المقصد الثانی فی الأوامر

فذلکة الکلام حول الاحتمالات فی اجزاء قاعدتی الحلّ والطهارة···

فذلکة الکلام فی المقام حول الاحتمالات فی اجزاء قاعدتی الحلّ والطهارة

‏ ‏

‏وهی ثلاثة:‏

أحدها :‏ ما اختاره جمع من المنکرین للإجزاء: وهو أنّ مفادهما الحلّیة‏‎ ‎‏والطهارة العذریّة حال الشکّ، ولا یجوز ترتیب آثار الواقع بعد زوال الشکّ. وهذا هو‏‎ ‎‏المراد من «الطهارة والحلّیة الظاهریّتین»‏‎[1]‎‏.‏

ثانیها :‏ ما سلکناه فی هذا المضمار: من أنّ مفادهما جعل الحلّیة والطهارة‏‎ ‎‏علیٰ عنوان مستقلّ‏‎[2]‎‏، فتکونان واقعیّتین، ولیس تقدّمهما علیٰ أدلّة الشرائط‏‎ ‎‏بالحکومة؛ لأنّ معنی «الحکومة» هو التوسعة فی الحکم مع انتفاء الموضوع تکویناً،‏‎ ‎‏کما إذا ورد : ‏«لاسهو لمن أقرّ علیٰ نفسه بالسهو»‎[3]‎‏ فإنّه یورث زوال حکم السهو‏‎ ‎‏عن کثیر السهو؛ بالتضییق فی دائرة دلیل المحکوم تعبّداً، أو إذا ورد: «أنّ الظنّ شکّ»‏‎ ‎‏فإنّه یلتحق به أحکام الشکّ؛ بالتوسعة فی دائرته. وأمّا جعل الطهارة علیٰ موضوع‏‎ ‎‏آخر مباین لموضوع دلیل المحکوم بالعموم من وجه، فهو لایورث الحکومة فی‏‎ ‎‏هذه المسألة، کما هو الظاهر جدّاً.‏

‏وهذا هو الظاهر من «الکفایة» و «تهذیب الاُصول»‏‎[4]‎‏ وإن کانا غافلین عن‏‎ ‎‏لازم مرامهما؛ من إنکار کونهما من الاُصول المنتهیّة إلی الأحکام الظاهریّة.‏

ثالثها :‏ وهو الأقرب إلیٰ لسان الأدلّة: أنّ مفادهما تقیید أدلّة حرمة‏‎ ‎‏المحرّمات، ونجاسة القذرات الشرعیّة، فکما أنّ نتیجة ملاحظة دلیل حرمة المیتة‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 336
‏ولحم الخنزیر، ودلیل قاعدة الحلّ، هو أنّ المیتة ولحم الخنزیر حلالان حال‏‎ ‎‏الشبهة والشکّ، ویکون الحاصل تقیید الأدلّة الأوّلیة بها ـ وهذا من غیر فرق بین‏‎ ‎‏الشبهات الموضوعیّة التی یمکن التقیید فیها، والشبهات الحکمیّة التی یأتی فیها‏‎ ‎‏الدور المندفع بما تقرّر فی محلّه‏‎[5]‎‏ـ کذلک الأمر عند ملاحظة دلیل النجاسات‏‎ ‎‏ودلیل قاعدة الطهارة، فیلزم بناءً علیه طهارة الدم عند الشکّ والشبهة، ویکون هذا‏‎ ‎‏مقدّماً علیٰ دلیل الواقع بالضرورة، ویصیر النتیجة الإجزاء؛ لأنّ المأتیّ به ـ بناءً‏‎ ‎‏علیه واجد للشرط.‏

‏وهذا تقریب جدید للإجزاء غیر التقریبین السابقین، ویمکن إجراؤه فی‏‎ ‎‏استصحاب الطهارة والحلّیة أیضاً، إلاّ أنّ قضیّة ما عرفت منّا: أنّه من الأمارات‏‎ ‎‏الإبداعیّة الشرعیّة.‏

