وجوه فی دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم
إذا ظهرت هذه المقالة فلیعلم: أنّ الوجوه التی یمکن أن یتمسّک بها أو تمسّکوا بها کثیرة، لا بأس بذکرها:
الوجه الأوّل : دعوی الدلالة الوضعیّة لأدوات الشرط، أو للهیئة الشرطیّة؛ من کلمة «إن» والشرط، و«الفاء» والجزاء، أو دعویٰ دلالتها علی العلّة واللزوم بالوضع، وعلی الانحصار بالإطلاق علی الوجه الآتی إن شاء الله تعالیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 21
ولایحتاج إفسادها وإبطالها إلیٰ تجشّم الاستدلال، وإقامة السلطان والبرهان، والرجوع إلیٰ موارد الاستعمالات تعطی خلافه؛ ضرورة إمکان کون القضیّة الشرطیّة من القضیّة الاتفاقیّة، ومن القضیّة المشتملة علی المتضایفین، ومعلولی علّة ثالثة، ومن البرهان اللمّی والإنیّ، فیکون الشرط معلول الجزاء، وکلّ ذلک شاهد علیٰ عدم اقتضاء الأدوات لشیء ممّا ذکر مطلقاً.
وتوهّم وضعها لإفادة العلّیة المنحصرة إلاّ مع القرینة، وفی القضایا المزبورة تکون القرینة موجودة، لا یرجع إلیٰ محصّل، ویکون مجرّد تخیّل کما لایخفیٰ.
الوجه الثانی : دعوی انصراف أدوات الشرط وهیئة القضیّة إلی العلّة المنحصرة. وتوهّم امتناع الانصراف فی المعانی الحرفیّة؛ لأنّها جزئیّة، فی غیر محلّه کما تریٰ.
ولکنّ الشأن فی أنّها دعویٰ بلا بیّنة ولا برهان، بل یأباها القیاس والسلطان حسبما عرفت من شهادة الوجدان فیما مرّ، فتدبّر.
وربّما یتخیّل الانصراف؛ لأجل الأکملیّة.
وفیه : منع للصغریٰ والکبریٰ :
أمّا الثانیة فواضحة.
وأمّا الاُولیٰ؛ فلأنّ انحصار العلّة لایوجب الأکملیّة واشتداد الربط، لأنّه أمر خارج عن حدّ العلّیة کما تریٰ.
الوجه الثالث : دعوی التفصیل بین الأدوات والقضایا، فما کانت مصدّرة بمثل «إذ» و«إذا» وکلّ حرف من الحروف الشرطیّة المشتملة علی التوقیت المسمّاة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 22
بـ «الشرطیّة الموقّتة» فهی لاتفید؛ ضرورة أنّ موارد استعمالاتها تأبیٰ عن ذلک، ولأجله تریٰ استعمالها فی القضایا الاتفاقیّة، فلایقال: «إن کان الإنسان کذا فکذا» بل المثال المعروف هو «أنّه إذا کان الإنسان کذا فکذا».
وهکذا فی الموارد الاُخر، مثل ما فی الأخبار «إذا قصّرت أفطرت» وبالعکس، و«إذا صلحت النافلة تـمّـت الفریضة» وهکذا ممّا لایکون الشرط علّة الجزاء.
وبالجملة : هذه الأدوات لاتفید التعلیق والاشتراط، بل هی ـ حسب أخذ التوقیت فی معانیها ـ تفید أنّ الحکم المذکور یکون فی وقت المجیء، وتکون الجملة الاُولیٰ وهی قوله: «إذا جاء» لإفادة وقت الإکرام، لا تعلیق وجوب الإکرام علی المجیء.
وبعبارة اُخریٰ : الحکم فی القضایا الشرطیّة الموقّتة مفروض الموضوع؛ وأنّ الموضوع یتحقّق فیما بعد، وأنّ زیداً یجیء، فیکون وجوب الإکرام قطعیّاً، ولکنّ ظرف الإکرام وقت المجیء من غیر تعلیق.
