المقصد الثانی فی الأوامر

التنبیه الأوّل : إتیان الأفراد العرضیّة دفعة مع وحدة الأمر

التنبیه الأوّل: فی إتیان الأفراد العرضیّة دفعة مع وحدة الأمر

‏ ‏

‏إذا تعلّق الأمر بالطبیعة القابلة للکثرة الطولیّة والعَرْضیّة، فجمع المکلّف بین‏‎ ‎‏الأفراد العَرْضیّة، کما إذا قال: «أکرم العالم» وکان نفس إکرامه مسقطاً لأمره، وما کان‏‎ ‎‏یجب علیه إکرام کلّ عالم بوجه الانحلال المتصوّر فی أمثال المقامات، فهل إکرام‏‎ ‎‏المجموع منهم دفعة واحدة، امتثال واحد؟‏

‏أو امتثالات کثیرة؟‏

‏أو هو تابع لقصد المکلّف، فإنّ قصد الامتثال بالمجموع فهو امتثال واحد،‏‎ ‎‏وإن قصد الامتثال بکلّ واحد فهو امتثالات؟‏

‏أو لا امتثال رأساً؟‏

‏أمّا الاحتمال الأخیر فهو فی مفروض المسألة غیر سدید. نعم إذا کان‏‎ ‎‏المستفاد من الدلیل، وجوبَ إکرام فرد من العالم، کان للاحتمال الأخیر وجه؛‏‎ ‎‏بدعویٰ ظهوره فی الفرد بشرط لا.‏

وأمّا دعویٰ :‏ أنّ وجوب إکرام العالم؛ فیما إذا کان یسقط الأمر بأوّل المصداق،‏‎ ‎‏یرجع إلی اعتبار صِرْف الوجود واعتبار ناقض العدم عرفاً، وإن لم یمکن ذلک عقلاً‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 207
‏فی الطبائع، فإذا أقدم علیٰ إکرام مجموع العلماء، فوحدة الإکرام تقتضی وحدة‏‎ ‎‏الموضوع؛ وهو مجموع العلماء فی لحاظ الجمع، وهو لیس بعالم، فلایسقط الأمر،‏‎ ‎‏فهی غیر مسموعة عرفاً؛ لشهادة العقل بسقوط الأمر لإکرامه العالم قطعاً .‏

وأمّا الاحتمال الأوّل،‏ فهو مختار الوالد المحقّق ـ مدّظلّه ، معلِّلاً: «بأنّ کثرة‏‎ ‎‏الطبیعة ووحدتها بحسب الأفراد، لاتستلزم کثرة الأمر، والامتثال الکثیر تابع لکثرة‏‎ ‎‏الأمر؛ لتقوّمه به، دون الطبیعة، فالمجموع امتثال واحد، کما أنّ لهذا الأمر الساقط‏‎ ‎‏ثواباً واحداً، وفی ترکه عقاباً واحداً»‏‎[1]‎‏.‏

وأمّا الاحتمال الثانی،‏ فهو مختار السیّد الاُستاذ البروجردی ‏‏قدس سره‏‏ حیث قال:‏‎ ‎‏«بأنّ للطبیعة لیست وجوداً واحداً؛ فیما إذا وجدت بالوجودات العرضیّة، فلا معنی‏‎ ‎‏لکونه امتثالاً واحداً، نظیر الواجب الکفائیّ، فإنّه لو أتیٰ به جماعة دفعةً واحدة،‏‎ ‎‏فقد امتثلوا الأوامر المتعدّدة؛ لأنّ القول بأنّ لکثرة الطبیعة وجوداً واحداً، فی‏‎ ‎‏غایة الضعف»‏‎[2]‎‏.‏

وأمّا الاحتمال الثالث،‏ فهو منسوب فی کلامه إلی العلاّمة الخراسانی ‏‏رحمه الله‏‎[3]‎‎ ‎‏ولعلّه کان فی تقریراته؛ لأنّه لیس فی «کفایته» ولایذکر تلمیذه وجهاً له، بل‏‎ ‎‏استضعفه، ولعلّه استند فی ذلک إلیٰ أنّ بناء العرف علیٰ ذلک.‏

‏وسیظهر لک فی التنبیه الثانی أنّ الامتثال من الاُمور الاختیاریّة بحسب‏‎ ‎‏الارتکازات العقلائیّة، وأنّ الامتثال عقیب الامتثال جائز فی الاعتبار، وأنّ التخییر‏‎ ‎‏بین الأقلّ والأکثر ممکن، وهکذا ممّا یترتّب علیٰ هذه المقالة‏‎[4]‎‏، فانتظر.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 208
‏والذی هو التحقیق فی المقام : أنّ الانحلال علیٰ قسمین:‏

أحدهما :‏ مایرجع إلیٰ تعدّد الأمر واقعاً، ویکون لکلّ واحد من الأوامر امتثال،‏‎ ‎‏وعقاب، وثواب، کما فی مثل : «أکرم کلّ عالم» .‏

وثانیهما :‏ ما یرجع إلیٰ تعدّد الأمر فی ناحیة الثواب، دون العقاب، فإن امتثل‏‎ ‎‏المجموع یتحقّق الثوابان، وإن ترک لایستحقّ إلاّ عقاباً واحداً.‏

