المقصد الثانی فی الأوامر

فائدة حول أنّ موضوع المسألة هو الأوامر المولویة

فائدة : حول أنّ موضوع المسألة هو الأوامر المولویة

‏ ‏

‏قد اُشیر إلیٰ أمر إجمالاً : وهو أنّ موضوع هذه المسألة؛ هو أنّ صیغة الأمر‏‎ ‎‏هل تدلّ علی الوجوب، أم لا بل هو مطلق الصیغة ولو کانت إرشادیّة، أو موضوعها‏‎ ‎‏الأوامر المولویّة؟ لا سبیل إلی الأوّل، فیأتی إشکال: وهو أنّ الأوامر الصادرة عن‏‎ ‎‏الفقیه فی مقام الإفتاء، بل والصادرة عن النبیّ والأئمّة صلوات الله علیهم فی مقام‏‎ ‎‏الإفتاء، لیست مولویّة، بل هی مرشدة إلیٰ حکم الله تعالیٰ وقانونه، فلا وجه‏‎ ‎‏لاستفادة الوجوب منها؛ تمسّکاً ببناء العقلاء والعرف، واستدلالاً بطریقة الموالی‏‎ ‎‏والعبید، فما کان فی الکتاب مثلاً فهو یعدّ من الأوامر المولویّة، وهکذا ما کان‏‎ ‎‏نظیرها، وما ورد فی المآثیر من الأوامر ونحوها فلا شهادة عند العقلاء بعد کونها‏‎ ‎‏مرشدة، فهی تابعة للمرشد إلیه؛ من کونه وجوباً أو ندباً، واستفادة ذلک ـ أی أنّ‏‎ ‎‏المرشد إلیه واجب أو ندب ـ لایمکن إلاّ بالقرینة الخاصّة.‏

‏والعجب من اُستاذنا البروجردی‏‎[1]‎‏ ‏‏رحمه الله‏‏ حیث توجّه إلیٰ هذه النکتة، ولکنّه ـ‏‎ ‎‏مضافاً إلیٰ قصور فی تقریبه إشکالاً ـ غیر واصل إلی أصل الشبهة؛ وهو عدم لزوم‏‎ ‎‏الامتثال فیما إذا ورد الأمر فی الأخبار والروایات بشیء؛ فی العبادات کان، أو‏‎ ‎‏غیرها، مع أنّ الضرورة قاضیة بخلاف ذلک، وأنّ العقلاء مع کون موضوع المسألة‏‎ ‎‏هی الأوامر المولویّة، یتحرّکون بتلک التحریکات؛ من الفقهاء کانت، أو من‏‎ ‎‏الأئمّة ‏‏علیهم السلام‏‏، ویکشف بها القانون الإلزامیّ، إلاّ إذا قامت القرینة علی الخلاف.‏

‏فإذا سئل مثلاً عن صلاة الکسوف، فقال: «صلّ» أو عن زکاة الأبدان، فقال:‏‎ ‎‏«زکّ» وهکذا، بناؤهم علی لزوم القیام والانبعاث واستکشاف القانون والحکم‏‎ ‎‏الإلزامیّ بلا شبهة وریب.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 100
‏والذی هو الحجر الأساسیّ؛ عدم ورود النص فی أنّ موضوع مسألتنا هذه،‏‎ ‎‏مخصوص بتلک الأوامر، أو أنّ الأوامر الصادرة فی مقام الإفتاء تکون مولویّة؛ لأنّ‏‎ ‎‏میزان المولویّة، لیس کون الآمر معاقِباً علیٰ ترک المأمور به، کما فی أوامر الأب‏‎ ‎‏والزوج بالنسبة إلی الابن والزوجة، ولا یکون میزانها کون المأمور به فیه صلاح‏‎ ‎‏الأمر، وإلاّ یلزم عدم کون أوامر الله تعالیٰ مولویّة.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ المناط صحّة العقوبة علیه، وهذا لایکون فی أمر الفقیه‏‎ ‎‏والمفتی بالضرورة.‏

‏نعم، هو مصحّح العقوبة؛ لأجل العلم بالإرادة اللزومیّة من قبل المولیٰ‏‎ ‎‏الحقیقیّ، فهذه الأوامر کواشف عن الإرادات المستورة.‏

‏هذا، وفی کون الأوامر الإلهیّة التشریعیّة مولویّةً اصطلاحیّة، إشکال قویّ،‏‎ ‎‏نشیر إلیه فی ذیل تقسیم الواجب إلی النفسیّ والغیریّ‏‎[2]‎‏، وعلیٰ هذا یسقط الواجب‏‎ ‎‏الشرعیّ، فیکون جمیع الواجبات الشرعیّة ألطافاً فی الواجبات العقلیّة.‏

فتحصّل :‏ أنّ بناء العقلاء علی الامتثال فی هذه الأوامر أیضاً، وما اشتهر: «من‏‎ ‎‏أنّ موضوع هذه المسألة هی الأوامر المولویّة، أو قیل: «إنّ موضوع البحث هی‏‎ ‎‏الأوامر الصادرة عن العالی المستعلی»‏‎[3]‎‏ غیر وجیه.‏

‏نعم لا بناء من العقلاء علیٰ وجوب الامتثال، ولا تکون الصیغة کاشفة عندهم‏‎ ‎‏عن الإرادة الحتمیّة، إلاّ فی بعض الصیغ، ومجرّد کونه صیغة الأمر، لایکفی‏‎ ‎‏لوجوب الامتثال.‏

‏وأمّا توهّم الملازمة بین کونها أمراً، وبین کونها واجبة الامتثال والانبعاث، أو‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 101
‏واجبة الإطاعة والتبعیّة، فهو ناشئ من اعتبار مفهوم العلوّ أو الاستعلاء فی مفهوم‏‎ ‎‏الأمر، وقد مرّ فساده تفصیلاً‏‎[4]‎‏.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 102

  • )) نهایة الاُصول: 103 ـ 104.
  • )) یأتی فی الجزء الثالث : 152 ـ 159 .
  • )) لاحظ هدایة المسترشدین: 138 / السطر 18 ـ 20.
  • )) تقدّم فی الصفحة 11 ـ 16 .