المقام الخامس
إذا نسخ الوجوب فهل یبقی الجواز،
أو الاستحباب، أم لا؟
اعلم : أنّ الجهة المبحوث عنها، أعمّ ممّا إذا کان الحکم السابق وجوباً، أو تحریماً، أو استحباباً، أو کراهة؛ فإنّه یأتی النزاع فی بقاء أمرٍ، إلاّ أنّه علی بعض التقادیر یحتمل بقاء الأمرین مثلاً، وعلیٰ بعض التقادیر یحتمل بقاء أصل الإباحة؛ بناءً علیٰ کونها من الأحکام الشرعیّة المجعولة، کما هو المشهور.
وهکذا هی أعمّ ممّا کان الدلیل الثانی، ناسخاً لمفاد الدلیل الأوّل نسخاً ممکناً شرعاً، أو کان من قبیل الحکومة والتخصیص؛ ضرورة أنّ قضیّة الحکومة والتخصیص، هو انکشاف قصور الإرادة من الأوّل، ولکن لهذا البحث مجال فی أنّ مقتضاهما قصورها بالمرّة، أو عدم وصول الإرادة ـ بالنسبة إلیٰ مورد التخصیص والحکومة ـ إلیٰ نصاب الحتم ومیقات البتّ.
وممّا یؤیّد ذلک؛ وقوع الأعلام فی هذا البحث عند تعرّض الأصحاب لدلیل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 243
رفع القلم عن الصبیّ، وعند البحث عن صحّة عباداته، فإنّه لو کان دلیل الرفع رافعاً لأصل الإلزام، فالإطلاقات الأوّلیة والعمومات الکلیّة، باقیة فی بعث الصبیّ إلی العبادة، اللازم منه صحّتها قهراً.
فبالجملة : هل قضیّة الجمع بین الأدلّة القابلة للجمع بالتخصیص والحکومة والتقیید، ارتفاع الحکم فی مواردها طرّاً، أم لا؟ بل یمکن استفادة الندب والکراهة من العامّ المخصص مثلاً؟
فلاتخلط، ولا تغفل.
إذا علمت ذلک کلّه، فالبحث حول المسألة یقع فی جهات :
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 244