المقصد الرابع فی المفاهیـم

المبحث الأوّل فی القضیّة الشرطیّة

المبحث الأوّل فی القضیّة الشرطیّة

‏ ‏

‏وأنّها هل تدلّ علی الانتفاء عند الانتفاء، أم لا، أو تکون هی مختلفة؛ فمنها:‏‎ ‎‏ما یدلّ، ومنها: ما لا یدلّ، ویکون منشأ الاختلاف والتفصیل تارة: الوضع والدلالة‏‎ ‎‏الوضعیّة والمعانی الحرفیّة المستندة إلیٰ أدوات الشروط، فیدلّ مثل «إن» مثلاً، دون‏‎ ‎‏«إذ» و «إذا» واُخریٰ: مقدّمات الإطلاق، فإنّه ربّما لاتکون الجملة الشرطیّة مفیدة؛‏‎ ‎‏لعدم الإطلاق لها واُخریٰ تصیر مفیدة فی موضوع آخر؛ لکونها فی مقام البیان مثلاً؟‏‎ ‎‏وجوه، بل أقوال.‏

‏وقبل الخوض فی التقاریب الممکنة التی استند إلیها فی دلالة القضیّة علی‏‎ ‎‏المفهوم، لابدّ من الإشارة إلیٰ نکتة: وهی أنّ الذی یتوقّف علیه القول بالمفهوم أحد‏‎ ‎‏أمرین علیٰ سبیل منع الخلوّ :‏

أحدهما :‏ إثبات أنّ الموضوع المأخوذ فی الدلیل منحصراً موضوع للحکم،‏‎ ‎‏ولایکون شیء آخر موضوعاً، ولایقبل الشیء الآخر أن ینوب مناب جزء‏‎ ‎‏الموضوع وقیده، فیکون الموضوع فی قولک: «إن جاء زید فأکرمه» «زیداً الجائی»‏‎ ‎‏ولایکون عمرو الجائی ولا زید المتلوّن بخصوصیّة اُخریٰ موضوعاً، فإنّه إذا ثبت‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 19
‏ذلک یثبت المفهوم بالضرورة.‏

ثانیهما :‏ إثبات أنّ الخصوصیّة المذکورة فی مثل القضیّة الشرطیّة والوضعیّة‏‎ ‎‏أو بعض آخر منها هی العلّة التامّة المنحصرة للحکم المذکور فی القضیّة، وتصیر‏‎ ‎‏النتیجة ـ حسب مذهب العدلیة من اقتضاء الحکم علّة ومصلحة وسبباً ـ انتفاء سببیّة‏‎ ‎‏الاُمور الاُخر لوجوب الإکرام، فیکون منتفیاً بانتفاء الموضوع، أو بانتفاء تلک‏‎ ‎‏الخصوصیّة والعلّة، ولا تنوب منابها علّة أو علل اُخریٰ ولو اجتمعت ألف مرّة.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ بذلک التقریب تظهر اُمور :‏

أحدها :‏ ما توهّمه بعض المعاصرین؛ من أنّ المفهوم یدور مدار الحصر‏‎ ‎‏المستفاد من القضیّة المشترک فیها جمیع القضایا، فإنّه بمعزل عن التحقیق؛ ضرورة‏‎ ‎‏أنّ مصبّ الحصر مختلف، فإنّ حصر الموضوع بالموضوعیّة أمر، وحصرَ العلّة‏‎ ‎‏الخارجة عن الموضوع أمر آخر، کما هو الواضح.‏

ثانیها :‏ من الأعلام ‏‏رحمهم الله‏‏ من أرجع القضایا الشرطیّة إلی القضایا البتّیة، متخیّلاً‏‎ ‎‏بعض المناسبات، ومدّعیاً أنّه مقتضی الفهم العرفیّ‏‎[1]‎‏، وقد تحرّر منّا فی محلّه‏‎ ‎‏خلافه، والتفصیل فی محلّه‏‎[2]‎‏.‏

‏والذی هو المقصود هنا: أنّ رجوع القضیّة الشرطیّة إلی البتّیة وعدمها،‏‎ ‎‏لایورث سقوط النزاع فی القضیّة الشرطیّة، بل من أرجعها إلیها لابدّ وأن یدّعی‏‎ ‎‏حصر الموضوع بعد الإرجاع، ولایجوز له استظهار العلّیة من القضیّة الشرطیّة، ثمّ‏‎ ‎‏إرجاعها إلی البتّیة، کما لایخفیٰ.‏

‏ومن الغریب أنّه ‏‏قدس سره‏‏ مع إصراره فی الرجوع المذکور، استظهر من القضیّة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 20
‏الشرطیّة ـ بما لها من الخصوصیّات ـ بعض مقاصده، وبعضَ الجهات اللاّزمة فی‏‎ ‎‏ثبوت المفهوم لها، والأمر بعدما عرفت، سهل لا غبار علیه.‏

‏ثمّ إنّ من ثمرات رجوع القضیّة الشرطیّة إلی البتّیة الحقیقیّة؛ إنکارَ المفهوم‏‎ ‎‏وإثباته، فإنّ من الممکن دعوی المفهوم للقضیّة الشرطیّة؛ بدعویٰ أنّ الشرط‏‎ ‎‏والجزاء، یورث العلّیة والانحصار بضمّ بعض المقدّمات الاُخر، وأمّا القضیّة الوضعیّة‏‎ ‎‏وأمثالها فلاتدلّ علی المفهوم، ولذلک کان اشتمالها علی المفهوم، أقربَ عندهم من‏‎ ‎‏سائر القضایا.‏

ثالثها :‏ أنّ من القضایا ما لیست شرطیّة، ولکنّها فی حکمها، کقوله تعالیٰ:‏‎ ‎‏«‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ‏»‏‎[3]‎‏ بناءً علیٰ کون جملة ‏‏«‏تُطَهِّرُهُمْ‏»‏‏ جزاءً‏‎ ‎‏فالجهة المبحوث عنها أعمّ منها، کما لایخفیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 21

  • ))فوائد الاُصول 2 : 179 و 482 .
  • ))تقدّم فی الجزء الثالث : 91 ـ 92 .
  • ))التوبة (9) : 103 .