تذییل : فیه توضیح لکیفیّة التمسّک بالإطلاق لنفی قصد الأمر
قضیّة ما سلف منّا أنّ قصد الأمر المأخوذ فی المتعلّق، لیس مورد النظر بعنوانه الاسمیّ، بل المناط أخذ ماهو المشیر إلیٰ تضیّق المرام والمقصود، ولذلک یمکن أخذ العناوین الاُخر، مثل عنوان «تحرّکه بتحریک الآمر» أو «انبعاثه بالبعث المتعلّق بالطبیعة» فما توهّمه القائلون بالامتناع ـ کالأکثر ـ ساقط جدّاً.
کما إنّ ما أفاده المنکر له غیر سالم؛ لأنّ أخذ قصد الأمر والتحرّک بالتحریک بالعنوان الذاتیّ ـ کسائر الأجزاء ـ یستلزم الإشکال الفقهیّ علیهم؛ لأنّه لابدّ من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 133
إتیان المأمور به بجمیع أجزائه مع العلم بها، مع أنّ الأمر الواحد باعث إلی الکلّ من غیر لزوم الأوامر المتعدّدة؛ ضرورة أنّ الأوامر المتعدّدة لیست تعبّدیة، بل هی ترشّحیة ضمنیّة، واختراعیّة عقلیّة خارجة عن محیط القانون والعرف.
فما أفاده بعض الأفاضل: من الالتزام بکون الواجب مرکّباً من الأمر النفسیّ والضمنّی، ومن الأمر التعبّدی والتوصّلی، فی غایة الوهن.
وأعجب من ذلک توهّم: أنّ ماهو الداعی إلی الامتثال هو الأمر الضمنیّ!! فإنّه لو کان الأمر کما توهّم، للزم عدم سقوط الأمر النفسیّ، وعدم ترتّب الثواب والعقاب علیٰ فعله وترکه.
فما هو الواجب بالأمر النفسیّ هو الطبیعة، ولا قید هناک، ولکنّه لقوله: «صلّ مع قصد الأمر» یتوجّه الإنسان إلیٰ أنّ فی مقام الخارج ونفس الأمر، لابدّ وأن یکون التحرّک بداعی الأمر وإن کان غافلاً أو جاهلاً به.
وما أفاده الوالد المحقّق ـ مدّظلّه : «من أنّ الأمر لیس محرّکاً، وأنّه موضوع الطاعة» فی غیر محلّه؛ لأنّ الطاعة لاتحصل إلاّ بکون الانبعاث عن البعث.
نعم، لیس الأمر علّة تامّة للتحریک، کما لاشبهة فی أنّ مراد القوم من «محرّکیة الأمر» لیس ذلک؛ لشرائط کثیرة فی تحریکه.
نعم، هذه الشرائط کلّها دخیلة فی قابلیّة القابل؛ وانبعاث التحرّک، وعند وجود تلک الشرائط یقال: «الأمر محرّک» فلاتخلط.
کما إنّ ما أفاده هنا: «من أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب، واحد متعلّق بعنوان واحد بسیط، ذی أجزاء بوجوده الخارجیّ» فی غایة المتانة، ولکنّه یلزم منه لزوم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 134
العلم بالأجزاء فی العبادات القربیّة وبالشرائط فقهاً.
اللهمّ إلاّ أن یقال کما مرّ فی ضمن کلامنا: إنّ المسألة حسب الفقه غیر واضحة، ولا دلیل علیٰ عدم سقوط أمر الصلاة إذا أتیٰ بها متحرّکاً بتحریکه، جاهلاً بشرائطها، کالستر ونحوه، مع کونه واجداً له.
ولکنّک عرفت : أنّ هذا الجزء لیس کسائر الأجزاء، وله خصوصیّة مختصّة به؛ علی الوجه الذی عرفت منّا، فلاتبتنی المسألة علی الالتزام بوحدانیّة المتعلّق فی الاُصول، وعلیٰ عدم اعتبار العلم بالأجزاء والقربة فی جمیع الأجزاء فی الفقه، فافهم واغتنم.
فإذا فرغنا من هذه الشبهات برمّتها، والإعضالات بجملتها، تبیّن لک إمکان التمسّک بالإطلاق عند الشکّ فی التعبّدیة والتوصّلیة، وعلمت أنّ إمکان التمسّک به، لایتوقّف علیٰ إثبات إمکان أخذه فی المتعلّق بکونه من أجزاء المأمور به شرطاً أو شطراً، مع أنّه کان بمکان من الإمکان.
إن قلت : لو أمکن تعلّق الوجوب بالمرکّب من الصلاة وقصد الأمر، وبالتحرّک بتحریکه، للزم تعلّقه بأمر غیر اختیاریّ؛ فإنّ الفعل وإن کان بالاختیار وبالإرادة، إلاّ أنّ إرادته حیث لاتکون بإرادة اُخریٰ ـ وإلاّ لتسلسلت ـ لیست باختیاریّة، کما لایخفیٰ.
قلت : هذا ما فی «الکفایة» ولقد علمت منّا فی تنبیهات مباحث الطلب والإرادة، اختیاریّة الإرادة من غیر استباقها بإرادة زائدة علی الذات المجرّدة المستجمعة لجمیع القویٰ علیٰ نعت الضعف والفتور؛ لما ثبت التشکیک بین أنحاء المجرّدات بوجه صحیح. هذا أوّلاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 135
وثانیاً : قد أحطت خبراً بما لاتجده فی غیر کتابنا: بأنّ قصد الأمر، لیس بعنوانه مورد النظر والبحث، بل المقصود هو التحرّک بتحریک الأمر، وهذا أمر اختیاریّ إذا کان فی العبد مبادئ تلک الحرکة، کما اُشیر إلیه، فتأمّل.
وثالثاً : وهو الأساس ما علمت منّا: من أنّ قصد الأمر لیس مورد الوجوب؛ لا الوجوب الاستقلالیّ، ولا الضمنّی، ولا الغیریّ، فلایکون الواجب مرکّباً من الجزء الاختیاریّ، وغیر الاختیاریّ، حتّیٰ یکون المرکّب منها غیر اختیاریّ، فلایصحّ تعلّق الأمر به رأساً.
وبعبارة اُخریٰ : متعلّق الأمر فی العبادات وفی زمرة من المعاملات ـ بالمعنی الأعمّ ـ هو الفعل المقیّد بصدوره عن الإرادة، ولکنّه لیس من القیود التی لاتحصل فی صورة الجهل بها، فمنه یعلم: أنّ هذا القید جیء به لإفادة انتقال المخاطب إلی أخصّیة الغرض، وتضیّق المرام، ویکون من العناوین الإشاریّة إلیٰ أمر آخر، وهذا المقدار من إمکان الأخذ، کافٍ فی صحّة التمسّک بالإطلاق.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 136