقهیّة؛ سواء کانت بالتوسیط، أو بالانطباق‏‎[21]‎‏.‏

وتوهّم:‏ أنّها تتقیّد بعدم الانطباق‏‎[22]‎‏، فیغیر محلّه؛ لأنّ کثیراً منها تنطبق علی‏‎ ‎‏المسألة الفقهیّة، وتقع کبری الاستنباط والقیاس، وقد مضیٰ الفرق بین الکبریات‏‎ ‎‏الاُصولیّة والقواعد الفقهیّة بما لایقتضی الالتزام بالتقیید المزبور، فراجع‏‎[23]‎‏ وتدبّر.‏

‏فعلیٰ هذا، تکون هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة علیٰ تعریفنا، لا علیٰ‏‎ ‎‏تعریف القوم‏‎[24]‎‏؛ ضرورة أنّ الفقیه بعد الإفتاء بالصحّة یستند إلیٰ إمکان الاجتماع،‏‎ ‎‏وإذا أفتیٰ بالفساد یستند إلیٰ امتناعه.‏

‏والذیهو الحقّ: أنّ علم الاُصول لیس من العلوم الحقیقیّة المخصوصة‏‎ ‎‏بالأحکام الخاصّة، والمحصورة بالقیود والموازین العلمیّة المحرّرة فی علم المیزان،‏‎ ‎‏ولا من العلوم المتعلّقة بالأعیان الخارجیة تعلّقاً طبیعیّاً کالریاضیّات، بل هو من‏‎ ‎‏العلوم الاعتباریّة المدوّنة لحال البشر بعد الاجتماع، ولنظام الاُمّة بعد الحضارة‏‎ ‎‏والتمدّن، فلا ینتظر منها الانتظامات الخاصّة المعتبرة فی سائر العلوم، ولذلک أنکر‏‎ ‎‏بعض أربابه وجود الموضوع له رأساً‏‎[25]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 132

‏وإنّی وإن بحثت عن ذلک فی أوائل الکتاب‏‎[26]‎‏، وبادرت إلیٰ تعیین الموضوع‏‎ ‎‏له کسائر العلوم، ولکنّ الإنصاف أنّها مباحث متشتّتة یجمعها الغرض الوحدانیّ؛‏‎ ‎‏وهو الفرار من التکرار اللازم فی الفقه، ولتوسعة مباحثه ومطالبه دُوّن فی محلّ آخر،‏‎ ‎‏وإلاّ کان القدماء یتّکلون علیٰ جلّ هذه المسائل فی الفقه، فلو کان هو علماً آخر‏‎ ‎‏وراء الأدلّة علی المسائل الفقهیّة، لما کان وجه للخلط المزبور، فهو فی الحقیقة‏‎ ‎‏عبارة عن المبادئ التصدیقیة لمسألة فقهیّة، ومحلّ المبادئ التصدیقیّة هو العلم الذی‏‎ ‎‏یستدلّ بها فیه، ولا محلّ آخر له یختصّ به، فتأمّل.‏

وعلیٰ کلّ تقدیر:‏ الأمر سهل، والمقصود واضح، والإطالة من اللغو المنهیّ‏‎ ‎‏عنه، والله الهادی والمعتصَم.‏

‏ ‏

ذنـابـة

‏ ‏

‏قد تبیّن ممّا سلف: أنّ هذه المسالة عقلیّة محضة، ولیست لفظیّة، ولا‏‎ ‎‏مشترکة؛ ضرورة أنّ مناط المسألة العقلیّة هو کون البحث حول درک العقل وعدم‏‎ ‎‏درکه، من غیر کون الکلام حول الدلالات اللفظیّة، ومنه تبیّن مناط المسألة اللفظیّة.‏

‏وإذا تبیّن ذلک فاعلم: أنّ مسائل الاُصول بین ما تکون لفظیّة، کالبحث عن‏‎ ‎‏دلالة الأمر علیٰ کذا، والنهی علیٰ کذا، وعدمها، وما تکون عقلیّة ولفظیّة، کالبحث‏‎ ‎‏عن أنّ الأمر بالشی یقتضی حرمة ضدّه، فإنّه ربّما یستدلّ باللفظ والدلالات اللفظیّة،‏‎ ‎‏وربّما یستدلّ بالعقل، وما تکون عقلیّة صِرْفة، ولعلّ منها مسألة وجوب المقدّمة.‏

‏وأمّا مسألتنا هذه فهی منها بلا إشکال؛ لعدم الاستدلال فیها علیٰ دلالة الأمر،‏‎ ‎‏أو النهی، أو الشیء الآخر علیٰ إمکان الاجتماع واللا إمکانه. والاستشهاد ببعض‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 133

‏المسائل الشرعیّة‏‎[27]‎‏ والأخبار الآتیة‏‎[28]‎‏، لا یورث کونها أعمّ؛ لأنّها تکون مؤیّدة‏‎ ‎‏لدرک العقل، ولا یستدلّ بها استقلالاً.‏

