تنبیه : علی عدم الفرق فی الإجزاء بین اطلاق الدلیل وإهماله
بناءً علیٰ ما سلکناه فی وجه الإجزاء، فلا فرق بین کون دلیل الاضطرار له الإطلاق، أو الإهمال؛ لأنّ الإهمال المورث للشکّ فی تحقّق موضوع الاضطرار، یستلزم الخروج عن الجهة المبحوث عنها.
وإذا کان موضوعه متحقّقاً، فلا حاجة إلی الإطلاق من جهات اُخر؛ أی لا حاجة إلیٰ إثبات بدلیّته علی الإطلاق، فإنّ أصل البدلیّة آناً ما، یستلزم الإجزاء والاکتفاء به عمّا هو المطلوب الأعلیٰ قهراً، کما عرفت.
وهکذا الکلام فی إطلاق المبدل منه وإهماله، فإنّه علیٰ تقدیر إهماله یرجع إلی الشکّ فی رفع الید عن المطلوب الأوّلی، فلا یتحقّق موضوع البحث، وعلیٰ تقدیر تحقّق موضوعه فلاحاجة إلیه من جهة اُخریٰ.
إن قلت : الملازمة ـ کما اُشیر إلیه ـ ممنوعة؛ ضرورة أنّ من الممکن جواز البدار؛ والترخیص فی الإتیان بالبدل الاضطراریّ، ویکون النتیجة التخییر بین المصداقین: الاضطراریّ، والاختیاریّ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 285
ولکنّه إذا تبدّل الحال آخر الوقت، یتعیّن علیه الاختیاریّ؛ لعدم وفاء الاضطراریّ بتمام المطلوب. ومجرّد الاحتمال کافٍ لعدم إمکان الحکم بالإجزاء. وتصیر النتیجة علیٰ هذا: لزوم الجمع بین الأداء والقضاء؛ لأنّه بذلک لایفوت شیء من المصلحة اللاّزم درکها.
قلت : من توهّم ذلک ـ کما هو عن جماعة من الأفاضلـ فهو لعدم الوقوف علیٰ مغزی المرام فی المقام؛ وهو أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة الإجزاء: هی أنّ الإتیان بالطبیعة الناقصة، یجزی عن الطبیعة الکاملة، أم لا، کالإتیان بمصادیق الصلاة الاضطراریّة عن الواقعیّة، والصوم الاضطراریّ عن الواقعیّ وهکذا.
أو الإتیان بما یعدّ صلاة مجازاً ـ کصلاة الغرقیٰ عن الصلاة الجامعة لجمیع الأجزاء والشرائط ـ مجزٍ، أم لا؛ ممّا یرجع إلی الأقلّ والأکثر واقعاً، أو اعتباراً الراجع إلی الأقلّ والأکثر فی الملاک أیضاً؛ أی کما لا معنیٰ لأن یصلّی حال الاختیار صلاة مع النجس، وصلاة مع الطاهر، بتوهّم أنّ الصلاة الاُولیٰ واجدة لمصلحة أوّل الوقت، والصلاة الثانیة واجدة لمصلحة الطهارة، کذلک الأمر حال الاضطرار.
وسرّ ذلک : هو أنّ الملاک أیضاً من قبیل الأقلّ والأکثر الارتباطیّین القائم بمصداق واحد، لا بالمصادیق الکثیرة المختلفة، حتّیٰ أنّه إذا صرّح دلیل بوجوب الاختیاریّة آخر الوقت مع الإتیان بالاضطراریّة، فهو لایکشف عن عدم الإجزاء، بل هو کاشف عن أجنبیّة المصداق الاضطراریّ عن الاختیاریّ، ویکون الباعث إلی الترخیص جهة اُخریٰ، کما لایخفیٰ.
إن قلت : إنّا نریٰ بالوجدان إمکان کون المطلوب الأعلیٰ، مبایناً فی الطبیعة مع المطلوب الأدنیٰ، کما إذا أمر المولیٰ باشتراء البطّیخ، ثمّ أفاد: «أنّه إذا لم یوجد البطّیخ فلیشترَ الرقّی» فإنّ الثانی مجزٍ عن الأوّل؛ لکونه مصداقاً اضطراریّاً للمطلوب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 286
الجامع، مع کونه مبایناً معه فی الطبیعة.
قلت : هذا غیر صحیح؛ لأنّ الغرض الأقصیٰ لیس مورد الأمر، ولا الغرض الجامع بین الأعلیٰ والأدنیٰ، بل الذی هو مورد الأمر هو الطبیعة، فإن کان بین الاضطراریّ والاختیاریّ، جامعاً بحسب الطبیعة، فیصحّ أن یقال: هل الإتیان بمصداق الاضطراریّ کافٍ عن الاختیاریّ، أم لا؟ وإلاّ فلا یصحّ؛ ضرورة أنّ الرقّی لیس مصداقاً اضطراریاً للبطّیخ بالضرورة، بخلاف الترابیّة بالنسبة إلی المائیّة.
ففی الجهة المبحوث عنها فی بحث الإجزاء، لابدّ من التوجّه والالتفات إلیٰ هذه النکتة، وکان ینبغی أن نذکر هذه الجهة من الاُمور مستقلّة.
إن قیل : بناءً علیه لابدّ من الالتزام بوحدة الأمر، حتّیٰ یکون المأمور به الواحد ذا مصداقین: اضطراریّ ، وواقعیّ.
قلنا : کلاّ، بل لابدّ من کون الطبیعة محفوظة بین المصداقین، وإن کان الأمر المتوجّه إلی الاضطراریّ ، غیرَ الأمر المتوجّه إلی الاختیاریّ.
فإذا أحطت خبراً بما أسمعناک، تقدر علی استخراج الإجزاء بحکم العقل الضروریّ؛ فإنّ ترخیص البدار لایعقل إلاّ بعد رفع الید عن المطلوب الأعلیٰ، فما هو المأمور به فعلاً قد اُتی به، وما هو المطلوب الأعلیٰ والواقعیّ الأوّلی ـ حسب الجعل والتشریع ـ قد رفع الید عنه؛ وانصرف عن خصوصیّته قهراً وطبعاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 287