وإن شئت قلت : أداة الشرط مختلفة، فمثل «لو» تفید التعلیق، ولکنّه تعلیق فرضیّ، ویمتنع تحقّق التالی، أو هی لإفادة الامتناع الذاتیّ، أو الغیریّ، أو الادعائیّ.
ومثل «إذ» وأمثالها لاتفید التعلیق، بل تکون بیاناً لموضوع الحکم؛ وأنّ ظرف ذلک الإکرام وقت المجیء وإن کان الموضوع بحسب اللبّ مقیّداً، ولکن بحسب الظاهر لایفید تعلیق الحکم علی القید؛ لما فرض موجودیّته.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 23
ومن ذلک القبیل قولهم علیهم السلام: «إذا کان الماء قدر کرّ...» فإنّه لیس فی موقف أنّ عدم التنجیس معلّق علی الکرّیة، وکأنّه یرجع القضیّة إلی اللقب، وهو «أنّ الکرّ لاینجّسه شیء» ومنه قوله تعالیٰ: «إذَا جَاءَ نَصْرُ الله ِ ...».
ومثل «إن» وأخواتها موضوعة حسبما فی الکتب النحویّة، لظرف الشکّ فی تحقّق الجملة الاُولیٰ؛ وأنّه یکون المتکلّم فی الطائفة الاُولیٰ عالماً بعدم وقوع الشرط، وفی الطائفة الثانیة عالماً بتحقّق الشرط، وأمّا فی الأخیرة فهو شاکّ، فیعلّق الحکم علی الشرط، والمستفاد من التعلیق هو الانتفاء عند الانتفاء.
أقول : للنظر فی هذه المقالة مجال واسع، وقد کنّا فی سالف الزمان مصرّین علی اختلاف أدوات الشرط بحسب لوازم معناها، ولیس کلّها علیٰ نهج واحد، کما یظهر من أهل الأدب، ویترتّب علیه بعض المسائل الفقهیّة:
ومنها : أنّ قوله تعالیٰ: «یَا أیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إذَا نُودِیَ لِلصَّلٰوةِ...» لیس فی مقام إفادة اشتراط الوجوب، بل هو فی موقف إفادة أنّ صلاة الجمعة المفروض تحقّقها خارجاً، یکون وقت الإقامة وقتَ النداء، ولیس معناه أنّه إذا لم یکن نداء فلا وجوب، کما توهّمه جماعة، والتفصیل فی محلّه، ومن شاء حقیقة الأمر فلیراجع تفسیرنا عند قوله قوله تعالیٰ: «وَإذَا قِیلَ لَهُمْ لاَتُفْسِدُوا...».
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 24
ولکن الشأن هنا؛ أنّ قضیّة التقریب المزبور لیست المفهوم والانتفاء عند الانتفاء؛ لعدم استفادة حصر المعلّق علیه بما هو المذکور فی القضیّة.
نعم، یترتّب علیها أنّ الشرط والقید المأخوذ فی الجملة الاُولیٰ، دخیل فی ترتّب الحکم وتحقّق الوجوب، ولیس من قبیل الاتفاقیّات وما یشبهها ممّا مرّ.
وسیأتی أنّ أصل الدخالة کما یمکن استفادته من الأداة، یمکن استفادته من الأمر الآخر؛ وهو کون الجزاء حکماً وقضیّة إنشائیّة، والشرط علیٰ هذا یکون موضوعاً وعلّة، وتکون العلّة المزبورة والقید المذکور بالنسبة إلی الحکم وترتّبه دخیلاً ومتقدّماً، ولایعقل أن یکون مفاد الجزاء علّة لمفاد الشرط؛ لعدم إمکان کون الحکم علّة موضوعه مثلاً.
وبعبارة اُخریٰ : لاتکون القضیّة التی جزاؤها حکم إنشائیّ لا إخباریّ متشکّلاً من الاتفاقیّات أو المتلازمین أو المتضایفین، بخلاف ما إذا کان الجزاء إخباریّاً، فإنّه قابل لأن یتحقّق ویتشکّل من جمیع المذکورات، فلاحظ وتدبّر جیّداً.
