المقصد الثالث فی النواهی

الأمر الأوّل : حول عنوان المسألة

الأمر الأوّل : حول عنوان المسألة

‏ ‏

‏قد اشتهر فیعنوان البحث «أنّ النهیعن الشیء هل یقتضی الفساد، أم لا؟»‏‎[1]‎‏.‏

‏وفی تعبیر آخر: «أنّ النهی عن الشیء هل یدلّ علیٰ فساده، أم لا؟»‏‎[2]‎‏.‏

‏وفی ثالث : «أنّ النهی إذا تعلّق بالعبادة أم المعاملة، هل یقتضی‏‎ ‎‏الفساد، أم لا؟»‏‎[3]‎‏.‏

‏وفی الکلّ جهات من النظر :‏

الاُولیٰ :‏ أنّه یتوجّه إلی العنوانین الأوّلین بأنّ جعل «الشیء» فی محطّ الکلام‏‎ ‎‏بلا وجه؛ لأنّ النزاع لیس یعقل بهذا النطاق الواسع، ضرورة أنّ النواهی التحریمیّة‏‎ ‎‏المتعلّقة بالأکل والشرب بالنسبة إلیٰ اُمور معلومة فی الشرع، لیست مورد الکلام فی‏‎ ‎‏المقام، فأخذ العنوان المبهم الأعمّ فی محطّ النزاع غیر جائز.‏

‏وإلی العنوان الثالث : بأنّ محطّ البحث أعمّ من العبادة والمعاملة ولو اُرید‏‎ ‎‏منها المعاملات بالمعنی الأعمّ؛ لأنّ البحث فی المقام راجع إلیٰ أنّ النهی إذا تعلّق‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 287

‏بشیء، هل یدلّ علی الفساد أو عدم الإجزاء؟ کما إذا تعلّق النهی فی مسألة الحدود‏‎ ‎‏وإجرائها بأن لایجری الحدّ فی الخفاء، أو لایجری الحدّ مثلاً تحت السقف، فإنّه وإن‏‎ ‎‏لم یدلّ علی الفساد، ولکنّه یمکن أن یدلّ علیٰ عدم الإجزاء، ویدلّ علیٰ أنّه یلزم‏‎ ‎‏تکراره عند التخلّف.‏

‏فما هو مورد البحث أمر أعمّ من العبادة والمعاملة، کما هو الظاهر. مع أنّ عدّ‏‎ ‎‏مثل التذکیة من المعاملة بالمعنی الأعمّ بلا وجه. فعند ذلک یتوجّه سؤال عن إمکان‏‎ ‎‏جعل العنوان الواحد الجامع المانع محطّ التشاحّ ومصبّ النزاع وعدمه، وسیأتی إن‏‎ ‎‏شاء الله ماهو اللائق بذلک‏‎[4]‎‏.‏

الثانیة :‏ أنّ کلاًّ من الاقتضاء والدلالة مورد المناقشة؛ لأنّ الظاهر المتبادر من‏‎ ‎‏«الاقتضاء» هو کون النهی بما هو لفظ موضوع لمعنی یقتضی ذلک، مع أنّه لا معنیٰ‏‎ ‎‏لذلک إلاّ علیٰ القول: بأنّ دلالة الألفاظ ذاتیّة طبعیّة علی المدلول المطابقیّ، أو لا‏‎ ‎‏أقلّ من المدلول الالتزامیّ، وکلاهما منفیّان بما تحرّر فی محلّه‏‎[5]‎‏.‏

‏ولأنّ الظاهر من «الدلالة» هی الدلالة الوضعیّة اللفظیّة، وفی المقام من یدّعی‏‎ ‎‏الدلالة یرید بها مطلق الملازمات العقلیّة ولو کانت خفیّة‏‎[6]‎‏.‏

‏ولأجل هذا وذلک قال السیّد الوالد ـ مدّظلّه : «فالأولیٰ التعبیر بـ «الکشف»‏‎ ‎‏حتّیٰ یعمّ الدلالات اللفظیّة، والملازمات العقلیّة، والخطب سهل»‏‎[7]‎‏ انتهیٰ.‏

