المقصد الثالث فی النواهی

تذنیب : حول التمثیل لمسألة الاجتماع بالصلاة فی الدار المغصوبة

تذنیب : حول التمثیل لمسألة الاجتماع بالصلاة فی الدار المغصوبة

‏ ‏

‏قد اشتهر مثال لمسألة الاجتماع والامتناع؛ وهو الصلاة فی الدار‏‎ ‎‏المغصوبة، مدّعین أنّ الکون الغصبیّ والصلاة واحد، فیلزم اتحاد المجمع، وتصیر‏‎ ‎‏مثالاً للمسألة‏‎[1]‎‏.‏

ویشکل تارة:‏ بأنّ الصلاة من الماهیّات الاختراعیّة المؤتلفة من الماهیّات‏‎ ‎‏المقولیّة العرضیّة، ولیس منها مقولة الأین التی هی منشأ تحقّق عنوان «الغصب» فما‏‎ ‎‏هو داخل فی أجزاء الصلاة لا یکون منشأ لانتزاع الغصب، وما هو منشأ لانتزاع‏‎ ‎‏مفهوم «الغصب» ـ وهو الکون فی الدار المغصوبة لیس من الصلاة، فلا یلزم وحدة‏‎ ‎‏المجمع رأساً‏‎[2]‎‏.‏

‏نعم، یکون المصلّی والغاصب واحداً، ولکن النهی لم یتعلّق بکونه غاصباً‏‎ ‎‏بعنوانه الاشتقاقیّ، ولا الأمر بعنوان «المصلّی» أی لا یکون باعثاً إلیٰ أن‏‎ ‎‏یکون مصلّیاً.‏

وفیه:‏ أنّ الأمر ولو کان کما حرّر، ولکن ما هو سبب اختلاف الاجتماعیّ‏‎ ‎‏والامتناعیّ، هو امتناع التفکیک بین المأمور به والمنهیّ عنه خارجاً؛ سواء کان‏‎ ‎‏لأجل اتحاد المجمع، أو کان لأجل التلازم الطبیعیّ بینهما، فإنّ تمام الکلام حول‏‎ ‎‏کیفیّة إمکان بقاء الإرادتین مع الملازمة الخارجیّة بین المحرّم والواجب؛ سواء کان‏‎ ‎‏العنوانان منتزعین من الواحد باعتبارین مختلفین، أو کانا مختلفین حسب المقولة‏‎ ‎‏وفی الحیثیّة الخارجیّة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 154
واُخریٰ:‏ بأنّ من أجزاء الصلاة السجدة علی الأرض بالاتکاء والاعتماد‏‎ ‎‏علیها، وهو مورد النهی، فیلزم وحدة المتعلّق، ولا یقول الاجتماعیّ بالجواز فی‏‎ ‎‏مثله بالضرورة‏‎[3]‎‏.‏

وفیه أوّلاً:‏ أنّ اعتبار الاتکاء علیها محلّ المناقشه جدّاً، وتفصیله فی محلّه.‏

وثانیاً:‏ لا تکون السجدة مورد الأمر، ولا أساس للأمر الضمنیّ‏‎[4]‎‏، فما هو‏‎ ‎‏مورد الأمر هی الصلاة بعنوانها، وما هو مورد النهی هو الغصب، والحرکة الخارجیّة‏‎ ‎‏تعتبر صلاة بجهة من الجهات، وتکون غصباً لجهة اُخریٰ من الجهات بالضرورة.‏

وثالثاً:‏ لا یتوجّه من حرمة الغصب نهی إلیٰ عنوان «السجدة والاتکاء» بل‏‎ ‎‏النهی متوجّه إلیٰ عنوان «الغصب» من غیر انحلال إلی النواهی حسبما عرفت منّا‏‎[5]‎‏.‏

