صحّة العبادة حال الاضطرار ولو کان بسوء الاختیار
إذا عرفت مصبّ الکلام ، ومحلّ النقض والإبرام، ومحطّ النفی والإثبات من الأعلام، فلیعلم: أنّ العبادة سواء کانت من قبیل الصلاة، أو کانت کالوضوء حال الخروج فی السفینة والقطار المارّ علی الأرض المغصوبة، کما هو الکثیر الابتلاء فی هذه الأدوار، صحیحة مقبولة عندنا إن شاء الله تعالیٰ؛ وذلک لأنّ فی جمیع صور المسألة إمّا لایکون نهی ولا مبغوض، أو یکون النهی، أو لایکون النهی، ولکن یوجد بغض المولیٰ بالنسبة الی التصرّف، وعلیٰ کلّ حال لایکون متعلّق النهی والبغض عنوان «الصلاة والعبادة» لجواز اجتماع الأمر والنهی.
فلایتوهّم وجه لتخیّل بطلانها إلاّ علی القول بالامتناع مع وجود النهی، أو
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 280
القول بامتناع اجتماع المأمور به مع المبغوض ولو کان غیر المنهی عنه بالنهی الفعلیّ، أو القول بامتناع التقرّب بما فیه المفسدة وإن لم یکن مورد البغض، والکلّ باطل عاطل، وقد فرغنا عن فساده، ولاسیّما الأخیر کما لایخفیٰ.
وهذا الذی ذکرناه یتمّ من غیر فرق بین کون المکلّف، متمکّناً من الإتیان بالصلاة التامّة بعد الفراغ من التصرّف فی الأرض المغصوبة، أو کان غیر متمکّن إلاّ من صلاة الإیماء والإشارة، فإنّ وجود المندوحة لایضرّ بصحّة الصلاة المقرونة بالنهی والمفسدة؛ حسب جواز اجتماع الأمر والنهی، وجواز اجتماع الحبّ والبغض، والمقرّب والمبعّد.
فبالجملة تحصّل: أنّ هذا التصرّف الاضطراریّ إمّا محرّم فعلاً بالخطابات الأوّلیة، کما هو المختار، ویکون غیر مرفوع بحدیث الرفع، فیلزم اجتماع الأمر والنهی، أو یکون مرفوعاً، أو لایکون محرّماً ولا مبغوضاً، فلا وجه لبطلان الصلاة إلاّ توهّم اشتمالها علی المفسدة، ولو کان الأمر کما توهّم یلزم بطلان الصلاة فی کثیر من المواضع.
أو یکون مبغوضاً ومعصیةً حکماً أو واقعاً، فیلزم اجتماع المبغوض والمحبوب المأمور به علی العنوانین، أو یکون التصرّف محرّماً للمتوسّط بسوء الاختیار، فالأمر کما تحرّر، وغیرَ محرّم من المتوسّط لا بسوء الاختیار، فالأمر کذلک.
وتصیر النتیجة علیٰ هذا کلّه واحدة: وهی صحّة العبادة المأتیّ بها فی تلک الحال. ومن هنا یظهر مواضع الاشتباه، ویظهر أنّ تکثیر الصور لیس من الأمر اللازم فی البحث، والله هو الموفّق المؤیّد.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 281