‏بل لو کان یستدلّ بها، فهو أیضاً لا یوجب کون المسألة لفظیّة، أفما تریٰ أنّه‏‎ ‎‏یستدلّ علیٰ حجّیة الاستصحاب بالأخبار‏‎[29]‎‏، مع أنّ المسألة عقلیّة.‏

وبالجملة:‏ مع قیام الدلیل العقلیّ علی الإمکان أو علی الامتناع، فهو المتّبع‏‎ ‎‏دون غیره.‏

‏نعم، إذا لم یثبت الإمکان ولا الامتناع، واقتضیٰ فرضاً بعض الأخبار جواز‏‎ ‎‏الاجتماع، فیتعبّد به من غیر إمکان إحراز الإمکان المقابل للامتناع کما تحرّر فی‏‎ ‎‏أوائل مباحث الظنّ‏‎[30]‎‏ ولایعدّ أیضاً من الاستدلال علی المسألة بالدلیل اللفظیّ، فتأمّل.‏

‏ومن العجیب ما یستظهر من «الکفایة»‏‎[31]‎‏ وغیره‏‎[32]‎‏ من توّهم: أنّ المسألة‏‎ ‎‏لیست عقلیّة، وتوهّم أنّ عنوان المسألة حیث یکون «إجتماع الأمر والنهی ولا‏‎ ‎‏اجتماعه» وهو غالبیّ، یورث الخروج عن لفظیّة المسألة‏‎[33]‎‏!!‏

وأنت تعلم:‏ بأنّ الأمر والنهی متقوّمان بالإنشاء، والإنشاء المقصود فی المقام‏‎ ‎‏هو الإنشاء ذو الإطلاق، فلابدّ من کون الأمر والنهی مورد البحث والکلام، ولکنّه‏‎ ‎‏لایستلزم لفظیّة المسألة؛ لما تحرّر‏‎[34]‎‏. والمساس مع اللفظ لا یورث اللفظیّة، کما‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 134

‏هو الواضح.‏

‏ومن العجیب توهّم: أنّ المراد من «الأمر والنهی» لمّا کان أعمّ من الثابت‏‎ ‎‏بالکتاب والسنّة، فیکون البحث عقلیّاً‏‎[35]‎‏، مع أنّ الإجماع والعقل ـ کالکتاب والسنّة ‏‎ ‎‏یکشفان عن الأمر والنهی، ولایکون وراء الأمر والنهی شیء.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ لا وجود ثبوتیّ للأمر والنهی، بل الأمر والنهی تحقّقهما إثباتیّ‏‎ ‎‏وإظهاریّ، ولا شأن آخر لهما.‏

‏نعم، للعقل کشف بغض المولیٰ متعلّقاً بالغصب، وحبِّ المولیٰ متعلّقاً بالصلاة،‏‎ ‎‏ولو کان یستکشف إطلاقهما فیأتی النزاع؛ وهو إمکان اجتماع الحبّ والبغض فی‏‎ ‎‏المجمع واستحالته.‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 135

  • )) قوانین الاُصول 1 : 140 / السطر 19 .
  • )) نهایة الأفکار 2 : 407، مناهج الوصول 2 : 113 .
  • )) مطارح الأنظار: 126 / السطر 23 ـ 24 .
  • )) أجودالتقریرات 1: 333ـ 334، فوائدالاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی2: 400.
  • )) اُنظر مطارح الأنظار : 126 / السطر 28، ویأتی فی الصفحة 132 ـ 133 .
  • )) اُنظر کفایة الاُصول : 185 .
  • )) لاحظ تهذیب الاُصول 1 : 378 ـ 379 .
  • )) مطارح الأنظار : 126 / السطر 14 ـ 20، تهذیب الاُصول 1 : 379، محاضرات فی اُصول الفقه 4: 177 ـ 178 .
  • )) مطارح الأنظار : 126 / السطر 13 .
  • )) یأتی فی الصفحة 132 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 51 ـ 52 ، وفی الجزء الثالث : 8 .
  • )) نهایة الاُصول : 15 .
  • )) لاحظ نهایة الاُصول : 15 ـ 16 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 40 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 333 ـ 334 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 179 ـ 180 .
  • )) نهایة الأفکار 2 : 407، منتهی الاُصول 1 : 383، محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 180.
  • )) مناهج الوصول 2 : 113 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 179 ـ 180 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 19، نهایة الأفکار 1 : 20 ـ 21، محاضرات فی اُصول الفقه 1: 13 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 48 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 8 و 13 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 38 ـ 39 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 19، نهایة الأفکار 1: 21، مناهج الوصول 1 : 51.
  • )) نهایة الأفکار 1 : 18، مناهج الوصول 1 : 40، تهذیب الاُصول 1 : 8 ـ 9، محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 28 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 33 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 142 / السطر 13 .
  • )) یأتی فی الصفحة 227 ـ 228 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 563 ـ 575 .
  • )) یأتی فی الجزء السادس : 217 .
  • )) کفایة الاُصول : 186 .
  • )) فوائد الاُصول، المحقّق الخراسانی : 143 .
  • )) نهایة النهایة 1 : 214 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 297 ـ 298 .
  • )) نهایة الأفکار 2 : 407، محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 182 .