المقصد الثالث فی النواهی

الأمر الرابع : ترتّب الثمرة المقصودة

الأمر الرابع : ترتّب الثمرة المقصودة

‏ ‏

‏من شرائط عقلائیّة النزاع ترتّب الثمرة المقصودة، فإذا کان قضیّة القول‏‎ ‎‏بالاجتماع هی صحّة الصلاة فی المغصوب، کان للنزاع المعروف وجه عقلائیّ، وإلاّ‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 185
‏فلا ویکون مجرّد إتلاف الوقت، وقد وقعت صحّتها مورد الإشکالات مطلقاً:‏

‏ ‏

الإشکال الأوّل :

‏ ‏

‏من ناحیة أنّ المقرّب والمبعّد لا یمکن أن یکونا واحداً، والالتزام بجواز‏‎ ‎‏اجتماع الأمر والنهی فی مرحلة التشریع، لا یلازم صحّة الصلاة فی المجمع، وصحّة‏‎ ‎‏کون الواحد مقرّباً ومبعدّاً؛ ضرورة أنّ الإرادة التشریعیّة لا تتعلّق إلاّ بما قامت به‏‎ ‎‏المصالح؛ وهی الصلاة وحیثیّتها، وأمّا الإرادة التکوینیّة الفاعلیّة، فهی تتعلّق بالوجود‏‎ ‎‏الخاصّ الذی هو أمر وحدانیّ جزئیّ، وإذا کان هو مبغوضاً لأجل مصداقیّته للحیثیّة‏‎ ‎‏المبغوضة، فلا یصلح لأن یتقرّب به، وقد اشترطوا فی العبادة ـ مضافاً إلیٰ قصد‏‎ ‎‏القربة کونَ المأتیّ به صالحاً لأن یتقرّب به‏‎[1]‎‏، وتلک الصلاحیة لا تتلائم مع کونه‏‎ ‎‏مبعّداً، ولأجل ذلک حکم الأصحاب بفساد الصلاة فی الدار المغصوبة.‏

‏وتوهّم: أنّه لأجل الامتناع قالوا بالبطلان‏‎[2]‎‏، فی غیر محلّه؛ لأنّ المراجعة إلیٰ‏‎ ‎‏کلمات «العدّة»‏‎[3]‎‏ والسیّد ‏‏رحمه الله‏‎[4]‎‏ لا تعطی مقالتهم بالامتناع، وإفتاءَهم بالبطلان‏‎ ‎‏لایلازم ذلک؛ لما یمکن أن یقولوا بالجواز فی کبری المسألة، وبالبطلان فی مقام‏‎ ‎‏الامتثال، وتکون النتیجة هی الامتناع فی مقام الامتثال؛ أی فساد الصلاة فی‏‎ ‎‏المجمع، فنسبة الامتناع إلی المشهور استناداً إلی الفتوی المذکورة، فیغیرمحلّها‏‎[5]‎‏.‏

أقول:‏ لا شبهة فی أنّ المقرّبیة والمبعّدیة، لیستا من العوارض الخارجیّة ومن‏‎ ‎‏المقولات العرضیّة، فهی الاعتباریّات القائمة بوجوه واستحسانات، ومن الاُمور‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 186
‏المعنویّة والروحانیّة القابلة للتفکیک فی مقام الدرک والامتثال، فکون الصلاة مقرّبة،‏‎ ‎‏لیس إلاّ أنّها قابلة لأن یتقرّب بها منه تعالیٰ مع رعایة الشرائط الاُخر، وهکذا‏‎ ‎‏مبعّدیة الغصب.‏

‏فإذن کما تتعلّق إرادة الأمر بالبعث نحو الصلاة، کذلک تتعلّق إرادة الفاعل بما‏‎ ‎‏یمکن أن یکون لأجل اشتماله علی المقرّب ـ وهی الصلاة مقرّباً منه تعالیٰ، فالإرادة‏‎ ‎‏الفاعلیّة لا تتعلّق بما هو المبعّد، ولا بما هو المقرّب، بل تتعلّق بما هو یمکن أن‏‎ ‎‏یتقرّب به، ویمکن أن یتعبّد به بلا شبهة؛ لأنّ المجمع منشأ اعتبار ما هو المقرّب‏‎ ‎‏بالذات وهی الصلاة، وماهو المبعّد بالذات وهو الغصب. هذا بحسب التحلیل العقلیّ.‏

