المقصد الثالث فی النواهی

البحث الثالث : فی النهی التحریمیّ والمعاملات المحرّمة والمکاسب الممنوعة

البحث الثالث : فی النهی التحریمیّ والمعاملات المحرّمة

‏ ‏

والمکاسب الممنوعة

‏ ‏

‏فهل هو یستتبع مطلقاً‏‎[1]‎‏، أو لا یستتبع شیئاً‏‎[2]‎‏، أم یفصّل بحسب موارد تعلّقه؛‏‎ ‎‏فإن تعلّق بذات السبب أو بعنوان السبب فلایقتضی، وإن تعلّق بالمسبّب أو بالآثار‏‎ ‎‏أو بالتسبّب فیستتبع‏‎[3]‎‏، أم یختصّ الاستتباع بصورة واحدة؛ وهی ما إذا تعلّق بالآثار‏‎ ‎‏والخواصّ، دون غیرها‏‎[4]‎‏؟‏

‏وجوه بل أقوال.‏

‏وحیث إنّ الأقوال مختلفة، والاحتمالات کثیرة، فالبحث یقع فی مقامین :‏

المقام الأوّل :‏ فی مرحلة الثبوت؛ وهو ما إذا کان المفروض کون أحد‏‎ ‎‏العناوین المزبورة مورد النهی، فإنّه علیه هل یلزم فساد وحکم وضعیّ، أم لا؟‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 363
والمقام الثانی :‏ فی مرحلة الإثبات؛ وأنّه إذا تعلّق نهی تحریمیّ بمعاملة،‏‎ ‎‏فهل الظاهر تعلّقه بذات السبب، أو بعنوانه، أم بسائر الوجوه والعناوین الاُخر؟‏

‏وقبل الخوض فیها لابدّ من الإشارة إلی نکتة: وهی أنّ المنسوب إلی الشیخ‏‎ ‎‏الأنصاریّ ‏‏قدس سره‏‏ تقسیم النهی التحریمیّ المتعلّق بالعبادة إلیٰ ثلاثة:‏

‏أن یتعلّق النهی بالمعاملة بما هی فعل مباشریّ، کالنهی المتعلّق بالبیع‏‎ ‎‏وقت النداء.‏

‏وأن یتعلّق بها بما هو فعل تسبیبیّ، کالنهی المتعلّق ببیع المصحف والعبد‏‎ ‎‏المسلم من الکافر، فإنّ المبغوض هی مالکیّة الکافر لهما.‏

‏وأن یتعلّق بالأثر، کالنهی عن أکل ثمن الکلب والعَذِرة‏‎[5]‎‏.‏

‏وزاد فی «الکفایة» قسماً آخر: وهو أن یتعلّق بالتسبّب‏‎[6]‎‏، کالنهی عن‏‎ ‎‏التسبّب بالظهار لحدوث الفراق وحصول الطلاق.‏

أقول أوّلاً :‏ قد مرّ منّا أنّ الأقسام أکثر من ذلک‏‎[7]‎‏؛ لأنّ من الممکن أن یتعلّق‏‎ ‎‏النهی بذات السبب، ویکون المحرّم نفس التکلّم بالألفاظ الموضوعة للإنشاء‏‎ ‎‏المعاملیّ. اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّه خارج عن النهی فی المعاملات.‏

‏ومن الممکن أن یتعلّق النهی بالتسبّب ؛ أی أن یکون المنهیّ التسبّب بالسبب‏‎ ‎‏إلیٰ حصول المعنی الإنشائیّ المسبّبی.‏

‏کما یمکن أن یتعلّق بالتسبّب بالمعنی الإنشائیّ إلیٰ حصول الأثر والملکیّـة‏‎ ‎‏والنقل والانتقال؛ ضرورة أنّ الملکیّة إمّا معلولة المعنی الإنشائیّ، أو تکون من‏‎ ‎‏أحکامه العقلائیّة، فیکون ذلک المعنی الإنشائیّ موضوعاً لها، فیتعلّق النهی بالتوصّل‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 364
‏بالموضوع المزبور لترتّب الحکم المذکور.‏

