المقصد الثالث فی النواهی

ثالثها : فی أنّ الصحّة والفساد من الاُمور الواقعیّة لا الإضافیّة

ثالثها : فی أنّ الصحّة والفساد من الاُمور الواقعیّة لا الإضافیّة

‏ ‏

قد اشتهر:‏ «أنّ الصحّة والفساد من الأوصاف الإضافیّة‏‎[1]‎‏، ولیس المراد من‏‎ ‎‏«الإضافة» أنّهما من المفاهیم المتضایفة، ولا من مقولة الإضافة، بل المراد أنّهما من‏‎ ‎‏الأوصاف النسبیّة واللحاظیّة فی قبال الأوصاف الواقعیّة».‏

مثال الأوّل :‏ وصف التقدّم والتأخّر، فإنّ الواحد یوصف بهما بلحاظ الأمرین‏‎ ‎‏الخارجین عنه، فیکون مقدّماً ومؤخّراً.‏

ومثال الثانی :‏ وصف البیاض والسواد، فإنّهما وصفان للجسم علی الإطلاق‏‎ ‎‏والواقعیّة.‏

‏فهل الصحّة والفساد من قبیل الأوّل أم الثانی؟ فیه خلاف، ظاهر الأکثر‏‎[2]‎‎ ‎‏وهو صریح «الکفایة»‏‎[3]‎‏ والسیّد الاُستاذ ‏‏رحمه الله‏‎[4]‎‏ کون الشیء الواحد صحیحاً بلحاظ،‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 318
‏وفاسد بلحاظ آخر.‏

‏وربّما یتوجّه إلیهما: أنّ مفهوم الصحّة والفساد لو کانا إضافیّین، للزم ذلک فی‏‎ ‎‏اتصاف الطبائع الخارجیّة، مع أنّ الوجدان حاکم بأنّ البطّیخ لایوصف باعتبار‏‎ ‎‏ولحاظ بالصحّة، وفی اعتبار آخر ولحاظ آخر بالفساد، فإنّ البطّیخ بحسب الواقع‏‎ ‎‏إمّا فاسد، أو صحیح، فلابدّ وأن یکون الأمر کذلک فی مثل الصلاة وغیرها، فإنّ‏‎ ‎‏الصلاة إمّا صحیحة، أو فاسدة.‏

‏وأمّا إذا قلنا: «الصلاة صحیحة من حیث الأجزاء والشرائط، وفاسدة من‏‎ ‎‏حیث اشتمالها علی المانع مثلاً» فهو لیس من التوصیف الواقعیّ للصلاة الخارجیّة‏‎ ‎‏بالحمل الشائع. فلیسا هما من قبیل التقدّم والتأخّر، فإنّهما یحملان علی الحقیقة‏‎ ‎‏علی الصنف الثانی، ویکون موضوع التقدّم عین موضوع التأخّر.‏

‏نعم، یمکن إرجاع هذا التوصیف إلی الصحّة التأهّلیة التی هی فی الحقیقة‏‎ ‎‏لیست إلاّ حکماً مشروطاً من جهة، وصحّةً واقعیّة من جهة اُخریٰ؛ وإن کانت قابلة‏‎ ‎‏للزوال لأجل طروّ الفساد، کما فی الرکعة الاُولیٰ بالنسبة إلی الثانیة.‏

‏ثمّ إنّ العلاّمة الاُستاذ ‏‏قدس سره‏‏ استدلّ لإضافیّتهما: «بأنّ الحرکة الخارجیّة الصلاتیّة‏‎ ‎‏الواقعة فی المغصوب، حرکة صحیحة إذا لاحظناها بعنوانها الذاتیّ الطبیعیّ، وتلک‏‎ ‎‏الحرکة ـ لأجل توقّع انطباق عنوان «الصلاة» علیها ولأجل کونها صلاة فاسدة ـ‏‎ ‎‏توصف بالفساد»‏‎[5]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّه فی الأوصاف الإضافیّة کما فی المثال المزبور، لابدّ وأن یکون‏‎ ‎‏الموضوع واحداً، ویحمل الوصف علیه حملاً حقیقیّاً لا مجازیّاً، فکما یصحّ أن یقال:‏‎ ‎‏«هذا الصنف الثانی متقدّم ومتأخّر بالقیاس إلی الصنف الأوّل والثالث» کذلک لابدّ‏‎ ‎‏وأن یصح أن یقال: «هذه الحرکة الخارجیّة صحیحة وفاسدة» مع أنّ الفساد یطرأ‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 319
‏علیها لأجل اعتبار آخر؛ وهو تلوّنها بالصلاة، ولمکان ذلک یقال: «هی فاسدة»‏‎ ‎‏وماهو الفاسد فی الحقیقة هی الصلاة المتّحدة مع تلک الحرکة، فلاینبغی الخلط.‏

فتبیّن :‏ أنّ ما اشتهر «من أنّهما من الأوصاف الإضافیّة» فی غیر محلّه، بل‏‎ ‎‏هما من الأوصاف المطلقة الواقعیّة الثابتة کالبیاض والسواد.‏

‏نعم، ربّما یمکن أن یوصف الواحد لأجل اشتماله علی الجهات الکثیرة‏‎ ‎‏بالصحّة والفساد، علیٰ أن یکون موضوع الصحّة فی الحقیقة غیر موضوع الفساد،‏‎ ‎‏مثلاً یوصف الإنسان بالصحّة؛ لأجل صحّة المزاج، ویوصف بالفساد؛ لأجل فساد‏‎ ‎‏الأخلاق، إلاّ أنّ الموضوع متعدّد کما تریٰ، فلیتدبّر جیّداً.‏

‏وممّا ذکرناه یظهر: أنّ الصحّة والفساد بالنسبة إلی حالات المکلّفین لیسا من‏‎ ‎‏الصحّة والفساد الإضافیّین‏‎[6]‎‏؛ وذلک لأنّ الطبیعة المتقدّرة مختلفة الأجزاء‏‎ ‎‏والشرائط؛ حسب اختلاف تلک الحالات، وهذا لایوجب کونهما وصفین إضافیّین‏‎ ‎‏کما تریٰ. وهذا أیضاً من ثمرات البحث الذی حرّرناه أوّلاً‏‎[7]‎‏.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 320

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 60، نهایة الأفکار 1: 74، نهایة الاُصول: 281 .
  • )) تقریرات المجدّد الشیرازی 3 : 71، فوائد الاُصول تقریرات المحقّق النائینی الکاظمی 1: 60 ـ 61، نهایة الأفکار 1 : 74 .
  • )) کفایة الاُصول : 220 .
  • )) نهایة الاُصول : 281 .
  • )) نهایة الاُصول : 281 .
  • )) لاحظ مناهج الوصول 2 : 154، محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 136 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 303 ـ 305 و 313 .