الأمرالثالث
حول عدم دلالة مادّة الأمر علی الطلب
بناءً علیٰ کون مادّة الأمر دالّة علی الطلب، فهل هی لمطلق الطلب ـ کما اختاره العلاّمة الأراکیّ وبعض آخر ـ بالوضع، وإن کانت مفیدة للوجوب فیما إذا کان لها الإطلاق؟
أو للطلب الإلزامیّ، کما علیه الوالد المحقّق ـ مدّظلّه معلّلاً بالتبادر، وقائلاً: «إنّ المقام لیس موقف التمسّک بالإطلاق، بل مورده صیغة الأمر، لا مادّته»؟
أو لا هذا ولا ذاک، کما هو مختارنا؟ ضرورة أنّ مادّة الأمر، لاتحکی إلاّ عن الموضوع له، وما هو الموضوع له الهیئات المستعملة فی معانیها، وتکون هی بنفسها فارغة عن الوجوب والندب.
مثلاً : قوله تعالیٰ: «فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» لیس فیه إنشاء
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 17
طلب، حتّیٰ یقال: هو الطلب الوجوبیّ، أو الاستحبابیّ، بل هذه إفادة حاکیة عن صیغ الأمر؛ وأنّه من هذه الآیة یعلم کونها موضوعة للوجوب.
وهکذا قوله تعالیٰ: «إذْ أمَرْتُکَ» فإنّه ناظر إلیٰ ما أمره به بقوله: «اسْجُدُوا لاِدَمَ».
وکذا قوله تعالیٰ: «یَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله ُ بِهِ أنْ یُوصَلَ» فإنّه أیضاً لیس إلاّ دالاًّ علیٰ أنّ الوصل واجب، ومورد الأمر بالصیغة. هکذا حرّرنا فی «التفسیر الکبیر».
إلی غیر ذلک ممّا استشهد به فی المقام فإنَّ کلَّ ذلک أجنبی عن المسألة.
نعم، یصحّ الاستدلال بها فی المسألة الآتیة فی صیغ الأمر؛ وأنّها موضوعة للوجوب أم لا.
فبالجملة : کون مادّة الأمر موضوعة للطلب، معناه: أنّه یمکن إنشاء الطلب بها، مع أنّ الإنشاء من المعانی الحرفیّة والإیجادیّة التی تکون من خواصّ الهیئات نوعاً، دون الموادّ، فتلک المادّة أجنبیّة فی أصل وضعها عن کونها للطلب، فضلاً عن کونها للإنشاء، وفضلاً عن البحث عن أنّها لمطلق الطلب، أو الطلب الإلزامیّ.
نعم، قد یتمکّن المستعمل من إنشاء الطلب بها، کما فی قولک: «آمرک أن تعید صلاتک» فإنّ هیئة «آمر» لیست مستعملة فی المعنی الاستقبالیّ، بل هی مفیدة المعنی الآخر، فهل تستعمل هی فی الإنشاء، أم هی استعملت فی المعنی الآخر؟
ثمّ إنّ مادّة الأمر، کیف یمکن استعمالها فی المعنی الطلبیّ والإنشائیّ، مع أنّه
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 18
لایمکن إلاّ مجازاً؛ ضرورة أنّ تلک المادّة، وضعت للهیئات وللصیغ المستعملة فی الإنشاء والطلب، فمفادها هی الإرادة المظهرة والطلب المظهر بغیرها، فکیف یصحّ استعمالها فی المعنی الإیجادیّ، وکیف یعقل إیجاد شیء بها؟
فهنا إشکالان :
أحدهما : مخصوص بهیئة «آمر» المستعملة فی غیر المعنی الموضوع له.
ثانیهما : مخصوص بمادّة «الأمر» المستعملة فی الإنشاء، مع أنّها موضوعة للحکایة عن الهیئات المستعملة بمالها من المعانی، کما مرّ تفصیله.
أمّا الإشکال فی الجهة الاُولیٰ، فمندفع: بأنّ هیئة المضارع ـ علیٰ ما مرّ ـ لاتدلّ علی الحکایة عن المستقبل، بل هی موضوعة للأعمّ.
وأمّا الجهة الثانیة، فیندفع : «بأنّ هذه المادّة اُقیمت مقام هیئة الأمر؛ لمناسبة مقتضیة، وکأنّه إذا قیل: «آمرک بکذا» أی «أقول لک افعل کذلک» فیحصل المعنی الإنشائیّ بهذه المادّة فی خصوص هذه الأمثلة تجریداً، أو غیر ذلک ممّا یمکن توهّمه. فالبحث الذی عنونه الأصحاب فی المقام حول مادّة الأمر ساقط، والاستشهادات التی ذکروها أجنبیّة، کما عرفت.
وأمّا أنّ مفاد هذا الإنشاء الحاصل بتوسّط تلک المادّة، هو مطلق الطلب، أو الطلب الإلزامیّ، فهو أیضاً غیر صحیح؛ لأنّ تلک المادّة اُقیمت مقام الهیئة؛ أی کأنّها معنی اسمیّ اُقیم مقام المعانی الحرفیّة کما هو الرائج، فإن کانت الهیئة مفیدة الوجوب أو الندب أو غیر ذلک، فهی مثلها من غیر زیادة ونقیصة، وإن کانت تفید ذلک بمقدّمات الحکمة، فهی أیضاً کذلک، فما تریٰ من منع جریان مقدّمات الحکمة فی مثلها، فی غیر محلّه، فافهم واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 19
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 20