المقصد الثانی فی الأوامر

الأمر الثالث : عدم دلالة مادّة الأمر علی الطلب

الأمرالثالث 

حول عدم دلالة مادّة الأمر علی الطلب

‏ ‏

‏بناءً علیٰ کون مادّة الأمر دالّة علی الطلب، فهل هی لمطلق الطلب ـ کما‏‎ ‎‏اختاره العلاّمة الأراکیّ وبعض آخر‏‎[1]‎‏ ـ بالوضع، وإن کانت مفیدة للوجوب فیما إذا‏‎ ‎‏کان لها الإطلاق؟‏

‏أو للطلب الإلزامیّ، کما علیه الوالد المحقّق ـ مدّظلّه معلّلاً بالتبادر، وقائلاً:‏‎ ‎‏«إنّ المقام لیس موقف التمسّک بالإطلاق، بل مورده صیغة الأمر، لا مادّته»؟‏‎[2]‎

‏أو لا هذا ولا ذاک، کما هو مختارنا؟ ضرورة أنّ مادّة الأمر، لاتحکی إلاّ عن‏‎ ‎‏الموضوع له، وما هو الموضوع له الهیئات المستعملة فی معانیها، وتکون هی بنفسها‏‎ ‎‏فارغة عن الوجوب والندب.‏

مثلاً :‏ قوله تعالیٰ: ‏‏«‏فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ‏»‏‎[3]‎‏ لیس فیه إنشاء‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 17
‏طلب، حتّیٰ یقال: هو الطلب الوجوبیّ، أو الاستحبابیّ، بل هذه إفادة حاکیة عن‏‎ ‎‏صیغ الأمر؛ وأنّه من هذه الآیة یعلم کونها موضوعة للوجوب.‏

‏وهکذا قوله تعالیٰ: ‏‏«‏إذْ أمَرْتُکَ‏»‏‎[4]‎‏ فإنّه ناظر إلیٰ ما أمره به بقوله:‏‎ ‎‏«‏اسْجُدُوا لاِدَمَ‏»‏‎[5]‎‏.‏

‏وکذا قوله تعالیٰ: ‏‏«‏یَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله ُ بِهِ أنْ یُوصَلَ‏»‏‎[6]‎‏ فإنّه أیضاً لیس‏‎ ‎‏إلاّ دالاًّ علیٰ أنّ الوصل واجب، ومورد الأمر بالصیغة. هکذا حرّرنا فی «التفسیر‏‎ ‎‏الکبیر»‏‎[7]‎‏.‏

‏إلی غیر ذلک ممّا استشهد به فی المقام فإنَّ کلَّ ذلک أجنبی عن المسألة.‏

‏نعم، یصحّ الاستدلال بها فی المسألة الآتیة‏‎[8]‎‏ فی صیغ الأمر؛ وأنّها موضوعة‏‎ ‎‏للوجوب أم لا.‏

فبالجملة :‏ کون مادّة الأمر موضوعة للطلب، معناه: أنّه یمکن إنشاء الطلب‏‎ ‎‏بها، مع أنّ الإنشاء من المعانی الحرفیّة والإیجادیّة التی تکون من خواصّ الهیئات‏‎ ‎‏نوعاً، دون الموادّ، فتلک المادّة أجنبیّة فی أصل وضعها عن کونها للطلب، فضلاً عن‏‎ ‎‏کونها للإنشاء، وفضلاً عن البحث عن أنّها لمطلق الطلب، أو الطلب الإلزامیّ.‏

‏نعم، قد یتمکّن المستعمل من إنشاء الطلب بها، کما فی قولک: «آمرک أن تعید‏‎ ‎‏صلاتک» فإنّ هیئة «آمر» لیست مستعملة فی المعنی الاستقبالیّ، بل هی مفیدة‏‎ ‎‏المعنی الآخر، فهل تستعمل هی فی الإنشاء، أم هی استعملت فی المعنی الآخر؟‏

‏ثمّ إنّ مادّة الأمر، کیف یمکن استعمالها فی المعنی الطلبیّ والإنشائیّ، مع أنّه‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 18
‏لایمکن إلاّ مجازاً؛ ضرورة أنّ تلک المادّة، وضعت للهیئات وللصیغ المستعملة فی‏‎ ‎‏الإنشاء والطلب، فمفادها هی الإرادة المظهرة والطلب المظهر بغیرها، فکیف یصحّ‏‎ ‎‏استعمالها فی المعنی الإیجادیّ، وکیف یعقل إیجاد شیء بها؟‏

‏فهنا إشکالان :‏

أحدهما :‏ مخصوص بهیئة «آمر» المستعملة فی غیر المعنی الموضوع له.‏

ثانیهما :‏ مخصوص بمادّة «الأمر» المستعملة فی الإنشاء، مع أنّها موضوعة‏‎ ‎‏للحکایة عن الهیئات المستعملة بمالها من المعانی، کما مرّ تفصیله‏‎[9]‎‏.‏

‏أمّا الإشکال فی الجهة الاُولیٰ، فمندفع: بأنّ هیئة المضارع ـ علیٰ ما مرّ ـ‏‎ ‎‏لاتدلّ علی الحکایة عن المستقبل، بل هی موضوعة للأعمّ.‏

‏وأمّا الجهة الثانیة، فیندفع : «بأنّ هذه المادّة اُقیمت مقام هیئة الأمر؛ لمناسبة‏‎ ‎‏مقتضیة، وکأنّه إذا قیل: «آمرک بکذا» أی «أقول لک افعل کذلک» فیحصل المعنی‏‎ ‎‏الإنشائیّ بهذه المادّة فی خصوص هذه الأمثلة تجریداً، أو غیر ذلک ممّا یمکن‏‎ ‎‏توهّمه. فالبحث الذی عنونه الأصحاب فی المقام حول مادّة الأمر ساقط،‏‎ ‎‏والاستشهادات التی ذکروها أجنبیّة، کما عرفت.‏

‏وأمّا أنّ مفاد هذا الإنشاء الحاصل بتوسّط تلک المادّة، هو مطلق الطلب، أو‏‎ ‎‏الطلب الإلزامیّ، فهو أیضاً غیر صحیح؛ لأنّ تلک المادّة اُقیمت مقام الهیئة؛ أی کأنّها‏‎ ‎‏معنی اسمیّ اُقیم مقام المعانی الحرفیّة کما هو الرائج، فإن کانت الهیئة مفیدة‏‎ ‎‏الوجوب أو الندب أو غیر ذلک، فهی مثلها من غیر زیادة ونقیصة، وإن کانت تفید‏‎ ‎‏ذلک بمقدّمات الحکمة، فهی أیضاً کذلک، فما تریٰ من منع جریان مقدّمات الحکمة‏‎ ‎‏فی مثلها‏‎[10]‎‏، فی غیر محلّه، فافهم واغتنم.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 19

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 20

  • )) مقالات الاُصول 1 : 206، منتهی الاُصول 1 : 112 .
  • )) مناهج الوصول 1 : 241 .
  • )) النور (24) : 63 .
  • )) الأعراف (7) : 12 .
  • )) الأعراف (7) : 11 .
  • )) البقرة (2) : 27 .
  • )) تفسیر القرآن الکریم، المؤلف قدس سره (سورة البقرة : 27 ، مسائل اللغة والصرف ، المسألة 14) .
  • )) یأتی فی الصفحة 77 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 8 .
  • )) مناهج الوصول 1 : 242 .