المقصد الثانی فی الأوامر

المقدّمة

فیما یتعلّق بما جعله القوم عنواناً

‏ ‏

‏وحیث ظنّوا أنّه العنوان الجامع لمباحث الإجزاء، ذکر «الفصول» : «أنّ الأمر‏‎ ‎‏بشیء إذا اُتی به علیٰ وجهه، هل یقتضی الإجزاء، أم لا‏‎[1]‎‏؟‏

‏وحیث قیل علیه: «إنّ الأمر لایکون موضوعاً لأکثر من البعث إلی الطبیعة،‏‎ ‎‏والمادّة لأکثر من الطبیعة اللابشرط»‏‎[2]‎‏ عدل عنه الآخرون، وقالوا: «إنّ المسألة‏‎ ‎‏عقلیّة، لا لفظیّة» فعنونوا «أنّ إتیان المأمور به علیٰ وجهه، هل یقتضی الإجزاء،‏‎ ‎‏أم لا‏‎[3]‎‏؟‏

‏وحیث إنّ الاقتضاء لیس من لوازم الإتیان؛ لا بنحو العلّیة، ولا بنحو الإعداد،‏‎ ‎‏وتکون النسبة مجازیّة، بل هو دلیل تمامیّة أمد الإرادة، وسقوط الغرض، عدل عنه‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 263
‏المحقّق الوالد ـ مدّظلّه بإسقاط کلمة «الاقتضاء»‏‎[4]‎‏.‏

‏وحیث إنّ کلمة «علیٰ وجهه» من القیود المأخوذة فی کلمات القدماء‏‎[5]‎‏،‏‎ ‎‏ولیس ما توهّمه «الکفایة» فی محلّه: «من أنّها تشیر إلی القیود المعتبرة فی المأمور‏‎ ‎‏به عقلاً، کقصد القربة فإنّه ـ علیٰ ما مرّ ـ یمتنع أخذه فیه»‏‎[6]‎‏؛ ضرورة أنّ هذه الشبهة‏‎ ‎‏من زمن الشیخ الأعظم الأنصاریّ ‏‏قدس سره‏‎[7]‎‏، فتکون أجنبیّة عن هذا البحث بالمرّة، فلابدّ‏‎ ‎‏من حملها إمّا علی التوضیح، کما علیه الأکثر‏‎[8]‎‏.‏

‏أو حملها علیٰ ما أفاده السیّد الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‏: «من أنّها ربّما کانت‏‎ ‎‏زائدة فی العنوان؛ لأجل شبهة أوقعها القاضی عبد الجبّار فی الری من قبل الدیالمة:‏‎ ‎‏وهی أنّ من صلّیٰ مع الطهارة المستصحبة، ثمّ انکشف خلافه، یعید ولایجزی مع‏‎ ‎‏امتثاله الأمر الاستصحابیّ»‏‎[9]‎‏.‏

‏ووجه ردّه بتلک الزیادة کما أفاده: «هو أنّ المأمور به فی هذا المثال، لم یؤتَ‏‎ ‎‏به علیٰ وجهه؛ من جهة أنّ الطهارة الحدثیّة بوجودها الواقعیّ شرط».‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ الحمل الأوّل خلاف القاعدة، والثانی أوضح فساداً؛ لأنّه‏‎ ‎‏یلزم منه خروج مباحث الإجزاء التی هی الأهمّ، وتکون المسألة منحصرة بالبحث‏‎ ‎‏عن إجزاء المأمور به عن أمره المتعلّق به، الذی لا بحث فیه عند القوم، وعدّ من‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 264
‏الضروریّات الأوّلیة.‏

‏والذی هو الأقرب علیٰ تقدیر صحّة العنوان المزبور: أنّ قید «علی وجهه»‏‎ ‎‏إشارة إلیٰ إتیان المأمور به علی الشرائط المعتبرة فیه حسب الأدلّة حین الإتیان، ولا‏‎ ‎‏نظر فی بحث الإجزاء إلی تلک المسألة الواضحة عندهم، بل نظرهم فی هذه المسألة‏‎ ‎‏إلیٰ إجزاء الأمر الاضطراریّ والظاهریّ عن الواقعیّ، فقید «علیٰ وجهه» یفید إخراج‏‎ ‎‏ما لا بحث فیه، ویورث ترکیز البحث فیما هو المهمّ فی مباحث المسألة، فلاتخلط.‏

أقول :‏ لا شبهة فی لزوم کون العنوان الموضوع للبحث هنا، شاملاً للمباحث‏‎ ‎‏المختلفة التی تذکر تحته، وجامعاً لشتاتها، وهو هنا مشکل، بل ممنوع؛ وذلک لأنّ‏‎ ‎‏مباحث هذه المسألة ـ علی المعروف ـ ثلاثة، وعلیٰ ما هو الحقّ أربعة:‏