‏ولو فرضنا انحلاله فهو ینحلّ إلیٰ مصادیقه الذاتیّة؛ وهو الغصب الخارجیّ‏‎ ‎‏مثلاً، والفرد من الغصب بعنوانه، فلا وجه لدعویٰ أنّ الاجتماعیّ یقول بالامتناع هنا،‏‎ ‎‏کما لایخفیٰ.‏

وثالثة:‏ بأنّ من شرائط کون المجمع مورد الأمر والنهی اتحاد الکونین: الکون‏‎ ‎‏الصلاتیّ، والکون الغصبیّ، ومعنیٰ ذلک هو أنّ المکلّف لا یتمکّن من امتثال الأمر‏‎ ‎‏بدون العصیان، وهذا فی المثال المعروف ممنوع؛ ضرورة أنّ المکلّف یتمکّن من‏‎ ‎‏الصلاه من غیر لزوم التصرّف فی ملک الغیر، ضرورة أنّ التصرّفات الموجبة لتموّج‏‎ ‎‏الهواء، لیست من التصرّفات المحرّمة شرعاً، أو لا تعدّ من التصرّف لغة، والقیام‏‎ ‎‏والرکوع والسجود من مقولة الوضع، والمقدّمات ـ کالهویّ إلی الرکوع والسجود‏‎ ‎‏وإلی القیام من المقدّمات غیر الداخلة فی الصلاة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 155
‏فما هو من التصرّف المحرّم لیس من الصلاة، وما هو من الصلاة لیس من‏‎ ‎‏التصرّف المحرّم، فیتمکّن المکلّف من الصلاة من غیر التلوّث بالمحرّم، فلا یتمّ‏‎ ‎‏المثال المعروف.‏

‏وأمّا السجدة فهی تحصل بمجرّد الوضع، وهو لیس من التصرّف أو من‏‎ ‎‏التصرّف المحرّم، فلا یتّحد الکونان‏‎[6]‎‏.‏

‏وإن شئت جعلت هذه الشبهة تتمّة للشبهة الاُولیٰ، فلا تندفع بما مرّ دفاعاً‏‎ ‎‏عنها کما لایخفیٰ.‏

أقول:‏ فیه جهات من الإشکال وإن کنّا فی سالف الزمان نتخیّل ذلک:‏

الأوّل:‏ أنّ قضیّة أنّ ‏«الغاصب مأخوذ باشقّ الأحوال»‏ یقتضی ممنوعیّته من‏‎ ‎‏هذه التصرّفات، فتأمّل.‏

الثانی:‏ أنّ التصرّفات الأفعالیّة کالهویّ إلی الرکوع، والهویّ إلی السجود، من‏‎ ‎‏المحقّقات لعنوانهما ظاهراً؛ لما أنّ الرکوع بمعناه الاسم المصدریّ وهکذا السجدة،‏‎ ‎‏منتزع من الأفعال الواجبة، وإلاّ لکفیٰ لو أمکن أن یکون راکعاً من غیر الهویّ.‏‎ ‎‏بل اعتبار القیام المتّصل بالرکوع، شاهد علیٰ أنّ تلک الحرکة معتبرة فی حصوله.‏

‏وهکذا لا تکفی السجدة التی هی من مقولة الوضع، بل الهویّ إلیها بإیجاد‏‎ ‎‏مصداق مقولة الوضع الناقص، داخل فیما هوالواجب فی الصلاة.‏

‏وهکذا الهویّ إلی القیام، بل مادّة الرکوع والسجود والقیام مصادر تعلّق بها‏‎ ‎‏الأمر، والمعنی المصدریّ لیس فی مقولة الوضع بالضرورة.‏