‏وهو فیما نحن فیه علیٰ عکس الواجب الکفائیّ؛ وذلک لأنّ قوله: «أکرم‏‎ ‎‏العالم» لابدّ له من مسقط، ولایعقل کون أحد الإکرامات ـ معیّناً ـ مسقطاً، ولا‏‎ ‎‏أحدها غیر المعیّن، ولا المجموع؛ لأنّه لیس وراء الآحاد خارجاً.‏

فعلیه یقال :‏ لامنع من دعوی أنّ قضیّة قوله: «أکرم العالم» هو استحقاق‏‎ ‎‏المثوبات؛ لأنّ کلّ واحد من الإکرامات المتعلّقة بالعالم، مورد طلبه بلا شبهة؛ لعدم‏‎ ‎‏میّز بینها، ویصحّ أن یحتجّ علی المولی بأنّ کلّ واحد من هذه الإکرامات واجب،‏‎ ‎‏وموصوف بالوجوب، فإذا فرض جعل المثوبة علیٰ إکرام العالم، فیجب تکرارها؛‏‎ ‎‏لتعدّد الامتثال، فما أتیٰ به القوم طرّاً، غیر مقبول.‏

‏نعم، ما أفاده الاُستاذ ‏‏رحمه الله‏‏: من أنّه الامتثالات فی محلّه، ولکنّه لم یبیّن وجهه،‏‎ ‎‏ولذلک یرد علیه ما أورده الوالد ـ مدّظلّه علیه‏‎[5]‎‏.‏

‏ثمّ إنّه غیر خفیّ: أنّ مختار المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ لایستلزم رفع الشبهة‏‎ ‎‏العقلیّة فی المسألة؛ فإنّ البحث ـ علی احتماله ـ یأتی فیما إذا قصد الامتثال بالکلّ؛‏‎ ‎‏وأنّه فی هذا الفرض هل یتعدّد الامتثال، أو لا یمکن؟ فلاتخلط.‏

فبالجملة :‏ لابدّ من الالتزام بأحد أمرین :‏

‏إمّا یکون المجموع امتثالاً واحداً وهذا لایمکن إلاّ بکون المجموع مورد‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 209
‏الأمر وهو خلف.‏

‏وإمّا بکون الأمر ینحلّ ـ فیما إذا اُتی بالأفراد العرضیّة ـ إلی الأوامر. ولکنّها‏‎ ‎‏لاتستتبع العقابات؛ لعدم نشوئها عن الملاکات المختلفة والمتعدّدة.‏

‏فما تریٰ فی کلام الوالد ـ مدّظلّه : من دعوی الملازمة بین الأوامر المتعدّدة،‏‎ ‎‏والعقابات والثوابات‏‎[6]‎‏، فهی غیر مسموعة، بل التعدّد المستلزم لتعدّد الملاک،‏‎ ‎‏یستلزم تعدّد العقاب والثواب.‏

‏وممّا یدلّ علیٰ أنّ الأوامر المتعدّدة، لاتستلزم العقاب المتعدّد إلاّ فی الصورة‏‎ ‎‏السابقة: ما إذا أمر المولیٰ بإکرام زید، ثمّ غفل عن أمره وأمر ثانیاً بذلک، فإنّ الأمر‏‎ ‎‏الثانی مع الغفلة عن الأمر الأوّل، لایکون تأکیداً، بل هو یقع تأسیساً؛ لأنّه یرید‏‎ ‎‏بالإرادة الجدیدة وجوب إکرامه، فإذا امتثل الأمرین بإکرامه، لایستحقّ إلاّ ثواباً‏‎ ‎‏واحداً، ولا یعاقب إلاّ مرّة واحدة عند التخلّف عنهما، فإذا أمکن الجمع بین‏‎ ‎‏الإکرامین، فقد امتثل الأمرین، ویستحقّ الثوابین والجعلین؛ لأنّ کلامه یقتضی ذلک،‏‎ ‎‏وقضیّة الأدلّة هو التعدّد.‏

‏فلو کان لایرید إلاّ ثواباً واحداً، یجب علیه جعل القانون علیٰ وجه لایستحقّ‏‎ ‎‏المکلّف ـ حسب المتفاهم العرفیّ ـ ثواب آخر زائداً علیه، فإتیانه الطبیعة متعلّق‏‎ ‎‏الأمر یورث الاستحقاق الأکثر، ولا یستحقّ عند التخلّف إلاّ العقاب الواحد.‏

‏إذا تبیّن ذلک تبیّن : أنّ فی المسألة امتثالات کثیرة، وعقاباً واحداً؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏العقاب بحکم العقل والعقلاء، وهو فی المثال المزبور واحد قطعاً؛ لعدم جعل العقاب‏‎ ‎‏علی ترک الامتثال فرضاً، وأمّا تعدّد الثواب فهو تابع لما یستظهر من إطلاق جعله،‏‎ ‎‏فلا تخلط.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 210

  • )) مناهج الوصول 1: 290، تهذیب الاُصول 1: 172.
  • )) نهایة الاُصول : 124.
  • )) لاحظ نهایة الاُصول : 124 .
  • )) یأتی فی الصفحة 211 .
  • )) مناهج الوصول 1: 290، تهذیب الاُصول 1: 172.
  • )) مناهج الوصول 1: 290، تهذیب الاُصول 1: 172.