المقصد الثالث فی النواهی

إیقاظ وإفادة : حول توجیه الوالد المحقّق لما فی «الکفایة»

إیقاظ وإفادة : حول توجیه الوالد المحقّق لما فی «الکفایة»

‏ ‏

‏ربّما یستظهر من السیّد الوالد ـ مدّظلّه توجیه لما فی «الکفایة»: بأنّه ربّما‏‎ ‎‏کان فی مقام إبداء الفرق بین هذا المقام ومقام التعارض، دفعاً عمّا یمکن أن یرد‏‎ ‎‏علیٰ ظاهر القوم من بنائهم علیٰ إدراج العامّین من وجه فی باب التعارض، فإنّه عند‏‎ ‎‏ذلک کیف یمکن إدراجه فی هذه المسألة‏‎[1]‎‏؟!‏

وأنت خبیر:‏ بأنّ ما أدرجوه فی باب التعارض، هو ما إذا کانت النسبة عموماً‏‎ ‎‏من وجه بین متعلّق المتعلّقین؛ وهو العلماء، والفسّاق، لا فی نفس المتعلّق کما مضیٰ‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 168
‏بعض الکلام فیه‏‎[2]‎‏، وما هو محلّ البحث هنا هو المعنی الأعمّ من هذه الصورة‏‎ ‎‏وسائر الصور، فلا یتمّ التوجیه المزبور رأساً.‏

‏والذی هو الأقرب: هو أنّ هذه المسألة کما مضی تحقیقه، لا تناط بمباحث‏‎ ‎‏الألفاظ، ولا تمسّ بها مطلق المساس‏‎[3]‎‏، فإذا کان الأمر کذلک فلابدّ من الاطلاع‏‎ ‎‏علیٰ مرام المولیٰ علیٰ الإطلاق فی مصبّ الأمر والنهی حتّیٰ یمکن نزاع الاجتماع‏‎ ‎‏والامتناع.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ لا بدّ من أحد الاُمور الثلاثة:‏

‏إمّا فرض إحراز الإطلاقین والحرمة والوجوب المطلقین.‏

‏أو فرض إحراز المحبوبیّة والمبغوضیّة.‏

‏أو فرض إحراز المصالح والمفاسد المطلقة فی مصبّ الأمر والنهی بناءً علیٰ‏‎ ‎‏مذهب العدلیّة، ویکون کلّ من الاحرازین تامّاً مع قطع النظر عن الآخر.‏

‏نعم، إذا أحرزنا الإطلاقین فالامتناعیّ یدّعی: أنّ العقل حاکم بعدم تمامیّة‏‎ ‎‏واحد منهما عند التصادق؛ بمعنیٰ أنّ إحراز کلّ واحد من الإطلاقین مع قطع النظر‏‎ ‎‏عن الآخر ممکن، ولکن فی المجمع فلا، وإذا أحرزنا المحبوبیّة والمبغوضیّة‏‎ ‎‏المطلقین علیٰ عنوان «الصلاة» و«الغصب» فالامتناعی یدّعی: أنّ کلّ واحد مع قطع‏‎ ‎‏النظر عن الآخر ممکن، إلاّ أنّ اجتماعهما فی موضوع واحد لا یمکن. وهکذا فی‏‎ ‎‏جانب إحراز المصالح والمفاسد.‏

‏فالمراد من اعتبار إحراز المصالح والمفاسد، لیس أنّه لابدّ من إحراز‏‎ ‎‏المصالح والمفاسد جمعاً فی المجمع، بل المراد ما اُشیر إلیه، ولأجل ذلک یتمسّک‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 169
‏لبطلان الاجتماع باجتماع المتضادّات فی مرحلة الجعل، وفی مرحلة المناط‏‎ ‎‏والملاک الخارجیّ، وفی النفس وهو الحبّ والبغض.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ «الکفایة» اعتبر أن یکون المجمع علیٰ أی تقدیر داخلاً فی‏‎ ‎‏کبریٰ باب التزاحم، إلاّ أنّه علیٰ الاجتماع تصحّ الصلاة علیٰ أیّ تقدیر، ویحرم‏‎ ‎‏الغصب أیضاً، وعلی الامتناع تصحّ الصلاة علیٰ تقدیر أقوّائیّة ملاکها، ولا تصحّ علی‏‎ ‎‏العکس وإن کانت ذات ملاک ضعیف‏‎[4]‎‏.‏

وأنت خبیر:‏ بأنّ قضیّة ما تحرّر فی مسألة الضدّ، أنّ مع سقوط أحد‏‎ ‎‏الإطلاقین لأجل الامتناع، لا طریق إلیٰ کشف الملاک فی المجمع؛ لأنّ کشف المناط‏‎ ‎‏والملاک من طریق الهیئات، ولا سبیل وراء ذلک‏‎[5]‎‏.‏

