المقصد الثانی فی الأوامر

الرابع : هل الإرادة جزء أخیر من العلّة التامّة؟

الرابع : هل الإرادة جزء أخیر من العلّة التامّة؟

‏ ‏

‏قد اشتهر بین الاُصولیّین : «أنّ الإرادة هی الجزء الأخیر من العلّة التامّة»‏‎[1]‎‏.‏

‏والمشهور فی الکتب العقلیّة: «أنّ من مبادئ الفعل، القوّة المنبثّة فی العضلة‏‎ ‎‏القابلة للانعطاف، وذات استعداد للقبض والبسط، فإنّه کثیراً ما یتّفق أنّ الإنسان یرید‏‎ ‎‏تحریک یده، ولکنّها ـ لنومها، وغلبة الرطوبة علی المراکز المسلّطة علیها النفس‏‎ ‎‏بتوسّط الأرواح البخاریّة مثلاً فی الحیوانات التی لها الدم السیّال ـ تتأبّیٰ عن قبول‏‎ ‎‏الحرکة، وتتعصّیٰ عن الانقیاد، ولا تطیع الأمر الصادر من سلطان النفس ذات القدرة‏‎ ‎‏والملکوت، فلا علّیة للإرادة»‏‎[2]‎‏.‏

والذی هو الحقّ :‏ أنّ القول بأنّها الجزء الأخیر من العلّة التامّة، لاینافی شرطیّة‏‎ ‎‏الإمکان الاستعدادیّ فی الآلة التی تفعل بها؛ لأنّها من قبیل شرطیّة إمکان الماهیّة‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 50
‏فی قبول الإرادة الضروریّة الأزلیّة الإلهیّة؛ وذلک لأنّه فیما کان الشرط المذکور‏‎ ‎‏موجوداً، لیس بین الإرادة وحصول الحرکة، أمر آخر متوسّط یستند إلیه الحرکة‏‎ ‎‏استنادَ الفعل إلی الفاعل، بل الاستناد المزبور من قبیل استناد الفعل إلی القابل، فما‏‎ ‎‏هو المتصوّر والمصدّق به هی الحرکة، وماهو مورد القدرة والإرادة هی الحرکة،‏‎ ‎‏وتلک القوّة شرط تأثیر الإرادة.‏

‏فکون الإرادة الجزء الأخیر من العلّة التامّة أمر، وکونها مستتبعة للمراد مطلقاً‏‎ ‎‏أمر آخر، وماهو المصدّق هو الأوّل، دون الثانی، وبذلک یجمع مابین المشهورین عن‏‎ ‎‏الفریقین ‏‏«‏وَالصُّلْحُ خَیْرٌ‏»‏‎[3]‎‏.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ مادام الإنسان لم یتحقّق منه إرادة الفعل، یکون مختاراً فی‏‎ ‎‏الفعل والترک، فبمجرّد العلم والقدرة، لا یخرج الفعل عن الإمکان إلی الوجوب،‏‎ ‎‏ولا یکون الأمر خارجاً عن اختیاره، وهکذا فی إیجاد الإرادة، کما اُشیر إلیه،‏‎ ‎‏ویأتی فی التنبیه الآتی، ولکنّه بعد إیجادها لایتمکّن من التخلّف عن المراد، وإن‏‎ ‎‏یمکن أن لا یتحقّق المراد فی المحیط الذی أراد تحقّقه؛ لما عرفت من الشرط‏‎ ‎‏الآخر فی تحقّق الفعل.‏

‏فلایمکن نفی کون الإرادة الجزء الأخیر من العلّة التامّة؛ لأنّ العلّیة التامّة التی‏‎ ‎‏یتقیدها النفس وفی تحت قدرتها، هی الإرادة وبعض مبادئها أحیاناً، وماهو شرط‏‎ ‎‏التحقّق خارج عن القدرة والاختیار.‏

‏کما لا یمکن دعویٰ : أن الفعل یتحقّق بالإرادة ؛ لإمکان التفکیک ، فإنّه‏‎ ‎‏عند العلم بالقدرة علیٰ تحریک حجر ، تتمشّیٰ إرادة ذلک ، ولا تتحقّق الحرکة ؛‏‎ ‎‏لثقلة ، فلاتخلط.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 51
‏ثمّ إنّ علّیة الإرادة وجزئیّتها للعلّة التامّة، تابعة لکیفیّة تعلّقها بالمراد، وهذا‏‎ ‎‏لاینافی ما ذکرناه، وعلیه بناء الواجب المعلّق فی الاُصول. وبه یندفع الإشکال‏‎ ‎‏المعروف فی المعقول: «من أنّ إرادة الربّ أزلیّة، فکیف یوجد المراد فیما لایزال؟!»‏‎ ‎‏والتفصیل فی محلّه‏‎[4]‎‏.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 52

  • )) کفایة الاُصول : 86 ، نهایة الدرایة 1 : 279، بحوث فی الاُصول، رسالة فی الطلب والإرادة: 4، محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 35 .
  • )) شرح الإشارات 2 : 411 ـ 412، الحکمة المتعالیة 2 : 251 و4 : 114، شرح المنظومة، قسم الحکمة : 294 .
  • )) النساء (4) : 128 .
  • )) الحکمة المتعالیة 6 : 314 و 348 و 379 ، و7 : 282 و 332 .