المقصد الثالث فی النواهی

فذلکة الکلام فی المقام

فذلکة الکلام فی المقام

‏ ‏

الأوّل :‏ أنّ النواهی المتعلّقة بذوات المعاملات وأجزائها وشرائطها والنواهی‏‎ ‎‏المتعلّقة بذوات العبادات وأجزائها وشرائطها کلّها محمولة علی الإرشاد.‏

الثانی :‏ أنّ ما توهّمه القوم من تعلّق النهی تارة: بذات العبادة، واُخریٰ:‏‎ ‎‏بخصوصیّاتها، لایرجع إلیٰ محصّل.‏

الثالث :‏ أنّ الأوامر مثلها فی أنّها إرشاد إلی الجزئیّة والشرطیّة، سواء تعلّق‏‎ ‎‏بذوات المعاملة، أو خصوصیّاتها. نعم، إذا تعلّق بذوات العبادات کالصلاة ونحوها‏‎ ‎‏یکون نفسیّاً مولویّاً غیر إرشادیّ وأمّا بالنسبة إلی الخصوصیّات فهی أیضاً إرشادیّة‏‎ ‎‏حسب البناءات العقلائیّة وبناء الفقهاء قدیماً وحدیثاً.‏

الرابع :‏ أنّ منشأ ذلک لیس احتمال الوضع الآخر لصیغة النهی تعییناً أو تعیّناً،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 306
‏ولا احتمال کون الجملة والمرکّب ذات وضع علیٰ حِدة تعییناً أو تعیّناً، ولا احتمال‏‎ ‎‏کون الشرع مخصوصاً بذلک دون العرف؛ فیکون فی الشرع قرینة خاصّة به، بل هذا‏‎ ‎‏الحمل عامّ ومشترک فیه الشرع والعرف، والمنشأ أمر واحد اُشیر إلیه‏‎[1]‎‏، مع‏‎ ‎‏اختصاص المعاملات بجهة اُخریٰ: وهی أنّ مبنی المعاملات علی السبب والمسبّب،‏‎ ‎‏وما کان أمره ذلک یکون علّة لصرف الهیئات إلیٰ إسقاط سببیّة السبب عن التأثیر،‏‎ ‎‏أو عن الموضوعیّة لحکم العقلاء بالنقل والانتقال.‏

الخامس :‏ لافرق بین أن یتعلّق النهی بالسبب بما هو سبب، أو المسبّب‏‎ ‎‏العقلائیّ؛ وهو الحکم بالنقل والانتقال، أو مسبّب المسبّب الذی هو حکم العقلاء‏‎ ‎‏والشرع بجواز التصرّف فیما ملکه بالسبب المزبور، أو التسبّب، کالتوصّل إلی الظهار‏‎ ‎‏لإحداث الفراق، أو التسبّب بالسبب العقلائیّ لأجل حلّیة التصرّف فیما یملکه‏‎ ‎‏حسب بناء العقلاء.‏

مثلاً تارة :‏ یتعلّق النهی بالعقد الربویّ بما أنّه سبب النقل والانتقال.‏

واُخریٰ :‏ یتعلّق بالحکم المتأخّر عنه، وهو الحکم بحصول النقل والانتقال.‏‎ ‎‏وکیفیّة تعلّقه به یحتاج إلیٰ مؤونة، کما هو المعلوم.‏

وثالثة :‏ یتعلّق بالتصرّف فیما انتقل إلیه بالربا.‏

ورابعة :‏ یتعلّق بالتوصّل إلی الربا لحلّیة الزیادة وتملّکها.‏

وخامسة :‏ یتعلّق بالتوصّل إلیٰ حکم العقلاء بالنقل والانتقال بإیجاد سببه؛‏‎ ‎‏وهو البیع الإنشائیّ، أو موضوع الحکم العقلائیّ.‏