وإن شئت قلت:‏ نزاع الاجتماع والامتناع موقوف علیٰ إحراز الملاکات‏‎ ‎‏والاطلاع علیها، وإحرازها فی المجمع منوط بإمکان الجمع، فالنزاع موقوف علیٰ‏‎ ‎‏صحّة الاجتماع، فتدبّر ولایخفیٰ لطفه.‏

‏ ‏

التوهّم السادس :

‏ ‏

‏قد ذکرنا فی بعض بحوث الترتّب: أنّ قضیّة کون الإطلاق جمع القیود هو‏‎ ‎‏القول بالامتناع، ومقتضیٰ کونه رفض القیود هی صحّة النزاع‏‎[6]‎‏.‏

‏فهنا بحثان:‏

الأوّل:‏ أنّ معنیٰ کون الإطلاق جمع القیود؛ هو لحاظ جمیع القیود الممکن‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 170
‏طروؤها علی الموضوع فی مرحلة الأمر والجعل، واسراء الحکم إلیٰ کافّة اللواحق،‏‎ ‎‏وقد صرّحوا: «بأنّ الإطلاق هو إفادة التسویة بقوله: «أکرم العالم سواء کان هاشمیّاً،‏‎ ‎‏أو اُمویّاً» وبقوله: «صلّ صلاة غصب کانت، أو صلاة إباحة» وهکذا»‏‎[7]‎‏.‏

‏فعلیٰ هذا، لابدّ من القول بالامتناع؛ لوحدة المتعلّق، فإنّ قوله: «صلّ» ینحلّ‏‎ ‎‏حسب مقدّمات الإطلاق انحلالاً بدلیّاً إلیٰ جمیع الأفراد والأحوال، ویکون کلّ‏‎ ‎‏حال مورد الأمر التخییریّ، وقوله: «لا تتصرّف فی مال الغیر» ینحلّ بهذه الکیفیّة‏‎ ‎‏إلیٰ غصب صلاتیّ، وغصب غیر صلاتیّ، فیلزم إمّا وحدة المتعلّق التی مرّ الکلام‏‎ ‎‏حولها؛ بناءً علیٰ تعلّق الأوامر والنواهی بالأفراد. بل لا معنیٰ محصول له إلاّ‏‎ ‎‏برجوعه إلیٰ ذاک.‏

‏أو سقوط النزاع حسبما عرفت فی البحوث الماضیة‏‎[8]‎‏؛ ضرورة أنّ الأمر‏‎ ‎‏التخییریّ المتعلّق بالصلاة الغصبیّة، والنهیَ الانحلالیّ المتعلّق بالغصب الصلاتیّ، وإن‏‎ ‎‏اختلفا متعلّقاً فی عالم العنوانیّة، ولکن هما متلازمان، فلاحظ وتدبّر.‏

الثانی:‏ إذا کان الإطلاق رفض القیود، فلا یلزم شبهة الاتحاد فی المتعلّق‏‎ ‎‏بالضرورة، فیأتی النزاع علیٰ شبهاته من الطرفین.‏

أقول:‏ قد حرّرنا فی محلّه؛ أنّ هذه العویصه تتوجّه إلیٰ أرباب القول: بأنّ‏‎ ‎‏الإطلاق جمع القیود‏‎[9]‎‏، ولایمکن دفعها إلاّ إذا اُرید منه توسعة الموضوع من غیر أن‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 171
‏یتعدّد الحکم والأمر، وهو خلاف المقصود، بل غیر ممکن کما هو الواضح‏‎[10]‎‏.‏

‏ ‏

التوهّم السابع :

‏ ‏

‏من المبانی المتوهّم ابتناء هذه المسألة علیها؛ أنّ من الشرائط الآتیة ـ وهو‏‎ ‎‏الأصل المقوّم للنزاع وحدةَ الکون، وإلاّ فلا معنیٰ للنزاع، وإذن یبتنی القول‏‎ ‎‏بالاجتماع علیٰ جواز عروض العرض علیٰ العرض، والقول بالامتناع علیٰ عدم‏‎ ‎‏جوازه؛ ضرورة أنّ التصرّف فی مال الغیر یوجد بعین وجود الصلاة، فیکون قائماً به،‏‎ ‎‏ووجود الصلاة وجود عرضیّ لیس جوهریّاً، وقیام العرض بالعرض محال فیمتنع.‏

أو یقال:‏ إنّ النزاع صحیح علی القول بجواز عروض العرض علی العرض،‏‎ ‎‏ولا یصحّ إذا کان ذلک ممتنعاً؛ لأنّه علیٰ تقدیر الامتناع یلزم کون اختصاص کلّ‏‎ ‎‏عرض بوجود یخصّه، وإیجاد یختصّ به، وعند ذلک یخرج عن محلّ النزاع؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض فی محلّه وحدة الإیجاد والوجود کما یأتی، بخلاف القول بالجواز، فإنّه‏‎ ‎‏علیٰ تقدیره یکون أحد العرضین قائماً بالعرض الآخر، فیکونان موجودین بإیجاد‏‎ ‎‏واحد ووجود فارد.‏