وإن شئت قلت:‏ لا الصلاة مورد الإرادة بالذات، ولا التصرّف، بل ما هو مورد‏‎ ‎‏الإرادة هی الحرکة الخارجیّة، واتصاف تلک الحرکات بالعناوین؛ لأجل انضمام‏‎ ‎‏المقاصد والنیّات بها، ولو کانت الصلاة من المقولات وهکذا الغصب، لکان تتعلّق‏‎ ‎‏الإرادة بهما، وأمّا إذا کانا من الاعتباریّات فلا یتمّ التوهّم المزبور الذی أفاده اُستاذنا‏‎ ‎‏البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‎[6]‎‏.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ ما أفاده إشکالاً لا یختصّ بمورد، بل یأتی فی جمیع العبادات‏‎ ‎‏فی المجمع، فلا تغفل، وکن علیٰ بصیرة، وسیأتی توضیح ذلک بذکر الأمثلة العرفیّة‏‎ ‎‏حول المفاسد المتوهّمة علی القول بالاجتماع إن شاء الله تعالیٰ‏‎[7]‎‏.‏

‏ثمّ إنّ ما فی کلماته؛ من اعتبار کون الشیء صالحاً للمقرّبیة زائداً علیٰ اعتبار‏‎ ‎‏قصد القربة‏‎[8]‎‏، لا یکون راجعاً إلیٰ محصّل. ولو سلّمنا بطلان العبادة فی المجمع‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 187
‏لأجل هذا وما یأتی‏‎[9]‎‏، فلا نسلّم انحصار الثمرة بصحّة العبادة؛ بعد ما عرفت من‏‎ ‎‏جریان النزاع فی العبادات والمعاملات، وبناءً علی الاجتماع تکون المعاملة الواقعة‏‎ ‎‏مورد النهی ـ لأجل انطباق العنوان المحرّم علیها صحیحةً‏‎[10]‎‏.‏

وأیضاً :‏ فی التوصّلیات النفسیّة یستحقّ الثواب؛ بناءً علی القول به‏‎[11]‎‏.‏

وأیضاً :‏ لو کان اختیار المجمع بسوء الاختیار، لا یلزم ترک الواجب بلا عذر؛‏‎ ‎‏لأنّه قد أتیٰ بما هو الواجب وإن کان فاعلاً للحرام من جهة انطباق العنوان‏‎ ‎‏المحرّم علیه.‏

مثلاً :‏ لو کان الوفاء بالدین موجباً للتصرّف فی مال الغیر، وارتکب المکلّف‏‎ ‎‏ما یورث هذا التلازم والاستلزام، فإنّه بناءً علی الامتناع یحرم التصرّف، ویعاقب‏‎ ‎‏علیٰ ترک الوفاء بالدین؛ لأنّه بسوء الاختیار، فلو تصدّیٰ للوفاء بالدین فلا یقع؛ لأنّ‏‎ ‎‏الدین من الأحکام الوضعیّة المنتزعة عن التکلیفیّة حسبما قیل‏‎[12]‎‏، فلا وجوب حتّیٰ‏‎ ‎‏ینتزع منه ذلک.‏

‏نعم، علی القول بالاجتماع لا یلزم ترک الواجب وهو الوفاء بالدین.‏‎ ‎‏والإشکال فی بعض خصوصیّات المثال، أو بعض المبانی، خارج عن دأب‏‎ ‎‏المحصّلین؛ لأنّ النظر إلیٰ إفادة ما هو مورد الاستنتاج من القول بالاجتماع.‏

فبالجملة تحصّل :‏ أنّ قضیّة الصناعة صحّة الصلاة والعبادة فی المجمع، فضلاً‏‎ ‎‏عن المعاملة، والله العالم.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 188

‏ ‏

الإشکال الثانی :