وأیضاً :‏ کما یمکن أن یتعلّق النهی بالتصرّف فی الثمن، کذلک یمکن أن یتعلّق‏‎ ‎‏النهی بالتوصّل بالملکیة لأجل ترتّب جواز التصرّف؛ ضرورة أنّ جواز التصرّف فی‏‎ ‎‏الملک من آثار الملکیّة التی هی من آثار المنشأ الذی هو من آثار الآلات المتوصّل‏‎ ‎‏بها إلی الإنشاء.‏

وثانیاً :‏ کون البیع وقت النداء مثالاً للنهی التحریمیّ‏‎[8]‎‏ ممنوع إثباتاً؛ لقوّة‏‎ ‎‏احتمال کونه مترشّحاً عن الأمر المتعلّق بصلاة الجمعة. فعلیٰ هذا تحریم البیع شرعاً‏‎ ‎‏غیر قطعیّ، کما یظهر من الاُستاذ السیّد البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‎[9]‎‏. ولو کان ممنوعاً فما هو‏‎ ‎‏المحرّم هو الاشتغال بالأضداد، ولایختصّ ذلک بالبیع، فلایکون من النهی التحریمیّ‏‎ ‎‏المتعلّق بالعبادة.‏

‏ومن الممکن دعویٰ: أنّ المستفاد من الکتاب لزوم ترک البیع وطرده‏‎[10]‎‏،‏‎ ‎‏فیکون طرده واجباً، وهذا لیس من النهی. ولو کان من النهی فهو قسم آخر بوجه،‏‎ ‎‏کالأمر بترک الصلاة أیّام الإقراء‏‎[11]‎‏ الراجع إلی النهی عنها حقیقة.‏

وثالثاً :‏ إنّ المبغوض مثلاً فی مسألة مالکیّة الکافر للمصحف والمسلم وإن لم‏‎ ‎‏یکن إنشاء الملکیّة وإنشاء المبادلة والاشتغال بالإنشاء، ولکن أیضاً لیس حصول‏‎ ‎‏الملکیّة، بل المبغوض دوام الملکیّة، فإنّه ینافی نفی السبیل المذکور فی الکتاب‏‎[12]‎‏،‏‎ ‎‏فلو أنشأ المبادلة، وحصلت الملکیّة آناً ما وانتفت فوراً، فلاسبیل، وتصیر النتیجة أنّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 365
‏الثمن یدخل فی کیس البایع، والمثمن یصیر حرّاً غیر مملوک، ومالاً بلا مالک بحکم‏‎ ‎‏الشرع، وهذا هو الأوفق بالاعتبار ممّا ذکره الأصحاب فی هذه المسألة.‏

‏إذا تبیّن وجه لزوم البحث فی المقامین وهذه المقدّمة النافعة، فلنشرع فی‏‎ ‎‏حقیقة البحث.‏

فنقول :

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 366

  • )) نهایة الاُصول : 288 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 159، الفصول الغرویّة: 140 / السطر 30، درر الفوائد، المحقّق الحائری: 189، محاضرات فی اُصول الفقه 5 : 31 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 471 ـ 473، منتهی الاُصول 1: 419 ـ 420 .
  • )) کفایة الاُصول : 225 ـ 226، نهایة الأفکار 2 : 459، تهذیب الاُصول 1 : 416 ـ 418.
  • )) مطارح الأنظار : 163 / السطر 25، نهایة الاُصول : 285 .
  • )) کفایة الاُصول : 226 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 300 ـ 301 و 307 ـ 308 .
  • )) مطارح الأنظار : 163 / السطر 26 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 471 .
  • )) نهایة الاُصول : 286 .
  • )) الجمعة (62) : 9 .
  • )) لاحظ وسائل الشیعة 2 : 287، کتاب الطهارة، أبواب الحیض، الباب7، الحدیث2.
  • )) النساء (4) : 141 .