إشکال آخر علی الأمرین
قد مضیٰ إشکال لایمکن الذبّ عنه، وقد تعرّضنا لتفصیله فی مباحث اجتماع الأمر والنهی، ومباحث الترتّب.
وهنا إشکال آخر یشکل الذبّ عنه: وهو أنّ الأمر الأوّل توصّلی لا محالة؛ لأنّه متعلّق بنفس طبیعة الصلاة مثلاً، والأمر الثانی أیضاً توصّلی، ولکنّه لایمکن امتثاله إلاّ بوجه یستلزم تعبّدیة الأمر الأوّل؛ فإنّ التحرّک بتحریک الأمر الأوّل متعلّق الأمر الثانی، فهذا لایسقط إلاّ إذا تحرّک العبد بالأمر الأوّل، فإن کان غافلاً عن الأمر الثانی، فیمکن امتثال الأمرین؛ فإنّه بتحرّکه عن الأمر الأوّل، یُسقط الأمرین قهراً.
وإن کان ملتفتاً إلی الأمر الثانی، فلا یعقل تحرّکه بالأمر الأوّل، بل یتحرّک إذا کانت فیه المبادئ الدخیلة فی التحرّک بالأمر الثانی، ولا معنیٰ لتحرّکه بالأمر الثانی إلی التحرّک بالأمر الأوّل؛ لعدم إمکان التحرّکین فی شیء واحد، أو لعدم إمکان التحریکین الطولیّین، بل التحرّک یستند إلی الجامع، أو إلی الأمر الثانی فقط، فلایسقط الأمران قهراً؛ لأنّ سقوط الأمرین متوقّف علیٰ تحرّکه بالأمر الأوّل، کما لایخفیٰ.
إن قلت : هذا الإشکال بعینه جارٍ فی أصل المسألة؛ وهو أخذ قصد الأمر
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 144
والتحرّک به فی متعلّق الأمر الأوّل نفسه.
قلت : کلاّ؛ ضرورة أنّ هذا لایورث إلاّ انتقال المکلّف إلیٰ تضیّق المرام، ولایکون أمر باعث إلیٰ باعثیّة الأمر الأوّل؛ لا استقلالاً، ولا تبعاً وضمناً، فاللامعقولیّة المزبورة مستندة إلیٰ تعدّد الأمر ولو کان الثانی ضمنیّاً، فتدبّر.
فالمحصول ممّا قدمناه؛ امتناع وصول المولیٰ إلیٰ غرضه بالأمرین المولویّـین.
نعم، یمکن وصوله إلی مرامه بالأمر الثانی الإرشادیّ، المتکفّل لبیان الشرطیّة والجزئیّة علیٰ نحو سائر الأجزاء والشرائط.
نعم، فرق بین المقام وسائر الأجزاء والشرائط؛ فإنّ الأمر الثانی هنا إرشاد إلیٰ أخصّیة المرام، وهناک إرشاد إلیٰ شرطیّة المأمور به؛ بحیث یتعلّق به الأمر.
إن قلت : بناءً علی امتناع أخذ قصد الأمر وما یماثله فی متعلّق الأمر، وإمکان التوصّل إلیٰ بیان حدود المأمور به، فهل یمکن التمسّک بالإطلاقات فی الأدلّة الأوّلیة، أم هذا غیر صحیح؛ لعدم إمکان التقیید، فیکون هذا من التمسّک بالإطلاق المقامیّ، دون الإطلاق اللفظیّ؛ علیٰ ماهو المصطلح علیه عند الأصحاب قدس سرهم؟
قلت : إن قلنا : بأنّ الإطلاق صفة اللفظ، وأنّ مقدّمات الإطلاق تنوب مناب ألفاظ العموم، وأنّه هو جمع القیود، فلایتمّ التمسّک بناءً علیٰ ما اشتهر: «من أنّ من شرائط تمامیّة المقدّمات، إمکان التقیید» کما هو المفروض، وسیأتی تفصیله فی البحث الآتی إن شاء الله تعالیٰ.
وإن قلنا : بأنّ الإطلاق من الدلالات العقلیّة، وأنّ ذلک مأخوذ من الفعل الاختیاریّ الصادر من المقنّن والمولی العالم المختار، وأنّه لمکان أخذه طبیعة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 145
موضوعاً لحکم وعدم إتیان شیء آخر قیداً لها مع علمه بالواقعة، واختیاره فی ذلک، فالتمسّک بالإطلاق ممکن، من غیر فرق بین هذا الشرط الممتنع أخذه فی متعلّق الأمر، وغیره ممّا یمکن فیه ذلک؛ لأنّ امتناعه فی متعلّقه، لایمنع من تمکّنه من الإرشاد إلی القید بالدلیل المنفصل، فإذا لم یتذکّر ذلک فی محالّه یعلم: أنّ ماهو تمام مرامه ومقصده، نفس الطبیعة من غیر دخالة القیود الاُخر، فافهم وتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 146