سابعها : حول اندراج المعاملات فی محطّ النزاع
بناءً علیٰ کون مناط الاندراج فی محطّ النزاع؛ إمکان اتصاف المعنیٰ بالصحّة والفساد، یشکل الأمر فی المعاملات ؛ وذلک لأنّه فی مثل العبادات التی یتعلّق الأمر بها، یکون المطلوب نفس الطبیعة، وهذه الطبیعة لمکان کونها ذات مراتب اعتباریّة تشکیکیّة، توصف بالصحّة والفساد، فإذا وجدت الصلاة خارجاً ، وکانت هی الصلاة المتقدّرة فی النشأة الذهنیّة، ینتزع منها مفهوم الصحّة، وإلاّ فینتزع منها مفهوم الفساد.
وأمّا المعاملات، فهی من قبیل الأسباب والمسبّبات، أو تکون من قبیل الموضوعات لأحکام عقلائیّة التی هی المقصود بالذات والمنظور فیها، وعندئذٍ لا معنیٰ لاتصافها بالصحّة والفساد؛ ضرورة أنّ أمر المسبّب دائر بین التحقّق واللاتحقّق، ولیس ذا مراتب تشکیکیّة فی الاعتبار.
وأمّا أسباب الإنشاء فهی مثله؛ لأنّ جمیع القیود العرفیّة والعقلائیّة، من قبیل المقوّمات الدخیلة فی حقیقة التسمیّة؛ بحیث لایصدق علی الناقص القاصر وعلی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 324
السبب المختلّ عنوان «البیع» و «الإجارة».
وإن شئت قلت : العرف فی هذه الموضوعات الخاصّة أخصّی، ولا یتصوّر الأعمیّة فیما کان شأنه ذلک.
وأمّا توهّم اتصافه بالصحّة والفساد شرعاً، ویکون المراد من «الفساد» فی العنوان أعمّ من الفساد العرفیّ، فقد مرّ ما یتعلّق به، وذکرنا هناک: أنّ الظاهر من الشرع لیس إلاّ المنع عن ترتیب الآثار علیٰ ماهو الموضوع للأثر عرفاً، من غیر دخالة فی ماهیّة المعاملة أو لزوم دخالته.
وتوهّم : أنّ نفی ترتّب الأثر لیس إلاّ لأجل اعتبار قید فی المعاملة ثبوتاً الذی هو المفقود فی المعاملة العرفیّة فی محلّه، إلاّ أنّه لایستلزم التصرّف فی مفهوم الصحّة والفساد، کما لایخفیٰ.
ومن هنا یظهر: أنّ ماتوهّموه حلاًّ لهذه المعضلة «من أنّ المناط فی توصیفها بالصحّة والفساد، ترتّب الأثر علی السبب وعدم ترتّبه، فإنّ السبب إذا کان موجوداً بتمام هویّته ینتزع منه الصحّة، وإلاّ فینتزع منه الفساد»، غیر وجیه وخالٍ عن التحصیل؛ ضرورة أنّ الشرائط العرفیّة تکون من الأرکان المقوّمة للعناوین والماهیّات، ولو اُطلق أحیاناً فی مورد فهو من قبیل المجازات الشائعة والتوسّعات المتعارفة، فلایکون للسبب وجود تامّ وناقص، بل السبب أیضاً أمره دائر بین الوجود والعدم.
ومن المحتمل قویّاً استناد الشهرة إلیٰ هذه الشبهة فی ذهابهم إلیٰ أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للأخصّ، ولتلک النکتة وهذا السرّ ذهبوا إلیٰ أنّ الإجازة فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 325
الفضولیّ کاشفة؛ لأنّ البیع الواقع من الفضولیّ لایتردّد بین الوجودین: الإنشائیّ، والفعلیّ، حتّیٰ یقال: بأنّ الإجازة ناقلة، ویصیر بها فعلیّاً، بل البیع إمّا یوجد بالحمل الشائع ویؤثّر، أو لایکون قابلاً للحوق الإجازة، وحیث إنّ الشرع والعرف علیٰ صحّة الفضولیّ فیعلم: أنّ حقیقة البیع وتمام ماهیّته تحصل بعمل الفضولیّ، وتکون الإجازة کاشفة.
أقول : تنحلّ هذه المعضلة علیٰ مسلکنا فی المسألة؛ وذلک لما عرفت من أنّ الکلام لیس حول الصحّة والفساد، وأنّ ما اشتهر: «من أنّ مناط الاندراج فی محطّ النزاع إمکان الاتصاف بالصحّة والفساد» ممّا لا أصل له، بل المناط إمکان استتباع النهی لجهة وضعیّة زائداً علیٰ جهة تکلیفیّة، فإنّه إذا أمکن ذلک ثبوتاً، کان للبحث عن دلالة النهی علیٰ تلک الجهة أو اقتضائه وجه، وإلاّ فلا.
وفیما نحن فیه یکون الأمر کذلک؛ ضرورة أنّ النهی المتعلّق بالمعاملة یمکن أن یستتبع جهة وضعیّة؛ وهو أنّ المنهیّ لیس قابلاً لأن یتوصّل به إلی السبب المقصود، ویکون ساقطاً عن تلک القابلیّة، سواء کان ذلک بسقوط صفة القابلیّة، أو بعدم تحقّقه رأساً.
هذا، ویمکن أن یقال: بأنّ تقابل الصحّة والفساد کما عرفت، لیس من العدم والملکة الحقیقیّین؛ حتّیٰ یلزم من إمکان الاتصاف بالصحّة إمکان الاتصاف بالفساد، بل یمکن أن یوصف شیء بالصحّة عند الوجود، ولایوصف بالفساد؛ لانتفاء الموضوع وانعدامه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 326
إذا تبیّن ذلک، فلتکن علیٰ خبر من أمر آخر: وهو أنّ المقصود بالبحث لیس دلالة النهی علی الفساد، أو اقتضاءه ذلک، أو استتباعه لمفهوم الفاسد، بل المقصود بالبحث هو أنّ النهی إذا تعلّق مثلاً بعنوان «المعاملة» هل یورث أن لاینتزع من المنهیّ عنوان «الصحّة» أم لا؟ فإن اجتمع بین النهی وانتزاع عنوان «الصحّة» فیعلم أنّه لایستلزم جهة وضعیّة، وإلاّ فیعلم منه استتباعه لجهة وضعیّة؛ سواء کان تلک الجهة عنوان «الفساد» أو أمراً أسوأ حالاً منه؛ وهو «الانتفاء والانعدام».
فإذن یعلم إمکان اندراج المعاملات فی مصبّ الخلاف فی المقام؛ فإنّه إذا تعلّق النهی ببیع الربا إمّا ینتزع منه الصحّة بعدما تعلّق، فیکون النهی غیر دالّ علیٰ شیء، وإمّا لاینتزع منه العنوان المزبور، فیکون مستتبعاً طبعاً لأمر وضعیّ؛ وهو قصور المعاملة عن إمکان التسبّب به، فلیتأمّل جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 327