المقصد الثالث فی النواهی

التنبیه السادس فی حکم المضطرّ إلی المحرّم وحکم المتوسّط فی الأرض المغصوبة

التنبیه السادس فی حکم المضطرّ إلی المحرّم وحکم المتوسّط فی الأرض المغصوبة

‏ ‏

‏وقبل الخوض فی أصل البحث لابدّ من التنبیه إلیٰ نکتة: وهی وجه البحث‏‎ ‎‏عن هذه المسألة فی ذیل هذا البحث الکلّی؛ ومسألة الاجتماع والامتناع:‏

اعلم:‏ أنّ من المحرّر فی البحوث السابقة، اتفاق الکلّ علیٰ عدم جواز‏‎ ‎‏اجتماع الأمر والنهی مع کون متعلّقهما واحداً‏‎[1]‎‏، مع أنّه یلزم اجتماع الأمر والنهی‏‎ ‎‏فی المتوسّط فی الأرض المغصوبة؛ إذا کان بسوء الاختیار. وهکذا إذا اضطرّ إلی‏‎ ‎‏أکل المحرّم، وکان سبب الاضطرار سوء الاختیار، فلأجل هذه العویصة عنونوا هذه‏‎ ‎‏المسألة حتّیٰ یتّضح حکمها، وتتبیّن حقیقة الأمر فیها.‏

‏ووجه الاستلزام واضح؛ ضرورة أنّ من دخل فی أرض الغیر بلا إذنه، یکون‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 255
‏دخوله من التصرّف المحرّم، وإذا أراد الخروج واشتغل به، یکون خروجه من‏‎ ‎‏التصرّف فی مال الغیر، فیکون حراماً، ویکون هو أیضاً واجباً إمّا بالوجوب الغیریّ‏‎ ‎‏المقدّمی؛ لأنّه مقدّمة لردّ مال الغیر وللتخلّص من التصرّف المحرّم.‏

‏أو بالوجوب النفسیّ؛ لأنّ عنوان «ردّ مال الغیر» واجب؛ لقولهم ‏«المغصوب‎ ‎مردود»‏ و‏«لأنّ الغصب کلّه مردود»‏ کما فی بعض الروایات‏‎[2]‎‏، فعلیٰ هذا یکون‏‎ ‎‏التصرّف الخروجیّ ـ أی عنوان «الخروج» ـ محرّماً وواجباً، وهذا ممّا لایکاد أن‏‎ ‎‏یلتزم به أحد.‏

‏فما یظهر من المحقّق الوالد ـ مدّظلّه من إنکار الوجوب المقدّمی‏‎[3]‎‏، فی‏‎ ‎‏محلّه، إلاّ أنّ إنکار الوجوب النفسیّ‏‎[4]‎‏ غیر صحیح ظاهراً؛ لأنّ المراد من ردّ‏‎ ‎‏«الغصب» لیس الفراغ من الغصب المحرّم، وإلاّ یلزم أن یکون الغاصب فارغ البال‏‎ ‎‏إذا غصب المغصوب غاصب آخر،مع أنّه یجب علیه ردّ مال الغیر إلیٰ صاحبه، ومع‏‎ ‎‏أنّه خلاف ظاهر الروایة ،ولعلّه مورد فتوی الأصحاب ـ رضوان الله تعالیٰ علیهم ،‏‎ ‎‏فعنوان «الردّ» واجب، بخلاف سائر العناوین، کعنوان «ترک الغصب» وعنوان‏‎ ‎‏«التخلّص منه» وغیر ذلک ممّا لایقوم علیٰ وجوبه الدلیل الشرعیّ.‏

إن قلت:‏ «وجه البحث عن هذه المسألة أمر آخر؛ وهو أنّ من المحرّر فی‏‎ ‎‏محلّه اعتبار المندوحة فی صحّة النزاع المزبور‏‎[5]‎‏، وأنّ الصلاة مع المندوحة تصحّ‏‎ ‎‏علی الاجتماع، وبقی الکلام حول ما إذا انتفت المندوحة؛ وأنّه هل تصحّ أم لا»‏‎[6]‎‏؟‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 256
قلت:‏ قد فرغنا من حدیث المندوحة هذا‏‎[7]‎‏، وأنّ بحث الأعلام هنا حول‏‎ ‎‏الحکم التکلیفیّ أوّلاً وبالذات، ثمّ أدرج بعضهم حدیث الحکم الوضعیّ، فلایکون‏‎ ‎‏وجه المناسبة إلاّ ما أشرنا إلیه.‏

‏ومن هنا یظهر سقوط البحث هنا من صورة الدخول فی المغصوبة لا بسوء‏‎ ‎‏الاختیار، فإنّه خارج عن محطّ کلام الأصحاب، وأدلّتهم‏‎[8]‎‏ تشهد علیٰ ما ذکرناه.‏

‏إذا تبیّن ذلک، فالکلام فی المقام یقع فی جهتین:‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 257

  • )) تقدّم فی الصفحة 243.
  • )) تهذیب الأحکام 4: 130 / 2، وسائل الشیعة 9: 524، کتاب الأنفال، أبواب الأنفال، الباب1، الحدیث4.
  • )) مناهج الوصول 2: 143.
  • )) نفس المصدر.
  • )) مطارح الأنظار: 128 / السطر 18 ـ 19.
  • )) مطارح الأنظار: 153 / السطر 19 ـ 21.
  • )) تقدّم فی الصفحة 182.
  • )) قوانین الاُصول 1: 153 / السطر 22، و154، الفصول الغرویّة: 138 / السطر25، کفایة الاُصول: 204 ـ 210.