‏ ‏

‏أنّ النسبة بین الصلاة والتصرّف فی مال الغیر وإن کانت بحسب المفهوم‏‎ ‎‏عموماً من وجه، ولکن بعد کونهما موضوعین للحکم تکون النسبة عموماً مطلقاً؛‏‎ ‎‏وذلک لما عرفت من أنّ الأمر یتعلّق بنفس الطبیعة من غیر انحلال، والنهی یتعلّق‏‎ ‎‏بالطبیعة علیٰ وجه الانحلال، ولا یتصوّر الانحلال إلاّ بکثرة الموضوع، ولا تتکثّر‏‎ ‎‏الطبیعة الموضوعة إلاّ بلحاظ ورود العوارض والخصوصیّات، فیسری النهی إلی‏‎ ‎‏المصداق للصلاة، فتکون النسبة بین الفرد من الصلاة والطبیعة، عموماً وخصوصاً‏‎ ‎‏مطلقاً، فالنسبة بین المتعلّقین دائماً عموم مطلق، وتصیر النتیجة أنّ المسألة ـ علی‏‎ ‎‏القول بالجواز تکون من صغریات النهی فی العبادات، أو تصیر خارجة عن محطّ‏‎ ‎‏نزاع الاجتماع والامتناع علی الوجه الذی قوّیناه‏‎[13]‎‏.‏

أقول:‏ قد مرّمنّا بعض الکلام فی بحث المائز بین هذه المسألة، ومسألةِ النهی‏‎ ‎‏فی العبادات‏‎[14]‎‏، وقد استفدنا هذا الإشکال من بعض تنبیهات السیّد الاُستاذ‏‎ ‎‏البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‎[15]‎‏ وقد فرغنا من فساده بما لا مزید علیه؛ من أنّ نتیجة الانحلال‏‎ ‎‏لیست کون متعلّق النهی الأفراد، کما أنّه ‏‏قدس سره‏‏ قد أنکر ذلک أشدّ الإنکار‏‎[16]‎‏، فإذا کان‏‎ ‎‏النهی ـ ولو ینحلّ إلی الکثیر غیر متعلّق بالأفراد بعد الانحلال أیضاً، فلابد من بقاء‏‎ ‎‏النسبة علی العموم من وجه؛ وذلک إمّا بدعویٰ انحلاله إلی الفرد الذاتیّ، من غیر‏‎ ‎‏کون المنضمّات داخلة فی مصبّ النهی‏‎[17]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 189
أو بدعویٰ:‏ أنّ لازم تعلّق النهی بالطبیعة، هو التحذّر والاحتراز من جمیع‏‎ ‎‏وجوداتها بالوجه الذی مضیٰ تفصیله‏‎[18]‎‏، من غیر لزوم کون الموضوع متکرّراً،‏‎ ‎‏فلیتدبّر جیّداً.‏

‏ ‏

الإشکال الثالث :

‏ ‏

‏«أنّ العبادة فی المجمع باطلة، ولا یمکن تصحیحها؛ لامن ناحیة الأمر، ولا‏‎ ‎‏من ناحیة الترتّب، ولا من ناحیة الملاک:‏

‏أمّا من الناحیة الاُولیٰ؛ فلأنّ حقیقة التکلیف هی البعث إلی الحصّة المقدورة،‏‎ ‎‏والصلاة فی الغصب غیر مقدورة شرعاً، والممتنع الشرعیّ کالممتنع العقلیّ.‏

‏وأمّا من الناحیة الثانیة؛ فلأنّ تقیید أمر الصلاة إمّا یکون بفعل من الأفعال‏‎ ‎‏المضادّة لها، کالأکل والشرب، أو بفعل الصلاة، وعلی التقدیرین لا یعقل الترتّب.‏

‏وأمّا من الناحیة الثالثة؛ فلأنّ القبح الفاعلیّ یمنع عن إمکان التقرّب بمثلها»‏‎ ‎‏انتهیٰ ما نسب إلیٰ العلاّمة النائینیّ ‏‏قدس سره‏‎[19]‎‏.‏

أقول:‏ قد فرغنا عن عدم اقتضاء التکلیف للقدرة عقلاً ولا عرفاً‏‎[20]‎‏. ولو‏‎ ‎‏اقتضیٰ ذلک فالقدرة علی الامتثال کافیة‏‎[21]‎‏؛ فإنّ التکلیف متقوّم بالقدرة حتّیٰ یصرفها‏‎ ‎‏إلیٰ أحد طرفی المقدور، وأمّا لزوم کونها مستوعبة للوقت فلا.‏

