المقصد الثالث فی النواهی

تذنیب : حول الاستدلال علی الاجتماع بالعبادات الاستئجاریّة والمنذورة

تذنیب : حول الاستدلال علی الاجتماع بالعبادات الاستئجاریّة والمنذورة

‏ ‏

‏للمستدلّ أن یستدلّ بالعبادات الواقعة مورد الإجارة، کالحجّ ونحوه؛ لأنّه إذا‏‎ ‎‏جاز اجتماع الأمر الندبیّ والوجوبیّ، جاز اجتماع الأمر والنهی، ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الأحکام بأسرها غیر قابلة للاجتماع وتکون متضادّة بالأسر، ولاریب فی أنّ النائب‏‎ ‎‏یستحبّ له الحجّ بذاته ولنفسه، وإذا استؤجر للحجّ یجب علیه الحجّ عن الغیر؛‏‎ ‎‏لأجل الأمر الإجاریّ، فیلزم اجتماع الأمر الاستحبابیّ والوجوبیّ، ویکون متعلّق‏‎ ‎‏الأوّل نفس الطبیعة، ومتعلّق الثانی الطبیعة الخاصّة وإذا صحّ وأمکن ذلک فی المطلق‏‎ ‎‏والمقیّد، ففی العموم من وجه بطریق أولیٰ.‏

‏ومن هذا القبیل النذر المتعلّق بصلاة اللیل، فإنّ صلاة اللیل مستحبّة، والصلاة‏‎ ‎‏المستحبّة واجبة بالوجوب التوصّلی، فیلزم اجتماع الوجوب والندب فی العنوانین‏‎ ‎‏المتصادقین علیٰ واحد.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 247
إن قلت:‏ لایلزم تصادقهما علیٰ واحد؛ لأنّ مورد الأمر هی الصلاة، وموردَ‏‎ ‎‏الأمر التوصّلی هی الصلاة المأتیّ بها قربة إلی الله تعالیٰ.‏

قلت:‏ قد تحرّر منّا فی محلّه أنّ الأمر المتعلّق بالصلاة، لایفید صحّة التقرّب؛‏‎ ‎‏لأنّ أصالة التعبّدیة بلا أساس‏‎[1]‎‏، فلابدّ من أخذ قید التقرّب فی المتعلّق حتّیٰ یصیر‏‎ ‎‏عبادیّاً، ویصیر عندئذٍ مجمعاً لعنوان «الصلاة القربیّة» وللصلاة القربیّة المأمور بها.‏

وبالجملة:‏ لایلزم أن یکون مورد الأمر والنهی عنواناً واحداً؛ حتّیٰ لایتمکّن‏‎ ‎‏المستدلّ من الاستدلال کما لایخفیٰ، فافهم واغتنم، وتدبّر جیّداً.‏

‏ونظیر ذلک ما إذا قلنا: بأنّ المقدّمة واجبة، فإنّ صلاة الظهر مورد الأمر‏‎ ‎‏النفسیّ، وتکون مورد الأمر الغیریّ؛ لأنّها مقدّمة وجودیّة بالنسبة إلیٰ صلاة العصر،‏‎ ‎‏ولکن الأمر المقدّمی لایتعلّق بذلک العنوان، بل متعلّقه هو عنوان «صلاة الظهر‏‎ ‎‏المأمور بها» فیتمّ للمستدلّ الاستدلال بمثله وبنظائره فی الشریعة.‏

إن قلت:‏ فی مثل النذر لایعقل أن یکون متعلّق الأمر النذریّ الصلاة‏‎ ‎‏المأمور بها بالأمر الاستحبابیّ؛ لأنّه بالنذر لایتمکّن من الامتثال، لأنّها تصیر‏‎ ‎‏واجبة بالنذر‏‎[2]‎‏.‏

قلت أوّلاً:‏ یتمّ الاستدلال فیما إذا نذر الصلاة الواجبة، فإنّه بالنذر یتمکّن من‏‎ ‎‏إتیان الصلاة الواجبة.‏

وثانیاً:‏ لامعنیٰ للانقلاب المزبور الواقع فی کلام العلاّمة النائینیّ ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض أنّ متعلّق النذر هی الصلاة المأمور بها، دون مطلق الصلاة، والمکلّف بعد‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 248
‏النذر لابدّ وأن یقصد الأمر العبادیّ الاستحبابیّ؛ لأنّ ذلک مورد الأمر الإیجابیّ‏‎ ‎‏التوصّلی، فلایصیر عاجزاً عن إتیان الصلاة النفلیّة استحباباً؛ لأنّ ما هو مورد الأمر‏‎ ‎‏التوصّلی إتیانها استحباباً، أی بداعی الأمر المتعلّق بالعبادة ولو نسی الأمر النذریّ‏‎ ‎‏وأتیٰ بها لأجل أمرها صحّت بالضرورة. مع أنّ مقتضیٰ ما أفاده بطلانها؛ لأنّها لیست‏‎ ‎‏إلاّ مورد الأمر الوجوبیّ، فلیلاحظ جدّاً.‏

وبالجملة:‏ ما تخیّله من أنّ التضادّ والتنافر یقع بین الأمر الوجوبیّ التوصّلی‏‎ ‎‏النذریّ، وبین الأمر القربیّ الندبیّ المتعلّق بذات العبادة، ویقع التصالح بینهما‏‎ ‎‏بالتناکح، ویتولّد من بینهما بعد الکسر والانکسار أمر واحد وجوبیّ قربیّ‏‎[4]‎‏، أشبه‏‎ ‎‏بالامتحانیّات من الواقعیّات.‏

‏ونتیجة هذا التفصیل؛ هی إمکان اجتماع الحکمین فی المطلق والمقیّد، وإذا‏‎ ‎‏صحّ ذلک هنا فیصحّ فی العامّین من وجه اللذین هما مورد النزاع بطریق أولیٰ فی‏‎ ‎‏الحرمة والوجوب؛ لعدم الفرق بین الأحکام فی المنافرة والمضادّة وعدم إمکان‏‎ ‎‏الاجتماع ذاتاً أو بالغیر.‏

‏ ‏

تنبیه

‏ ‏

‏إنّ الأصحاب وإن لم یستدلّوا بهذه الأمثلة لجواز الاجتماع، إلاّ أنّهم‏‎ ‎‏وقعوا فی هذه البحوث لمناسبات اُخر، وإنّی رأیت أنّ هذه المناسبة أقویٰ‏‎ ‎‏وأحسن، فافهم واغتنم.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 249

  • )) تقدّم فی الجزء الثانی: 152.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 440.
  • )) نفس المصدر.
  • )) نفس المصدر.