الجهة الثانیة : فی بیان الحکم الوضعیّ وصحّة الصلاة حال الخروج
أی فی مسألة الصلاة حال التصرّف الاضطراریّ، ومنها یتبیّن حال سائر الشرعیّات العبادیّة من الوضوء وغیره.
اعلم: أنّ الوجوه والاحتمالات بل والأقوال فی هذه المسألة أیضاً کثیرة، وحیث إنّ جلاًّ من البحث قد مضیٰ تفصیله عند ذکر ثمرة بحث الاجتماع والامتناع، فلایهمّنا الغور فی المسألة.
نعم، نشیر إلیٰ طائفة من الکلام حولها، وهی تتبیّن من ذکر ماهو الحقّ فیها:
فنقول: إنّ التحقیق صحّة الصلاة حال التصرّف الاضطراریّ، سواء قلنا بحرمة التصرّف الاضطراریّ، أو قلنا بمبغوضیّته واجراء حکم المعصیة علیه، أو لم نقل بکلّ واحد من الوجهین، وسواء کان الاضطرار بسوء الاختیار، أم لم یکن کذلک، وسواء کان الوقت موسّعاً أو مضیّقاً، وسواء کان الضیق إلیٰ حدّ یمنع عن صلاة المختار بعد رفع الاضطرار، أو لایکون إلیٰ ذلک الحدّ، ولایتمکّن إلاّ من الصلاة مومئاً للرکوع والسجود... وغیر ذلک من الصور والحالات.
وفی مقابله القول بالبطلان فی جمیع الحالات، والقول بالتفصیل، وهو کثیر؛ لاختلاف صور المسألة التی یمکن أن یختار شخص إحداها، کما هو الواضح الظاهر.
ثمّ إنّ قبل الخوض فی جوهر المسألة، لابدّ من الإیماء إلیٰ محطّ البحث فی هذه المرحلة من المسألة: وهو أنّ المفروض من البحث ، صورة کون الصلاة حال التصرّف الاضطراریّ، فلو خرج عن ذلک حتّیٰ یکون من التصرّف غیر الاضطراریّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 277
فهو بحث لایهمّنا؛ لما مرّ الکلام حول صحّة الصلاة فی المغصوب مع المندوحة، فلو کانت الصلاة موجبة؛ لتأخّره فی الخروج عن المغصوبة، فهو خارج عن الجهة التی هی مورد کلامنا هنا.
وأیضاً غیر خفیّ: أنّ التصرّفات الرکوعیّة والسجودیّة، توجب طبعاً التأخیر عن الفراغ عن المغصوب، فلابدّ وأن تکون بنحو الإیماء، ویکون من کان تکلیفه جواز الإیماء مورد البحث هنا، وإلاّ فمع کون المأمور به هی صلاة المختار، وکان الوقت واسعاً للإتیان بها بعد الفراغ عن المغصوب، فهو أیضاً خارج عن الجهة المبحوث عنها هنا، فلاینبغی الخلط فیما هو محلّ الکلام فی المقام، وما کان مورد البحث عند ذکر ثمرة مسألة الاجتماع والامتناع.
ومن الممکن دعویٰ إمکان تصوّر الإتیان بصلاة المختار، من غیر لزوم الزیادة علی التصرّف الاضطراریّ، وهو فیما إذا کانت السفینة فی المیاه المغصوبة، فإنّ الصلاة الاختیاریّة علی السفینة لاتزید علی التصرّف الاضطراریّ بشیء کما هو الواضح، لأنّه فی حال الرکوع والسجود مشغول بالفراغ، ولایمکث فی المغصوب بالاختیار. هذا إذا کانت السفینة غیر مغصوبة.
وأمّا إذا کانت مغصوبةً، فهل الهیئات الرکوعیّة والسجودیّة والقعودیّة تعدّ من التصرّف الزائد علی الهیئة القیامیّة، وهکذا الهیئة القیامیّة تزید علی القعودیّة، أم لا؟ وجهان أو وجوه.
ثالثها: التفصیل بین العرف والعقل، کما عن بعض الأعلام.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 278
وعن «الجواهر» : أنّه لایزید عرفاً ولاعقلاً، وتمام الکلام فی محلّ آخر.
والأظهر: أنّ المسألة حسب نظر العقل لیست کما أفتیٰ بها صاحب «الجواهر» وبعض أتباعه؛ لاختلاف الأجسام سعةً وضیقاً حسب الحجـم واشتغال الخلاء.
نعم، للعرف دعویٰ: أنّ التصرّفات الفضائیّة لیست من التصرّف، أو تکون مورد انصراف أدلّة التحریم، وماهو المحرّم من التصرّف هو التصرّف الحاصل من المماسّة، فیکون حال القیام التصرّف أقلّ من حال الجلوس، وهو من حال النوم.
وهذا لایهمّنا فی المقام، بل النظر هنا إلیٰ أنّ من الممکن أن یکون المکلّف، قادراً علی الصلاة الاختیاریّة حال التصرّف الاضطراریّ، من غیر زیادة علی التصرّف الاضطراریّ، وهذا کما یتصوّر فی المثال الأوّل یتصوّر فی المثال الثانی، علیٰ خلاف فیه بین الأعلام فی مسألة المحبوس فی الأرض المغصوبة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 279