‏ولعمری، إنّ هذا التقریب أقرب إلیٰ اُفق التحقیق من الأوّلین، إلاّ أنّه یختصّ‏‎ ‎‏بمثل هذین الأصلین.‏

‏وما تریٰ من الالتزام بالحکم الظاهریّ والعذر الشرعیّ‏‎[6]‎‏، غیر موافق‏‎ ‎‏للإنصاف؛ ضرورة أنّ من یأکل لحم الخنزیر وهو لایعلم، لایکون مرتکب الحرام،‏‎ ‎‏ومعذوراً، بل هو مرتکب الحلال واقعاً وحقیقة، فهکذا فی جانب النجاسات.‏

‏هذا مع أنّه لابدّ لهم من الالتزام بالإجزاء أیضاً؛ ضرورة أنّ دعوی الطهارة‏‎ ‎‏والحلیّة، تحتاج إلی المصحّح العقلائیّ، والأثر الواضح المصحّح لذلک هو سقوط‏‎ ‎‏الإعادة والقضاء، وأمّا مجرّد الرخصة التکلیفیّة بصورة العبادة فی مقابل توهّم‏‎ ‎‏التشریع المحرّم مثلاً، فهو لایکفی مع هذا الادعاء إنصافاً وجدّاً، فکما أنّ رفع‏‎ ‎‏المجهول فی حدیث الرفع یحتاج إلی المصحّح، وتصیر النتیجة اختصاص روح‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 337
‏الحکم بالعالم، کذلک الأمر هنا.‏

‏فلاینبغی الخلط بین ما إذا ورد: «من شکّ فی طهارة شیء ونجاسته، تجوز له‏‎ ‎‏الصلاة فیه جوازاً تلکیفیّاً» وبین قوله: ‏«کلّ شیء طاهر...»‎[7]‎‏ فی ادعاء الطهارة،‏‎ ‎‏والحمل والهوهویّة لایصحّ إلاّ مع رعایة أظهر الآثار، وإطلاقه یورث جواز ترتیب‏‎ ‎‏مطلق الآثار.‏

فتحصّل :‏ أنّه علیٰ جمیع الاحتمالات، یشکل الفرار من الإجزاء، وإنّما‏‎ ‎‏الاختلاف فی طریق استفادته.‏

‏ثمّ إنّ من الاحتمالات وهو رابعها: جعل الطهارة للدم النجس لو کان‏‎ ‎‏المشکوک دماً، لا للدم، فإنّه یلزم التهافت بین الحکم الواقعیّ والظاهریّ، ویحتاج‏‎ ‎‏إلی الدفع، بخلاف ما إذا کان موضوع الطهارة «الدم النجس» فإنّه لا منع من کون‏‎ ‎‏أحد المتقابلین موضوع المتقابل الآخر، کما یکون السطح عارض الجسم التعلیمیّ،‏‎ ‎‏والخطّ عارض السطح، وعند ذلک أیضاً یلزم صحّة الإجزاء؛ لأنّ هذه الطهارة‏‎ ‎‏واقعیّة، لا ظاهریّة، فإذا ثبت فی الفقه أنّ ماهو الشرط طهارة الثوب، فهی حاصلة.‏‎ ‎‏وإذا قلنا: بأنّ هذا شرط، والنجاسة مانعة، یشکل، وحلّه بما عرفت.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 2)صفحه 338

  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1: 303 ـ 304، منتهی الاُصول 1: 256، محاضرات فی اُصول الفقه 2: 256 ـ 257.
  • )) تقدّم فی الصفحة 328 ـ 330 .
  • )) وسائل الشیعة 8: 329 کتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فیالصلاة، الباب 16، الحدیث 8 .
  • )) کفایة الاُصول: 110، تهذیب الاُصول 1: 192 ـ 193.
  • )) یأتی فی الجزء السادس : 117 ـ 118 .
  • )) أجود التقریرات 1: 199، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1: 303 ـ 304.
  • )) المقنع: 15، مستدرک الوسائل 2: 583 .