وقد مرّ :‏ أنّ حدیث الامتناع الشرعیّ کالعقلیّ لا أصل له‏‎[22]‎‏. ولو کان له أصل‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 190
‏فلا صغریٰ له فیالمقام؛ لأنّ الصلاة فی الغصب، لیست ممتنعة شرعاً علی القول‏‎ ‎‏بالجواز بعد وجود المندوحة، أو بدونها أیضاً بناءً علیٰ ما سلکناه‏‎[23]‎‏.‏

‏وقد فرغنا من فساد الترتّب بما لامزید علیه‏‎[24]‎‏. ولو کان الترتّب صحیحاً فی‏‎ ‎‏وجه ذکرناه‏‎[25]‎‏، فهو هنا أیضاً صحیح ویرجع صیغة التقیید والترتّب إلیٰ هذا:‏‎ ‎‏«لا تغصب، وإن کنت غاصباً فبالصلاة اغصب».‏

‏أمّا قصّة الملاک، فهی أمر یختلف الأشخاص فی ناحیته، فربّما یطمئنّ بعض‏‎ ‎‏النفوس بثبوت الملاک فیمورد سقوط الأمر؛ لما یجد أنّ السقوط المستند إلی العجز،‏‎ ‎‏لا یلازم قصوراً فی المقتضی، وربّما لا یطمئنّ بعضهم بذلک ویقول: بأنّ سقوط الهیئة‏‎ ‎‏یلازم الشکّ فی ثبوت المقتضی، ولا مورد لاستصحاب بقائه، فلیتأمّل جیّداً.‏

‏ولو تنزّلنا عن جمیع هذه الاُمور، فلا یلزم سقوط النزاع؛ لما عرفت من‏‎ ‎‏إمکان الانتفاع منه فی المعاملات‏‎[26]‎‏.‏

‏ ‏

الإشکال الرابع :

‏ ‏

‏أنّ المنصرف من الأمر اختیار الفرد المباح فی مقام الامتثال، وهذا أمر‏‎ ‎‏عقلائیّ، فلا تصحّ الصلاة فی المغصوبة عند الاختیار.‏

‏نعم، مع عدم وجود الاختیار فإن قلنا: بأنّ أمر الصلاة ونهی الغصب باقیان‏‎ ‎‏علیٰ فعلیّتهما، فالصلاة صحیحة مطلقاً؛ لأنّها مورد الأمر وإن کان مورد النهی أهمّ.‏

‏وإن قلنا بامتناع اجتماع الفعلیّتین، کما هو مذهب المشهور‏‎[27]‎‏ غیر المنصور،‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 191
‏فإطلاق صحّة الصلاة ـ کما عن «الکفایة»‏‎[28]‎‏ ممنوع؛ لأنّه إذا کان مورد النهی أهمّ،‏‎ ‎‏وأنکرنا الترتّب والملاک، فلا یمکن تصحیح الصلاة کما هو الظاهر، وقد علمت منّا‏‎ ‎‏فی بحوث التعبّدی والتوصّلی أنّ قضیّة الأصل العقلائیّ لزوم اختیار الفرد المباح،‏‎ ‎‏وعدم کفایة الامتثال بالفرد المحرّم‏‎[29]‎‏، وذلک یرجع إلیٰ فهم العقلاء نوع تقیید فی‏‎ ‎‏المأموربه طبعاً، والتقیید المزبور لا إطلاق له حتّیٰ یسقط أمر الصلاة عند عدم‏‎ ‎‏الاختیار، فتکون الصلاة باطلة وغیر واجبة.‏

أقول:‏ إمکان کون الصلاة والعبادة صحیحة مورد المنع إلاّ فی صورة، مبتنٍ‏‎ ‎‏علی القول بجواز الاجتماع؛ وهی ما إذا لم یکن مندوحة فی البین، فإنّه علی القول‏‎ ‎‏بالاجتماع وبفعلیّة أمر الصلاة تصحّ مطلقاً، أو تصحّ علی الترتّب، أو تصحّ علی‏‎ ‎‏الملاک علی الوجه المزبور آنفاً.‏