أقول :‏ یمکن أن یقال؛ بأنّ الاقتضاء الحاصل من الدلالة الالتزامیّة الحاصلة‏‎ ‎‏من کثرة الاستعمال، یکون من قبیل دلالة الألفاظ دلالة طبعیّة ذاتیّة؛ لأنّها خارجة‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 288

‏عن حدّ الواضع ووضعه، فالکلام یکون حول هذا الاقتضاء؛ وأنّ النهی هل یکون له‏‎ ‎‏ذلک، أم لا؟ بعد مفروغیّة عدم کونه موضوعاً للدلالة علی الفساد.‏

‏ویوجّه الدلالة : بأنّ القائل بأنّه لایدلّ، یکون منکراً للدلالة الوضعیّة، وهذا‏‎ ‎‏لاینافی إثبات الفساد من ناحیة البیّن بالمعنی الأعمّ، أو من جهات اُخر عقلیّة،‏‎ ‎‏فلایلزم أن یکون مدّعی الفساد مستنداً إلیٰ دلالة النهی، حتّیٰ یتصرّف فی العنوان‏‎ ‎‏من هذه الجهة. بل لأحد أن ینکر دلالة النهی علی الفساد، دون الاُمور الاُخر‏‎ ‎‏الخارجة عن محیط النهی وضعاً، فافهم واغتنم.‏

‏هذا، ولایتمّ جعل عنوان الکشف محطّ البحث؛ لما أنّه ـ مدّظلّه من المنکرین‏‎ ‎‏للکشف فی الأوامر والنواهی، ویقول : إنّها لیست إلاّ أعذاراً عرفیّة وقاطعة الحجّة‏‎ ‎‏فی مقام الاحتجاجات العقلائیّة‏‎[8]‎‏.‏

الثالثة :‏ قد عرفت أنّ النزاع فی معنی أعمّ من الفساد وعدم الإجزاء، فإنّ کلّ‏‎ ‎‏شیء اتصف بأنّه فاسد فهو غیر مجزٍ عن المأمور به بأمره، بخلاف عنوان «غیر‏‎ ‎‏المجزی» فإنّه أعمّ منه؛ لما عرفت أنّ إجراء الحدّ بل إعطاء الخمس والزکاة‏‎ ‎‏وسائر الکفّارات علیٰ غیر الوجه المقرّر الشرعیّ، لایکون مجزیاً ، وربّما‏‎ ‎‏لایوصف بالفساد.‏

‏ولعلّ التذکیة أیضاً لاتوصف به، مع أنّ حدّ البحث أعمّ قطعاً یجیء فی النهی‏‎ ‎‏عن الذبح بالعود، أو إلیٰ غیر القبلة، فعلیٰ هذا لابدّ من مراعاة هذه الجهات فیما هو‏‎ ‎‏عنوان البحث.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ جهة النزاع وإن کانت أعمّ أیضاً من ناحیة النهی أو ما یقوم‏‎ ‎‏مقامه کالجمل الإخباریّة أو من قبیل الإجماع الکاشف عن الرأی من غیر وجود النهی‏‎ ‎‏اللفظیّ، إلاّ أنّ مراعاة ذلک غیر لازمة؛ لإمکان جعل موضوع البحث أخصّ، فتأمّل.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 289

‏وإن شئت جعلت الأخیر أیضاً من الشبهات الواردة علیٰ عنوان القوم.‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 290

  • )) مطارح الأنظار: 157 / السطر 24، کفایة الاُصول : 217، نهایة الأفکار 2 : 450 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 154 / السطر 21، الفصول الغرویّة: 139 / السطر 25 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 454، منتهی الاُصول 1 : 410.
  • )) یأتی فی الصفحة 290 ـ 291 .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل: 57 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : السطر 9 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 150، تهذیب الاُصول 1 : 408 ـ 409 .
  • )) مناهج الوصول 1 : 250 ـ 257،تهذیب الاُصول 1 : 139 ـ 145 .