المبحث الأوّل فی القضیّة الشرطیّة
وأنّها هل تدلّ علی الانتفاء عند الانتفاء، أم لا، أو تکون هی مختلفة؛ فمنها: ما یدلّ، ومنها: ما لا یدلّ، ویکون منشأ الاختلاف والتفصیل تارة: الوضع والدلالة الوضعیّة والمعانی الحرفیّة المستندة إلیٰ أدوات الشروط، فیدلّ مثل «إن» مثلاً، دون «إذ» و «إذا» واُخریٰ: مقدّمات الإطلاق، فإنّه ربّما لاتکون الجملة الشرطیّة مفیدة؛ لعدم الإطلاق لها واُخریٰ تصیر مفیدة فی موضوع آخر؛ لکونها فی مقام البیان مثلاً؟ وجوه، بل أقوال.
وقبل الخوض فی التقاریب الممکنة التی استند إلیها فی دلالة القضیّة علی المفهوم، لابدّ من الإشارة إلیٰ نکتة: وهی أنّ الذی یتوقّف علیه القول بالمفهوم أحد أمرین علیٰ سبیل منع الخلوّ :
أحدهما : إثبات أنّ الموضوع المأخوذ فی الدلیل منحصراً موضوع للحکم، ولایکون شیء آخر موضوعاً، ولایقبل الشیء الآخر أن ینوب مناب جزء الموضوع وقیده، فیکون الموضوع فی قولک: «إن جاء زید فأکرمه» «زیداً الجائی» ولایکون عمرو الجائی ولا زید المتلوّن بخصوصیّة اُخریٰ موضوعاً، فإنّه إذا ثبت
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 19
ذلک یثبت المفهوم بالضرورة.
ثانیهما : إثبات أنّ الخصوصیّة المذکورة فی مثل القضیّة الشرطیّة والوضعیّة أو بعض آخر منها هی العلّة التامّة المنحصرة للحکم المذکور فی القضیّة، وتصیر النتیجة ـ حسب مذهب العدلیة من اقتضاء الحکم علّة ومصلحة وسبباً ـ انتفاء سببیّة الاُمور الاُخر لوجوب الإکرام، فیکون منتفیاً بانتفاء الموضوع، أو بانتفاء تلک الخصوصیّة والعلّة، ولا تنوب منابها علّة أو علل اُخریٰ ولو اجتمعت ألف مرّة.
وغیر خفیّ : أنّ بذلک التقریب تظهر اُمور :
أحدها : ما توهّمه بعض المعاصرین؛ من أنّ المفهوم یدور مدار الحصر المستفاد من القضیّة المشترک فیها جمیع القضایا، فإنّه بمعزل عن التحقیق؛ ضرورة أنّ مصبّ الحصر مختلف، فإنّ حصر الموضوع بالموضوعیّة أمر، وحصرَ العلّة الخارجة عن الموضوع أمر آخر، کما هو الواضح.
ثانیها : من الأعلام رحمهم الله من أرجع القضایا الشرطیّة إلی القضایا البتّیة، متخیّلاً بعض المناسبات، ومدّعیاً أنّه مقتضی الفهم العرفیّ، وقد تحرّر منّا فی محلّه خلافه، والتفصیل فی محلّه.
والذی هو المقصود هنا: أنّ رجوع القضیّة الشرطیّة إلی البتّیة وعدمها، لایورث سقوط النزاع فی القضیّة الشرطیّة، بل من أرجعها إلیها لابدّ وأن یدّعی حصر الموضوع بعد الإرجاع، ولایجوز له استظهار العلّیة من القضیّة الشرطیّة، ثمّ إرجاعها إلی البتّیة، کما لایخفیٰ.
ومن الغریب أنّه قدس سره مع إصراره فی الرجوع المذکور، استظهر من القضیّة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 20
الشرطیّة ـ بما لها من الخصوصیّات ـ بعض مقاصده، وبعضَ الجهات اللاّزمة فی ثبوت المفهوم لها، والأمر بعدما عرفت، سهل لا غبار علیه.
ثمّ إنّ من ثمرات رجوع القضیّة الشرطیّة إلی البتّیة الحقیقیّة؛ إنکارَ المفهوم وإثباته، فإنّ من الممکن دعوی المفهوم للقضیّة الشرطیّة؛ بدعویٰ أنّ الشرط والجزاء، یورث العلّیة والانحصار بضمّ بعض المقدّمات الاُخر، وأمّا القضیّة الوضعیّة وأمثالها فلاتدلّ علی المفهوم، ولذلک کان اشتمالها علی المفهوم، أقربَ عندهم من سائر القضایا.
ثالثها : أنّ من القضایا ما لیست شرطیّة، ولکنّها فی حکمها، کقوله تعالیٰ: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ» بناءً علیٰ کون جملة «تُطَهِّرُهُمْ» جزاءً فالجهة المبحوث عنها أعمّ منها، کما لایخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 21