وبالجملة:‏ الإشکال الذی أوردناه لا یلازم سقوط ثمرة النزاع أیضاً؛ لأنّ‏‎ ‎‏صحّة الصلاة عند عدم المندوحة منوطة بصحّة الاجتماع، وإطلاق الصحّة منوط‏‎ ‎‏بکون الخطابات قانونیّة، أو منوط بکون الترتّب صحیحاً، أو بکون الملاک موجوداً،‏‎ ‎‏فلیتدبّر جیّداً.‏

فبالجملة تحصّل :‏ أنّ فساد العبادة لا یلازم سقوط ثمرة النزاع. مع أنّ العبادة‏‎ ‎‏تصحّ فی المغصوبة علی الاجتماع مع عدم المندوحة.‏

‏نعم، مع المندوحة لا تصحّ عندنا؛ للأصل العقلائیّ المحرّر فی محلّه‏‎[30]‎‏، ولما‏‎ ‎‏فی «الغرر من حواشی الدرر» لجدّی العلاّمة الطهرانیّ ـ مدّظلّه قال: «وقد أفاد‏‎ ‎‏الاُستاذ لبطلانها أنّ الأخبار المشتملة علیٰ أنّ الأئمّة ‏‏علیهم السلام‏‏ أباحوا الأراضی‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 192
‏المختصّة بهم للشیعة حتّیٰ تصحّ صلاتهم فیها، تدلّ علیٰ بطلانها لولا الإباحة»‏‎[31]‎‎ ‎‏فراجع محالّها‏‎[32]‎‏.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ سقوط ثمرة النزاع حسب بعض المبانی، لا یلازم عدم‏‎ ‎‏عقلائیّة النزاع؛ بعد ذهاب جمع آخر إلی الاستنتاج من الاجتماع صحّةَ العبادة، أو‏‎ ‎‏إمکان ذهاب جمع إلیه إمکاناً قریباً جدّاً.‏

‏ ‏

الإشکال الخامس :

‏ ‏

‏أنّ العبادة فی المجمع صحیحة علی الاجتماع والامتناع:‏

أمّا الأوّل :‏ فواضح.‏

وأمّا الثانی :‏ فلأنّ المجمع مورد الملاک والمصلحة، وسقوط فعلیّة أحد‏‎ ‎‏التکلیفین، لا یلازم إنکار الحسن الذاتیّ والملاک المستکشف بالهیئة مع إطلاق‏‎ ‎‏المادّة، فإن کان التکلیف الساقط لأجل الامتناع عقلاً التکلیف التحریمیّ،‏‎ ‎‏فالصحّة واضحة.‏

‏وإن کان الغلبة علیٰ جانب النهی، فالعصیان لا ینافی صحّة العبادة؛ إمّا لأجل‏‎ ‎‏الترتّب، أو لأجل الملاک؛ حسبما تحرّر فی مبحث الضدّ‏‎[33]‎‏. وملازمة الملاک‏‎ ‎‏والحسن الذاتیّ مع المبغوض الذاتی والمفسدة، لا توجب قصوراً فی صحّة التقرّب‏‎ ‎‏وترشّح الأمر الترتّبی.‏

‏هذا من غیر فرق بین حال وجود المندوحة وعدمه، فإذا صحّت الصلاة فی‏‎ ‎‏حال العمد، ففی حال السهو والنسیان والجهل ـ عن تقصیر کان، أو قصور تکون‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 193
‏الصحّة أقویٰ وأظهر، فلا ثمرة فی محلّ النزاع، ویسقط القول ببطلان العبادة علی‏‎ ‎‏الامتناع وغلبة جانب النهی.‏

وربّما یقال:‏ إنّ تغلیب جانب الأمر، لا معنیٰ له إذا کان البحث فی صورة‏‎ ‎‏اقتدار العبد علیٰ إتیان الفرد الآخر من المأمور به، وعلیٰ هذا لا یبقیٰ وجه لترجیح‏‎ ‎‏جانب الأمر أصلاً ولو بلغ من الأهمیّة قصواها‏‎[34]‎‏، فما فی کلماتهم من فرض غلبة‏‎ ‎‏جانب الأمر للأهمیّة‏‎[35]‎‏، غیر راجع إلیٰ محصّل فی محطّ الکلام فی المقام.‏