أقول أوّلاً:‏ قیام العرض بالعرض واقع، کما صرّح أهله بقیام الخطّ بالسطح،‏‎ ‎‏والسطح بالجسم التعلیمیّ‏‎[11]‎‏، وقد فصّلنا الکلام حوله فی حواشینا علیٰ طبیعیّات‏‎ ‎‏«الأسفار» واستشکلنا فی الأمر، والتفصیل فی محلّه‏‎[12]‎‏.‏

وثانیاً:‏ لا ربط لهذه المسألة بتلک البحوث؛ لأنّ الصلاه لیست من الأعراض،‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 172
‏ولا التصرّف، ولا سائر العناوین المتعلّقة للأمر والنهی إلاّ ما شذّ، وحیث إنّ البحث‏‎ ‎‏حول العناوین المختلفة فی مناشیء انتزاعها ولو بالاختلاف اللحاظیّ والاعتباریّ‏‎ ‎‏فتسقط هذه البحوث، کما تسقط المبانی المتوهّمة لهذه المسألة من السرایة،‏‎ ‎‏والترکیب الاتحادیّ والانضمامیّ؛ بما أنّ الاعتباریّات خالیة عن مثله، فافهم واغتنم.‏

ومن هنا یظهر:‏ أنّ من صغریات المسألة کما تکون الصلاة فی المغصوب،‏‎ ‎‏کذلک تکون الوضوء بالماء المغصوب، وشرب الماء المغصوب إذا کان الشرب علی‏‎ ‎‏الإطلاق واجباً وهکذا.‏

‏ومن العجیب توهّم الإشکال فی المثالین الأخیرین بإنکار إمکان انتزاع‏‎ ‎‏عنوان «الوضوء» والعنوان الآخر الواجب؛ لأنّ ما هو فی الخارج لیس إلاّ التصرّف‏‎ ‎‏فی الماء المغصوب‏‎[13]‎‏!!‏

‏وتوهّم صحّة المثال الأوّل؛ بأنّ هناک ماهیّتین قد انضمّتا فی الخارج، حتّیٰ‏‎ ‎‏قال بتعدّد الحرکة خارجاً، إحداهما: الحرکة الصلاتیّة، والاُخریٰ: هی الحرکة‏‎ ‎‏الغصبیّة‏‎[14]‎‏، ولا حاجة إلیٰ إفادة ما فی هذه الإفاضات، فتدبّر.‏

وبالجملة:‏ یبقی الإشکال فیما إذا کان متعلّق الأمر والنهی من المقولتین‏‎ ‎‏الحقیقیّتین المحتاجتین إلیٰ إیجاد خاصّ ووجود مخصوص، فإن کانا من قبیل‏‎ ‎‏العرضین القائم أحدهما بالآخر ـ کالکیفیّات المختصّة بالکمیات، مثل الاستدارة‏‎ ‎‏والتربّع فلا وجه لخروجهما عن محلّ النزاع، وإلاّ فوجه الخروج عدم وحدة الکون‏‎ ‎‏المعتبرة فی النزاع، وسیظهر الکلام حول هذا الشرط، فإن أنکرنا شرطیّته الدائمیّة‏‎ ‎‏فلا یخرج أیضاً، فانتظر واصبر.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 173

التوهّم الثامن :

‏ ‏

‏قد بنوا الامتناع علی القول بالسرایة، وعلی القول بالترکیب الاتحادیّ،‏‎ ‎‏والجوازَ علی القول بعدم السرایة، والترکیب الانضمامیّ‏‎[15]‎‏.‏

‏وأنت قد أحطت خبراً بما فیه؛ ضرورة إمکان الالتزام بالامتناع علی القول‏‎ ‎‏بالترکیب الانضمامیّ وعدم السرایة؛ بدعویٰ أنّ التلازم الأحیانیّ یورث امتناع‏‎ ‎‏ترشّح الإرادتین فی المجمع کما تحرّر‏‎[16]‎‏، فتدبّر.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 174

  • )) مناهج الوصول 2 : 116، تهذیب الاُصول 1 : 383 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 148 ـ 149 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 133 ـ 134 .
  • )) کفایة الاُصول : 189 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 501 ـ 502 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 427 ـ 428 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 564 ـ 565، درر الفوائد، المحقّق الحائری : 234 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 158 ـ 159 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 564 ـ 565، درر الفوائد، المحقّق الحائری: 210 و 234 .
  • )) اُنظر الجزء الثالث : 427 ـ 428 والجزء الخامس: 441 .
  • )) الأسفار 4: 238.
  • )) تعلیقات علیٰ الحکمة المتعالیة، للمؤلّف قدس سره  4 : 237 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 342 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 339 ـ 341 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 408 ـ 411، مقالات الاُصول 1: 354، نهایة الأفکار 2 : 408، محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 165 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 150 ـ 151 .