المقصد الثالث فی النواهی

التنبیه الأوّل محذور اجتماع الأوصاف المتقابلة فی المجمع

التنبیه الأوّل محذور اجتماع الأوصاف المتقابلة فی المجمع

‏ ‏

‏لو صحّ اجتماع الأمر والنهی الفعلیّین فی المجمع، للزم کون الشیء الواحد‏‎ ‎‏موصوفاً بالأوصاف المتقابلة؛ وهی المحبوبیّة والمبغوضیّة، والمقرّبیة والمبعّدیة،‏‎ ‎‏وذات المصلحة والمفسدة، ولاشبهة فی تقابل تلک النعوت، کما لاشبهة فی لزوم‏‎ ‎‏ذلک، ولاسیّما علیٰ مذهب العدلیّة.‏

أقول أوّلاً :‏ ینقض بأنّ من المتقابلات هی العلیّة والمعلولیّة، والمحبّیة‏‎ ‎‏والمحبوبیّة، والفوقیّة والتحتّیة، مع أنّ الشیء الواحد یوصف بها قطعاً وبلاشبهة، فلو‏‎ ‎‏صحّ الأمر هنا یصحّ فیما ذکر.‏

وثانیاً :‏ إنّ الأوصاف والنعوت مختلفة؛ فبعض منها ما هی الواقعیّة،‏‎ ‎‏ولامدخلیّة للاعتبار والإضافة فیها، کالأبیضیّة والأسودیّة، فإنّها لایمکن اجتماعها،‏‎ ‎‏ولایختلف الحکم باختلاف اللحاظ والجهة فیها؛ لأنّها من الصفات غیر ذات‏‎ ‎‏الإضافة، ومن المقولات الحقیقیّة.‏

‏وبعض منها من الاُمور الواقعیّة التی تکون ذات إضافة، وتکون ذات منشأ‏‎ ‎‏مقولیّ حسب المشهور، کالفوقیّة والتحتیّة، فإنّهما من المنتزعات عن المقولة‏‎ ‎‏الخارجیّة؛ وهی مقولة الإضافة، وبکونها ذات إضافة یختلف الحکم والتوصیف‏‎ ‎‏باختلاف الجهات والإضافات، فیصیر الشیء الواحد فوقاً بالإضافة إلیٰ ما تحته،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 216
‏وتحتاً بالإضافة إلیٰ ما فوقه، مع أنّ منشأ ذلک فرد من مقولة الإضافة، وهی من‏‎ ‎‏الواقعیّات، إلاّ أنّ الواقعیّات ذات الإضافة تکون بهذه المثابة بالطبع.‏

‏والقسم الثالث من الأوصاف ما لاخارجیّة لها، ولامنشأ مخصوص بها،‏‎ ‎‏ولایحاذیها الحیثیّة الزائدة علیٰ ذات الموضوع، کالعلیّة والمعلولیّة، والعاقلیّة‏‎ ‎‏والمعقولیّة، وقد فرغنا من توضیح هذه الاُمور فی «قواعدنا الحکمیّة» وتلک النعوت‏‎ ‎‏لیست مندرجة تحت المقولات، وتعدّ من الأوصاف المتضایفة مفهوماً الساریة فی‏‎ ‎‏جمیع أنحاء العالم؛ حتّیٰ البسیط الحقیقیّ، ویکون من خارج المحمول لها.‏

‏والقسم الرابع من الأوصاف ما هی الاُمور الاعتباریّة التی لاخارجیّة لها إلاّ‏‎ ‎‏فی الاعتبار، کالملکیّة والحرّیة والعبدیّة وأمثالها، فیکون الشیء الواحد مملوکاً‏‎ ‎‏ومالکاً.‏