وفیه:‏ أنّه لا ینتهی إلیٰ فساد الصلاة بأحد الوجوه المزبورة، کما تریٰ.‏

‏ومن العجیب تمسّکهم أحیاناً بالإجماع علی البطلان فی صورة العلم‏‎ ‎‏والالتفات‏‎[36]‎‏!! مع أنّه خارج عن البحث الاُصولیّ والثمرة المقصودة، فإنّه ربّما یتمّ‏‎ ‎‏الإجماع فی خصوص الصلاة، ولا یتمّ فی سائر العبادات، أو یشکل صحّة مثل‏‎ ‎‏الإجماع المزبور؛ لاحتمال کونه مستنداً إلی الاُصول العقلیّة والمبادئ العلمیّة‏‎ ‎‏المنتهیة إلی القول بالامتناع وتغلیب جانب النهی، غافلین عمّا هو الحقّ الثابت‏‎ ‎‏وراء ذلک.‏

وربّما یتوهّم:‏ أنّ تصحیح الصلاة بالترتّب، یکون فی مورد لا مفسدة فی‏‎ ‎‏الصلاة قطعاً؛ لأنّها مزاحمة بالمصلحة الأقویٰ فی شیء آخر، وهی الإزالة، بخلاف‏‎ ‎‏ما نحن فیه، فإنّها مقرونة بالمفسدة الأقویٰ والأهمّ.‏

‏ولکنّه بمعزل عن التحقیق؛ لما عرفت من أنّ جهة التقرّب والبعد وجهة‏‎ ‎‏المصلحة والمفسدة غیر متداخلة، ویصحّ التقرّب فی محیط العقلاء بالمجمع ولو‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 194
‏استحقّ العقوبة علی العصیان‏‎[37]‎‏، ولا ینبغی الخلط أصلاً.‏

أقول:‏ أساس هذه الشبهة مبنیّ علی القول؛ بأنّ المفروض فی المجمع وجود‏‎ ‎‏الملاک والمناط، وقد فرغنا عمّا فی «الکفایة»‏‎[38]‎‏ من توهّمه ذلک‏‎[39]‎‏، وعمّا فی غیره‏‎ ‎‏من أجنبیّة المسألة عن إحراز الملاک والمناط‏‎[40]‎‏، وتصیر النتیجة علیٰ هذا فی صورة‏‎ ‎‏الاطلاع علی الملاک والمناط من الخارج، إمکانَ التوصّل إلیٰ تصحیح العبادة. ولکن‏‎ ‎‏لا سبیل إلی الاطلاع علیه من ناحیة إطلاق الأمر والنهی، کما مرّ مراراً‏‎[41]‎‏، فما أفاده‏‎ ‎‏«الکفایة» کغیره فی عدم التمامیّة من ناحیة إطلاق کلامهم، وعدمِ العثور علیٰ مغزی‏‎ ‎‏المسألة فی محطّ البحث.‏

‏ثمّ فی مورد ثبوت إطلاق الأمر والنهی وسقوط أحد الدلیلین، لا تندرج‏‎ ‎‏المسألة فی صغریٰ باب التعارض إن کان شرط الاندراج، إحرازَ کون أحد الدلیلین‏‎ ‎‏بلا ملاک؛ لأنّه فی المجمع غیر ممکن، لإمکان وجود الملاک ثبوتاً وإن لم یتمکّن من‏‎ ‎‏إحرازه إثباتاً، لا بالهیئة؛ لسقوطها لأجل الامتناع، ولا بإطلاق مادّته؛ لعدم المعنی‏‎ ‎‏المعقول لإطلاق المادّة حسبما تحرّر، لأنّ الإطلاق یکون من عوارض تعلّق الحکم‏‎ ‎‏بالموضوع، فکیف یعقل مع القطع بسقوط الحکم‏‎[42]‎‏؟! ولا بإطلاق سائر الأدلّة‏‎ ‎‏الواردة فی بیان محبوبیّة الصلاة علیٰ کلّ تقدیر‏‎[43]‎‏؛ لعدم کونها فی مقام البیان من‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 195
‏هذه الجهة.‏