الثالث:‏ السجدة هی الوضع علی الأرض، وهو من التصرّف، فتأمّل.‏

‏نعم، یمکن أن یقال: إنّ من المحرّر کون المأمور به والمنهیّ عنه متّحد‏‎ ‎‏المجمع، وهذا یصحّ فیما إذا کان الصلاة بتمام هویّتها فی الدار المغصوبة؛ ومن‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 156
‏التصرّف فی مال الغیر، وأمّا إذا کان بعض أجزائها الأقوالیّة أو الأفعالیّة تصرّفاً، فلا‏‎ ‎‏یلزم اجتماع الأمر النفسیّ والنهی النفسیّ؛ ضرورة أنّ الصلاة لیست منشأ انتزاع‏‎ ‎‏الغصب والتصرّف فی مال الغیر، وما هو منشأ انتزاع مفهوم «الغصب» بعض أجزاء‏‎ ‎‏الصلاة، وهو لیس مورد الأمر النفسیّ، ولا الضمنیّ، ولا الغیریّ؛ حسبما تقرّر‏‎ ‎‏وتحرّر‏‎[7]‎‏. وإمکان کونه مورد الأمر الغیریّ عندنا‏‎[8]‎‏ لا یکفی لاندراجه فی کبریٰ‏‎ ‎‏هذه المسألة، کما لا یخفیٰ.‏

والجواب:‏ أنّ میزان اندراج کلّ موضوع فی مسألة الاجتماع والامتناع؛ هو‏‎ ‎‏أن لا یتمکّن المکلّف من التفکیک بین الإطاعة والعصیان فی المجمع؛ سواء کان‏‎ ‎‏عنوان المأمور به منتزعاً من المنهیّ عنه، أو بالعکس، أو کانا مختلفیّ المنشأ‏‎ ‎‏بحسب الانتزاع، فما هو أصل شبهة الامتناعیّ امتناع ترشّح الإرادتین أو بقائهما فی‏‎ ‎‏المجمع؛ لما لا یمکن التفکیک مثلاً ـ مع فرض الغصب بینه وبین الصلاة؛ وإن لم‏‎ ‎‏یکن فی الصلاة مقولة ینتزع منها عنوان «الغصب» ولکن کانت تلک المقولة ملازمة‏‎ ‎‏لمقولات الصلاة، فافهم ولا تخلط.‏

فبالجملة تحصّل:‏ أنّ هذه الشبهات وما مرّ فی أثناء البحوث السابقة، لاترجع‏‎ ‎‏إلیٰ محصّل.‏

‏والذی هو الشبهة والإشکال الذی لایمکن الذبّ عنه هو أنّ الغصب بما هو،‏‎ ‎‏معناه لا یتّحد مع الصلاة، وما هو المتّحد معها هو التصرّف فی مال الغیر عدواناً؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ الغصب هو التسلّط علیٰ مال الغیر عدواناً، ولا یتوقّف ذلک علی التصرّف‏‎ ‎‏کلاًّ، ومن غصب مالاً وتصرّف فیه ارتکب محرّمین: الغصب، والتصرّف فی مال الغیر‏‎ ‎‏بلا إذنه.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 157
وتوهّم:‏ أنّ التصرّف فی مال الغیر غصب‏‎[9]‎‏، باطل بالضرورة؛ فإنّ وضع الید‏‎ ‎‏علیٰ عباء الغیر الذی تحت یده من التصرّف، ولا یکون غصباً، فبین الغصب‏‎ ‎‏والتصرّف عموم وخصوص من وجه، علیٰ تأمّل.‏

وبالجملة:‏ الصلاة فی الدار المغصوبة مورد النهی فرضاً؛ لأجل التصرّف فی‏‎ ‎‏مال الغیر، لا لأجل الغصب فافهم، والأمر سهل جدّاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 158

  • )) المحصول فی علم اُصول الفقه 1 : 341، معالم الدین : 98 / السطر 4 ـ 6، الفصول الغرویّة: 125 / السطر 21، کفایة الاُصول : 183 .
  • )) لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 281 ـ 287 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 288 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 26 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 124 .
  • )) لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 281 ـ 287 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 25 ـ 27 و 202 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 13 ـ 14 و270 ـ 271 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 412، محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 283 ـ 284 .