‏فإنّه فی الکلّ بما أنّه یرجع إلی المعاملة بجهة من الجهات، یکون ظاهراً فی‏‎ ‎‏الإرشاد إلیٰ قطع السببیّة شرعاً؛ وإن کان سبباً فی محیط العقلاء والعرف.‏

‏وهناک نهی یتعلّق بذات السبب؛ وهو التلفّظ بألفاظ الإیجاب والقبول، فإنّه لا‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 307
‏منع من حمله علی التکلیفیّ والتحریمیّ المولویّ؛ لأنّه فی الحقیقة خارج عن حدود‏‎ ‎‏المعاملة، ویکون مثل النهی المتعلّق بالکذب والسبّ.‏

‏ونهی آخر یتعلّق بالتصرّف فیما انتقل إلیه من غیر النظر إلی المعاملة مثلاً،‏‎ ‎‏کما ربّما یقال: إنّ ما قومر علیه مورد النهی من غیر النظر إلی المعاملة، بل یکون‏‎ ‎‏عنوان «ما قومر علیه» مشیراً إلی ما فی الخارج ، ویکون فی موقف تحریمه‏‎ ‎‏کتحریم الخمر، فإنّه أیضاً غیر محمول علی الإرشاد، وغیر متعلّق بالمعاملة،‏‎ ‎‏فلایکون تخصیصاً فی الأصل الثانویّ کما هو الظاهر.‏

السادس :‏ ومن هنا تبیّن أنّ التقسیم الثنائیّ المحکیّ عن الشیخ‏‎[2]‎‏، والثلاثیَّ‏‎ ‎‏الموجود فی «الکفایة»‏‎[3]‎‏ غیر محصور، بل ازدادت الأقسام والتصوّرات إلی‏‎ ‎‏الخمسة فی اعتبار، وإلی السبعة فی اعتبار آخر کما عرفت.‏

السابع :‏ قد تبیّن أنّ المنع المبرز من ناحیة الشرع فی هذه المواقف، محمول‏‎ ‎‏علی المنع الوضعیّ، من غیر فرق بین أن یقال: «لاتبع غرریّاً» أو یقال: «أنهاکم عن‏‎ ‎‏البیع الغرریّ» أو یقال: «اُحرّم علیکم البیع الغرریّ» أو یقال بصیغة الماضی وغیرها؛‏‎ ‎‏فإنّ وجه حمل الصیغة علی الإرشاد، لیس إلاّ لأجل اقتضاء الموضوع.‏

‏وعلیه لا فرق بین الأنحاء المذکورة وإن کان فی بعض الصور بعض‏‎ ‎‏المناقشات، کما إذا تعلّق النهی بشکل تحریم التصرّف فیما انتقل إلیه، کما إذا ورد :‏‎ ‎«إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه»‎[4]‎‏ أو یقال: ‏«اُجرة الزانیّة سحت»‎[5]‎‏ و ‏«ثمن‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 308
العذرة‎[6]‎‏ والکلب سحت»‏‎[7]‎‏، فإنّ الظاهر منه هوالتحریم الزائد علیٰ تحریم التصرّف‏‎ ‎‏فیمال الغیر، فیکون هناک تحریم نفسیّ، ولا یکون إرشاداً إلیٰ فساد البیع والإجارة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 309

  • )) تقدّم فی الصفحة 301 ـ 302 .
  • )) مطارح الأنظار : 163 ـ 164، نهایة الاُصول : 285 .
  • )) کفایة الاُصول : 225 ـ 226 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 81 .
  • )) «أجر الزانیة سحت» ، الفقیه 3: 105 / 435، وسائل الشیعة 17: 94 کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 5، الحدیث 8 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 303 .
  • )) الکافی 5: 120 / 4، وسائل الشیعة 17: 94 کتاب التجارة، أبواب مایکتسب به، الباب 5، الحدیث 7 و 8 ، و118 الباب 14 ، الحدیث 2 .