فذلکة الکلام فی المقام حول الاحتمالات فی اجزاء قاعدتی الحلّ والطهارة
وهی ثلاثة:
أحدها : ما اختاره جمع من المنکرین للإجزاء: وهو أنّ مفادهما الحلّیة والطهارة العذریّة حال الشکّ، ولا یجوز ترتیب آثار الواقع بعد زوال الشکّ. وهذا هو المراد من «الطهارة والحلّیة الظاهریّتین».
ثانیها : ما سلکناه فی هذا المضمار: من أنّ مفادهما جعل الحلّیة والطهارة علیٰ عنوان مستقلّ، فتکونان واقعیّتین، ولیس تقدّمهما علیٰ أدلّة الشرائط بالحکومة؛ لأنّ معنی «الحکومة» هو التوسعة فی الحکم مع انتفاء الموضوع تکویناً، کما إذا ورد : «لاسهو لمن أقرّ علیٰ نفسه بالسهو» فإنّه یورث زوال حکم السهو عن کثیر السهو؛ بالتضییق فی دائرة دلیل المحکوم تعبّداً، أو إذا ورد: «أنّ الظنّ شکّ» فإنّه یلتحق به أحکام الشکّ؛ بالتوسعة فی دائرته. وأمّا جعل الطهارة علیٰ موضوع آخر مباین لموضوع دلیل المحکوم بالعموم من وجه، فهو لایورث الحکومة فی هذه المسألة، کما هو الظاهر جدّاً.
وهذا هو الظاهر من «الکفایة» و «تهذیب الاُصول» وإن کانا غافلین عن لازم مرامهما؛ من إنکار کونهما من الاُصول المنتهیّة إلی الأحکام الظاهریّة.
ثالثها : وهو الأقرب إلیٰ لسان الأدلّة: أنّ مفادهما تقیید أدلّة حرمة المحرّمات، ونجاسة القذرات الشرعیّة، فکما أنّ نتیجة ملاحظة دلیل حرمة المیتة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 336
ولحم الخنزیر، ودلیل قاعدة الحلّ، هو أنّ المیتة ولحم الخنزیر حلالان حال الشبهة والشکّ، ویکون الحاصل تقیید الأدلّة الأوّلیة بها ـ وهذا من غیر فرق بین الشبهات الموضوعیّة التی یمکن التقیید فیها، والشبهات الحکمیّة التی یأتی فیها الدور المندفع بما تقرّر فی محلّهـ کذلک الأمر عند ملاحظة دلیل النجاسات ودلیل قاعدة الطهارة، فیلزم بناءً علیه طهارة الدم عند الشکّ والشبهة، ویکون هذا مقدّماً علیٰ دلیل الواقع بالضرورة، ویصیر النتیجة الإجزاء؛ لأنّ المأتیّ به ـ بناءً علیه واجد للشرط.
وهذا تقریب جدید للإجزاء غیر التقریبین السابقین، ویمکن إجراؤه فی استصحاب الطهارة والحلّیة أیضاً، إلاّ أنّ قضیّة ما عرفت منّا: أنّه من الأمارات الإبداعیّة الشرعیّة.
ولعمری، إنّ هذا التقریب أقرب إلیٰ اُفق التحقیق من الأوّلین، إلاّ أنّه یختصّ بمثل هذین الأصلین.
وما تریٰ من الالتزام بالحکم الظاهریّ والعذر الشرعیّ، غیر موافق للإنصاف؛ ضرورة أنّ من یأکل لحم الخنزیر وهو لایعلم، لایکون مرتکب الحرام، ومعذوراً، بل هو مرتکب الحلال واقعاً وحقیقة، فهکذا فی جانب النجاسات.
هذا مع أنّه لابدّ لهم من الالتزام بالإجزاء أیضاً؛ ضرورة أنّ دعوی الطهارة والحلیّة، تحتاج إلی المصحّح العقلائیّ، والأثر الواضح المصحّح لذلک هو سقوط الإعادة والقضاء، وأمّا مجرّد الرخصة التکلیفیّة بصورة العبادة فی مقابل توهّم التشریع المحرّم مثلاً، فهو لایکفی مع هذا الادعاء إنصافاً وجدّاً، فکما أنّ رفع المجهول فی حدیث الرفع یحتاج إلی المصحّح، وتصیر النتیجة اختصاص روح
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 337
الحکم بالعالم، کذلک الأمر هنا.
فلاینبغی الخلط بین ما إذا ورد: «من شکّ فی طهارة شیء ونجاسته، تجوز له الصلاة فیه جوازاً تلکیفیّاً» وبین قوله: «کلّ شیء طاهر...» فی ادعاء الطهارة، والحمل والهوهویّة لایصحّ إلاّ مع رعایة أظهر الآثار، وإطلاقه یورث جواز ترتیب مطلق الآثار.
فتحصّل : أنّه علیٰ جمیع الاحتمالات، یشکل الفرار من الإجزاء، وإنّما الاختلاف فی طریق استفادته.
ثمّ إنّ من الاحتمالات وهو رابعها: جعل الطهارة للدم النجس لو کان المشکوک دماً، لا للدم، فإنّه یلزم التهافت بین الحکم الواقعیّ والظاهریّ، ویحتاج إلی الدفع، بخلاف ما إذا کان موضوع الطهارة «الدم النجس» فإنّه لا منع من کون أحد المتقابلین موضوع المتقابل الآخر، کما یکون السطح عارض الجسم التعلیمیّ، والخطّ عارض السطح، وعند ذلک أیضاً یلزم صحّة الإجزاء؛ لأنّ هذه الطهارة واقعیّة، لا ظاهریّة، فإذا ثبت فی الفقه أنّ ماهو الشرط طهارة الثوب، فهی حاصلة. وإذا قلنا: بأنّ هذا شرط، والنجاسة مانعة، یشکل، وحلّه بما عرفت.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 338