أحدها :‏ البحث عن إجزاء الإتیان بالمأمور به عن أمره؛ واقعیّـاً کان أو‏‎ ‎‏اضطراریّـاً ، أو ظاهریّـاً.‏

ثانیها :‏ إجزاء الإتیان بالمأمور به الاضطراریّ عن الأمر الواقعیّ، علیٰ ما هو‏‎ ‎‏المعروف فی تعابیر القوم‏‎[10]‎‏، أو عن المأمور به الواقعیّ، علیٰ ما فی بعض‏‎ ‎‏التعابیر الاُخر‏‎[11]‎‏.‏

ثالثها :‏ إجزاء الإتیان بالمأمور به الظاهریّ عن الأمر الواقعیّ، أو عن المأمور‏‎ ‎‏به الواقعیّ، علیٰ ما عرفت من الاختلاف فی التعبیرین.‏

رابعها :‏ أنّ ترک المأمور به حسب الدلیل الظاهریّ، هل یورث الإجزاء؛ أی‏‎ ‎‏سقوط القضاء خارج الوقت، أم لا؟‏

مثلاً :‏ لو أدّیٰ نظر المجتهد إلیٰ جواز ترک صلاة الکسوف، واستند إلیه المقلّد‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 265
‏فترکها، ثمّ قلّد الآخر، وقال بوجوب القضاء، فهل علیه ذلک، أم هو مثل ترک جزء‏‎ ‎‏المأمور به مستنداً إلیٰ فتواه فی عدم لزوم الإعادة؟ وهکذا إذا ترک إعطاء الخمس‏‎ ‎‏والزکاة فی ظرفه؛ لأجل الدلیل، ثمّ بعد مضیّ سنوات تبدّل رأی المقلَّد مثلاً.‏

فبالجملة :‏ الدلیل المقتضی لعدم وجوب الإعادة والقضاء عند التخلّف بالنسبة‏‎ ‎‏إلی الأجزاء والشرائط، هو بعینه یقتضی ذلک عند التخلّف عن الکلّ، کما یأتی من‏‎ ‎‏غیر فرق. ولعلّ الأصحاب یقولون بالإجزاء فی مسألة تبدّل رأی المجتهد؛ حتّیٰ‏‎ ‎‏فیما إذا ترک المأمور به مستنداً إلیٰ فتویٰ مجتهده، وسیأتی تحقیقه، فعلیٰ هذا‏‎ ‎‏لایعقل الجامع بین هذه المسائل بالضرورة.‏

‏وأمّا بناءً علیٰ کون مباحثه ثلاثة، فأیضاً یشکل تصویره؛ ضرورة أنّ مجرّد‏‎ ‎‏الإجمال فی العنوان ـ کما أفاده الوالد المحقّق ـ مدّظلّه ـ غیر کافٍ؛ فإنّ‏‎ ‎‏قوله : «إتیان المأمور به علیٰ وجهه هل یجزی، أم لا؟»‏‎[12]‎‏ یشمل إتیان الصلاة‏‎ ‎‏والإجزاء عن الصوم، وإتیانَ المأمور به الواقعیّ والإجزاء عن الاضطراریّ، مع أنّه‏‎ ‎‏غیر مقصود بالبحث، فلابدّ من التقیید حتّیٰ یشمل المباحث الثلاثة، وعند ذلک‏‎ ‎‏یخرج البحث الأوّل.‏

‏ولو کان الإجمال کافیاً، فالأولیٰ جعل عنوان البحث کلمة «الإجزاء» من غیر‏‎ ‎‏إضافة شیء آخر إلیها؛ لعدم الحاجة عندهم إلیه، لکونه ضروریّاً، فینحصر التقیید‏‎ ‎‏بالمبحث الثانی والثالث، وهذا معنی عدم الجامع، فلاتغفل.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 266

  • )) الفصول الغرویّة: 116 / السطر 9.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1: 241.
  • )) کفایة الاُصول: 104، نهایة الأفکار 1: 222.
  • )) مناهج الوصول 1: 299 ـ 300، تهذیب الاُصول 1: 178 ـ 179.
  • )) عدّة الاُصول : 83 / 15 ، شرح العضدی : 204 / السطر 11 ، ولاحظ مفاتیح الاُصول : 125 / السطر الأخیر و 126 / السطر1 ، مناهج الأحکام والاُصول : 66 / السطر 22 .
  • )) کفایة الاُصول : 105 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 118 .
  • )) نهایة النهایة 1: 118، تهذیب الاُصول 1: 179.
  • )) نهایة الاُصول : 125 .
  • )) فرائد الاُصول 1: 242، نهایة الاُصول: 132، محاضرات فی اُصول الفقه 2: 224.
  • )) نهایة الأفکار 1: 224.
  • )) تهذیب الاُصول 1: 178.