‏إذا تبیّن ذلک بتفصیل مع إجمال فیه أیضاً فلیعلم: أنّ المحبوبیّة والمبغوضیّة‏‎ ‎‏لیستا ممّا لاتجتمعان بحسب اختلاف الإضافة والجهة بالضرورة، بل هما من قبیل‏‎ ‎‏وصف المعلومیّة والمجهولیّة، فکما أنّ الشیء الواحد یمکن أن یکون معلوماً‏‎ ‎‏بحسب وجوده فی النجف، ویکون مجهولاً بحسب وجوده فی دار فلان، کذلک‏‎ ‎‏یکون محبوباً بحسب ما فیه جهة الحسن، ومبغوضاً بحسب ما فیه جهة البغض.‏

وأیضاً :‏ کما أنّ المعلومیّة والمجهولیّة من الأوصاف العرضیّة للخارج، کذلک‏‎ ‎‏المحبوبیّة والمبغوضیّة، فإنّ ما یتعلّق الحبّ به بالنسبة إلینا هی الصورة الذهنیّة أوّلاً‏‎ ‎‏وبالذات، ثمّ لمکان انطباق تلک الصورة علیٰ ما فی الخارج یکون الخارج محبوباً‏‎ ‎‏بالعرض والمجاز.‏

وبالجملة:‏ وصف المحبوبیّة والمبغوضیّة أسوأ حالاً من سائر الأوصاف‏‎ ‎‏المزبورة؛ لأنّها کلّها توصف بها الأشیاء علی الحقیقة، ویکون من التوصیف بحال‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 217
‏أنفسها، بخلافهما.‏

‏نعم، بالنسبة إلی الحقّ الأوّل ـ عزّوجلّ ـ لیس الأمر کما ذکر.‏

وأیضاً یعلم:‏ أنّ المقرّبیة والمبعّدیة ممّا لابأس باجتماعهما؛ لإمکان کون‏‎ ‎‏الشیء الواحد مقرّباً من جهة، ومبعّداً من اُخریٰ؛ لأنّهما من المفاهیم الإضافیّة‏‎ ‎‏الحاصلة من اختلاف الأشیاء فی جهة الحسن والقبح، أفلا تریٰ أنّ من حرّک یده‏‎ ‎‏لضرب عبد المولیٰ یستحقّ العقوبة علیٰ أمرین؛ الأوّل: ضربه، الثانی: التصرّف فی‏‎ ‎‏ملک الغیر، ومن حرّکها علیٰ وجه التلطیف لیس مثله، وهکذا سائر الأمثلة المذکورة‏‎ ‎‏الواضح سبیلها.‏

‏ومن هنا ینقدح: أنّ اجتماع المصالح والمفاسد واضح الإمکان وواقع، فإنّ‏‎ ‎‏الشیء الواحد یکون بالنسبة إلیٰ شخص ذا مصلحة، وبالنسبة إلی الآخر ذا مفسدة،‏‎ ‎‏ولیس ذلک إلاّ لأنّ المصالح والمفاسد، لیست من قبیل القسم الأوّل من الأوصاف‏‎ ‎‏المقولیّة، ولامن الثانی، بل هی من الوجوه والاعتبارات العقلائیّة أحیاناً، ولو کانت‏‎ ‎‏ترجع إلی الخواصّ والآثار الطبیعیّة فی مورد، فلا مانع من کون الواحد الشخصیّ‏‎ ‎‏جامعاً لهما بالضرورة.‏

فبالجملة:‏ لاوجه لتوهّم الشبهة فی إمکان الاجتماع فی النزاعین: الصغرویّ،‏‎ ‎‏والکبرویّ، والمسألة بعد ذلک تکون من الواضحات الغنیّة عن البیان، ودعویٰ بداهة‏‎ ‎‏صحّة الاجتماع‏‎[1]‎‏ قریبة جدّاً، وانتساب المخالف إلیٰ عدم تصوّر أطراف المسألة‏‎ ‎‏جائز قطعاً.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 218

  • )) نهایة الاُصول : 260.