المقصد الرابع فی المفاهیـم

الجهة الثانیة : فی أنّ نزاع المفهوم صغرویّ أو کبرویّ

الجهة الثانیة : فی أنّ نزاع المفهوم صغرویّ أو کبرویّ

‏ ‏

‏ربّما یستظهر من کلام الأقدمین؛ أنّ النزاع کان فی حجّیة المفهوم‏‎[1]‎‏.‏

‏وقیل : «إنّ البحث عن حجّیته راجع إلی البحث عن حجّیة الظواهر، ویندرج‏‎ ‎‏فی تلک المسألة، والنزاع هنا لیس کبرویّاً، بل یکون حول أنّ القضیّة المشتملة علی‏‎ ‎‏الخصوصیّة والقید لها المفهوم، أم لا، فیکون النزاع صغرویّاً»‏‎[2]‎‏.‏

‏واختار السیّد البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‏ من المتأخّرین کبرویّة النزاع؛ لما مرّ منه من أنّ‏‎ ‎‏الکلام فی هذا الفنّ حول المفاهیم غیر المستندة إلی الوضع وإحدی الدلالات،‏‎ ‎‏فیکون خارجاً عن بحوث الظواهر، ویرجع إلی دلالة فعل المتکلّم المختار المرید ـ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 8
‏الذی أخذ فی کلامه الخصوصیّة والقید ـ علی الانتفاء عند الانتفاء‏‎[3]‎‏.‏

‏وکأنّه ‏‏قدس سره‏‏ تحفّظاً علیٰ ما أخذه موضوعاً للعلم، اعتبر کبرویّة النزاع، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏خروج هذا المقصد من علم الاُصول.‏

‏وأمّا المتأخّرون فلا یضرّهم البحث الصغرویّ؛ ضرورة أنّ المفهوم بعد ثبوته‏‎ ‎‏یصحّح الکبری لقیاس الاستنتاج، وحجّة بالحمل الشائع علی المسألة الفرعیّة.‏

‏والذی هو التحقیق هو التفصیل، فما کان من المفاهیم مستفاداً من إثبات‏‎ ‎‏العلّیة التامّة المنحصرة فی جانب المنطوق، فذلک المفهوم حجّة، ولیس مندرجاً فی‏‎ ‎‏بحث الظواهر؛ لأنّها محلّ الخلاف حجّیتها، بخلاف هذا المفهوم، فإنّ حجّیته قطعیّة،‏‎ ‎‏ولیست قابلة للخلاف؛ للزوم الخلف کما هو الواضح.‏

‏بل حجّیة المفهوم فی هذا الفرض لیست قابلة للسلب، بخلاف حجّیة القطع،‏‎ ‎‏فإنّها قابلة للسلب، کما تحرّر منّا فی بحوث الإجزاء‏‎[4]‎‏، ویأتی فی محلّه‏‎[5]‎‏ وأنّ ما‏‎ ‎‏اشتهر «من أنّ حجّیة القطع ذاتیّة»‏‎[6]‎‏ ممّا لا أساس له.‏

‏نعم، حجّیة المفهوم بعد کون المنطوق دلیلاً علی علّیة الشرط للجزاء علّیة‏‎ ‎‏تامّة منحصرة لیست قابلة للسلب.‏

وأمّا دعویٰ :‏ أنّها ذاتیّة، فهی غیر صحیحة حسب الاصطلاحات فی إطلاقات‏‎ ‎‏«الذاتیّ» فی أبواب الإیساغوجی والبرهان. هذا هو القسم الأوّل من المفاهیم.‏

‏وأمّا الطائفة الثانیة منها، فهی التی تستفاد من المنطوق حسب الأفهام العرفیّة،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 9
‏من غیر دلالة المنطوق علی العلّیة التامّة المنحصرة، فهذه تکون قابلة للجعل،‏‎ ‎‏وتکون قابلة للخلاف، ولیست مندرجة فی الظواهر بنحو الإطلاق، فلایکفی النزاع‏‎ ‎‏الآتی فی الظواهر‏‎[7]‎‏ عن هذا النزاع.‏

مثلاً :‏ إذا قلنا؛ بأنّ للجملة المغیّاة مفهوماً، والمفهوم مستفاد من أخذ الغایة‏‎ ‎‏عرفاً، فهو لیس من أنحاء مدالیل الکلام حتّیٰ یکون من الظواهر کما عرفت، بل هو‏‎ ‎‏ربّما یستند إلیٰ بعض الجهات الاُخر، مثل اللغویّة، واللالغویّة، فلابدّ من عقد البحث‏‎ ‎‏عن حجّیته بعد فرض ثبوته، ولایکفی مجرّد ثبوته، فهناک نزاعان:‏

أحدهما :‏ صغرویّ؛ وهو أنّ للجملة الشرطیّة والوصفیّة مفهوماً، أم لا؟‏

ثانیهما :‏ صغرویّ وکبرویّ من جهتین؛ صغرویّ لأجل البحث عن أصل‏‎ ‎‏وجود المفهوم للغایة، وکبرویّ لأجل البحث عن حجّیته بعد ثبوته؛ لأنّه ربّما‏‎ ‎‏لایکون من اللازم البیِّن، بل یکون من مدالیل الکلام حسب المتعارف فی محیط‏‎ ‎‏التقنین.‏

‏نعم، کما لایکون النزاع عن حجّیة الظواهر من النزاع العقلائیّ؛ لوضوحها،‏‎ ‎‏کذلک الأمر هنا، فلا تخلط.‏

‏وهناک طائفة ثالثة: وهی المفاهیم الموافقة، فإنّ النزاع فیها مثل الطائفة الثانیة‏‎ ‎‏أیضاً، کما تریٰ.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ فی الطائفة الثانیة أیضاً یرید القائل بالمفهوم إثبات‏‎ ‎‏انحصار موضوع الحکم بما فی المنطوق، ونتیجة ذلک سلب سنخ الحکم عن‏‎ ‎‏الموضوعات الاُخر، فتدبّر.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 10

  • ))لاحظ نهایة الاُصول : 295 .
  • ))محاضرات فی اُصول الفقه 5 : 59 .
  • ))نهایة الاُصول : 293 ـ 295 .
  • ))تقدّم فی الجزء الأوّل : 301 .
  • ))یأتی فی الجزء السادس : 25 ـ 27 .
  • ))فرائد الاُصول 1 : 4 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 6، نهایة الدرایة 3 : 18 .
  • ))یأتی فی الجزء السادس : 301 ـ 303 و 315 ـ 324 .