‏نعم، إن لم یکن ذلک شرطاً فتندرج المسألة فی مورد النزاع فی باب‏‎ ‎‏التعارض؛ لأنّه من المتعارضین بالعرض، وفی شمول الأدلّه لمثله خلاف، وقد‏‎ ‎‏استشکلنا فی ذلک جدّاً‏‎[44]‎‏، فلا تکون المسألة من صغریات باب التعارض، ولا‏‎ ‎‏التزاحم. نعم تصیر شبهة موضوعیّة للبابین علیٰ وجه.‏

‏وأمّا ما فی کلام سیّدنا الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‏: من لزوم تغلیب جانب النهی‏‎ ‎‏مطلقاً؛ جمعاً بین الدلیلین‏‎[45]‎‏، فهو متین، ولکنّه علیٰ تقدیر اعتبار قید المندوحة فی‏‎ ‎‏محطّ البحث، وإلاّ فإن قلنا بإمکان کون الدلیلین فعلیّین عرضاً، فلا معنیٰ أیضاً لغلبة‏‎ ‎‏جانب الأمر أو النهی، بل الصلاة صحیحة ولو کانت مفسدة النهی أقویٰ وأهمّ.‏

‏نعم، یجوز ترکها إذا استلزمت التصرّف الزائد علیٰ أصل الکون فی‏‎ ‎‏المغضوب. ولو کان ذلک بسوء الاختیار، فله مقام آخر یأتی من ذی قِبَل إن شاء‏‎ ‎‏الله تعالیٰ‏‎[46]‎‏.‏

‏وإن قلنا بعدم فعلیّتهما العرضیّة؛ لعدم المندوحة، فلابدّ من ملاحظة الملاک؛‏‎ ‎‏فلوکان التصرّف أقویٰ ملاکاً من الصلاة فلابدّ من ترکها، إلاّ إذا لم تستلزم التصرّف‏‎ ‎‏الزائد، أو تصرّفاً رأساً؛ علیٰ ما مرّ تفصیله‏‎[47]‎‏.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 196

  • )) کفایة الاُصول : 191، محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 234 .
  • )) کفایة الاُصول : 192 .
  • )) عدّة الاُصول : 100 / السطر 21 ـ 23 .
  • )) الذریعة إلی اُصول الشریعة 1 : 191 ـ 192 .
  • )) نهایة الاُصول : 260 ـ 261 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) یأتی فی الصفحة 216 ـ 218 .
  • )) نهایة الاُصول : 261 .
  • )) یأتی فی الصفحة 189 ـ 192 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 137 ـ 138 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 320 ـ 323 .
  • )) اُنظر ماتقدّم فی الجزء الثالث : 440 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 142 ـ 145 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 122 .
  • )) نهایة الاُصول : 263 ـ 264 .
  • )) نهایة الاُصول : 260 ـ 261 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 124 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 105 ـ 107 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 368 ـ 370، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 442 ـ 443 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 449 ـ 457 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 61 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 185 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 179 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 478 ـ 512 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 512 ومابعدها.
  • )) تقدّم فی الصفحة 188 .
  • )) الفصول الغرویّة: 125 / السطر 14، کفایة الاُصول : 193 .
  • )) کفایة الاُصول : 210 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 184 ـ 185 .
  • )) نفس المصدر.
  • )) غرر العوائد من درر الفوائد : 69 .
  • )) وسائل الشیعة 9: 543، کتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4.
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 339 ومابعدها.
  • )) نهایة الاُصول : 262 ـ 263، مناهج الوصول 2 : 123 .
  • )) کفایة الاُصول : 191، فوائد الاُصول، المحقّق الخراسانی: 146 .
  • )) مطارح الأنظار : 157 / السطر 13، کفایة الاُصول : 192، نهایة الاُصول : 261 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 187 ـ 188 .
  • )) کفایة الاُصول : 189 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 166 ـ 170 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 115 ـ 117.
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 339 وفی هذا الجزء : 170 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 443.
  • )) الکافی 3: 99 / 4، وسائل الشیعة 2 : 373، کتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب1، الحدیث5.
  • )) تقدّم فی الصفحة 153.
  • )) نهایة الاُصول : 262 ـ 263 .
  • )) یأتی فی الصفحة 214.
  • )) تقدّم فی الصفحة 155 ـ 156.