تذنیب : حول الاستدلال علی الاجتماع بالعبادات الاستئجاریّة والمنذورة
للمستدلّ أن یستدلّ بالعبادات الواقعة مورد الإجارة، کالحجّ ونحوه؛ لأنّه إذا جاز اجتماع الأمر الندبیّ والوجوبیّ، جاز اجتماع الأمر والنهی، ضرورة أنّ الأحکام بأسرها غیر قابلة للاجتماع وتکون متضادّة بالأسر، ولاریب فی أنّ النائب یستحبّ له الحجّ بذاته ولنفسه، وإذا استؤجر للحجّ یجب علیه الحجّ عن الغیر؛ لأجل الأمر الإجاریّ، فیلزم اجتماع الأمر الاستحبابیّ والوجوبیّ، ویکون متعلّق الأوّل نفس الطبیعة، ومتعلّق الثانی الطبیعة الخاصّة وإذا صحّ وأمکن ذلک فی المطلق والمقیّد، ففی العموم من وجه بطریق أولیٰ.
ومن هذا القبیل النذر المتعلّق بصلاة اللیل، فإنّ صلاة اللیل مستحبّة، والصلاة المستحبّة واجبة بالوجوب التوصّلی، فیلزم اجتماع الوجوب والندب فی العنوانین المتصادقین علیٰ واحد.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 247
إن قلت: لایلزم تصادقهما علیٰ واحد؛ لأنّ مورد الأمر هی الصلاة، وموردَ الأمر التوصّلی هی الصلاة المأتیّ بها قربة إلی الله تعالیٰ.
قلت: قد تحرّر منّا فی محلّه أنّ الأمر المتعلّق بالصلاة، لایفید صحّة التقرّب؛ لأنّ أصالة التعبّدیة بلا أساس، فلابدّ من أخذ قید التقرّب فی المتعلّق حتّیٰ یصیر عبادیّاً، ویصیر عندئذٍ مجمعاً لعنوان «الصلاة القربیّة» وللصلاة القربیّة المأمور بها.
وبالجملة: لایلزم أن یکون مورد الأمر والنهی عنواناً واحداً؛ حتّیٰ لایتمکّن المستدلّ من الاستدلال کما لایخفیٰ، فافهم واغتنم، وتدبّر جیّداً.
ونظیر ذلک ما إذا قلنا: بأنّ المقدّمة واجبة، فإنّ صلاة الظهر مورد الأمر النفسیّ، وتکون مورد الأمر الغیریّ؛ لأنّها مقدّمة وجودیّة بالنسبة إلیٰ صلاة العصر، ولکن الأمر المقدّمی لایتعلّق بذلک العنوان، بل متعلّقه هو عنوان «صلاة الظهر المأمور بها» فیتمّ للمستدلّ الاستدلال بمثله وبنظائره فی الشریعة.
إن قلت: فی مثل النذر لایعقل أن یکون متعلّق الأمر النذریّ الصلاة المأمور بها بالأمر الاستحبابیّ؛ لأنّه بالنذر لایتمکّن من الامتثال، لأنّها تصیر واجبة بالنذر.
قلت أوّلاً: یتمّ الاستدلال فیما إذا نذر الصلاة الواجبة، فإنّه بالنذر یتمکّن من إتیان الصلاة الواجبة.
وثانیاً: لامعنیٰ للانقلاب المزبور الواقع فی کلام العلاّمة النائینیّ قدس سره لأنّ المفروض أنّ متعلّق النذر هی الصلاة المأمور بها، دون مطلق الصلاة، والمکلّف بعد
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 248
النذر لابدّ وأن یقصد الأمر العبادیّ الاستحبابیّ؛ لأنّ ذلک مورد الأمر الإیجابیّ التوصّلی، فلایصیر عاجزاً عن إتیان الصلاة النفلیّة استحباباً؛ لأنّ ما هو مورد الأمر التوصّلی إتیانها استحباباً، أی بداعی الأمر المتعلّق بالعبادة ولو نسی الأمر النذریّ وأتیٰ بها لأجل أمرها صحّت بالضرورة. مع أنّ مقتضیٰ ما أفاده بطلانها؛ لأنّها لیست إلاّ مورد الأمر الوجوبیّ، فلیلاحظ جدّاً.
وبالجملة: ما تخیّله من أنّ التضادّ والتنافر یقع بین الأمر الوجوبیّ التوصّلی النذریّ، وبین الأمر القربیّ الندبیّ المتعلّق بذات العبادة، ویقع التصالح بینهما بالتناکح، ویتولّد من بینهما بعد الکسر والانکسار أمر واحد وجوبیّ قربیّ، أشبه بالامتحانیّات من الواقعیّات.
ونتیجة هذا التفصیل؛ هی إمکان اجتماع الحکمین فی المطلق والمقیّد، وإذا صحّ ذلک هنا فیصحّ فی العامّین من وجه اللذین هما مورد النزاع بطریق أولیٰ فی الحرمة والوجوب؛ لعدم الفرق بین الأحکام فی المنافرة والمضادّة وعدم إمکان الاجتماع ذاتاً أو بالغیر.
تنبیه
إنّ الأصحاب وإن لم یستدلّوا بهذه الأمثلة لجواز الاجتماع، إلاّ أنّهم وقعوا فی هذه البحوث لمناسبات اُخر، وإنّی رأیت أنّ هذه المناسبة أقویٰ وأحسن، فافهم واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 249