الوجه الرابع : دعوی استفادة حصر الموضوع أو حصر العلّیة من إطلاق أداة الشرط أو إطلاق هیئة القضیّة، قیاساً بما مرّ فی بحوث الأوامر: من أنّ المنسبق من إطلاقها هو الواجب العینیّ النفسیّ التعیینیّ، من دون اقتضاء وضع إیّاه.
وما فی «الکفایة» وغیره: «من أنّ مقدّمات الإطلاق لاتتمّ بالنسبة إلیهما؛ لکونهما من المعانی الحرفیّة، لأنّ الإطلاق فرع إمکان التقیید» خالٍ من التحصیل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 25
من جهات محرّرة فی المسائل مراراً.
فمنها : أنّ الإطلاق المستند فی الأوامر والمقصود هنا، لیس الإطلاق المصطلح علیه فی أبواب المطلق والمقیّد، وقد مرّ منا تفصیله.
وإجماله : أنّ المراد من «الإطلاق» هنا هو الإلقاء والاستناد إلی القرینة العدمیّة العامّة لتعیین أحد القسمین وهو الوجوب النفسیّ... إلی آخره، لأنّ الجامع غیر مقصود بالضرورة، بخلاف الإطلاق المصطلح علیه فی محلّه، فإنّ مصبّه الجامع بین الأقسام، وثمرته رفض الأقسام، لاتعیین أحد الأقسام.
ومنها : أنّ إمکان التقیید لیس من شرائط صحّة التمسّک بالإطلاق، وقد مرّ تفصیله فی بحوث التعبّدی والتوصّلی.
ومنها : أنّ المعانی الحرفیّة قابلة للتقید الحالیّ، دون الذاتیّ الصنعیّ، کما یقیّد الأعلام الشخصیّة وسائر الجزئیّات الخارجیّة، وقد مرّ تفصیله فی تلک البحوث، وفی مسألة رجوع القید إلی الهیئة فی الواجب المشروط والمطلق.
ومنها : أنّ الحاجة إلی مقدّمات الحکمة هنا ممنوعة، کما فی الأوامر والنواهی، فاغتنم.
وبالجملة : ماهو الحجر الأساس ؛ أنّ الخلط بین الإطلاقین فی مباحث الأمر والمطلق والمقیّد، یوجب الانحرافات الکثیرة کما تریٰ.
وعلیٰ هذا، یتمّ الاستدلال المزبور، فإنّ المستدلّ یرید من «الإطلاق» ذلک، فما فی «تهذیب» الوالد ـ مدّظلّه ـ أیضاً لایخلو من التأسّف، مع توجّهه إلیٰ بعض
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 26
هذه المذکورات.
ولکنّ الشأن؛ أنّ الکلام فی المقیس علیه تامّ، بشهادة العرف والوجدان. وأمّا فی المقیس فلا؛ لعدم وجود القرینة العامّة العدمیّة علیٰ أنّ الشرط علّة منحصرة للجزاء، کما هو الظاهر الواضح.
والخامس : أنّ استفادة المفهوم فرع إثبات اُمور، لو أمکن المناقشة فی بعض منها یختلّ المقصود:
أحدها : إثبات أنّ القید المأخوذ فی المقدّم، یکون دخیلاً فی موضوع الحکم، أو فی ثبوت الحکم علیٰ موضوعه، والمتکفّل لذلک أوّلاً: حکم العقلاء بأنّ الأصل فی القیود أنّها احترازیّة، ولا تکون لغواً، وتکون دخیلة.
وثانیاً : أنّ کون التالی قضیّة إنشائیّة وحکماً شرعیّاً، یوجب کون القید المزبور، ظاهراً فی دخالته فی موضوع الحکم المذکور فی التالی؛ إن رجعت الشرطیّة إلی البتّیة، أو فی علّة ثبوت الحکم علیٰ موضوعه المزبور فی المقدّم، وإلاّ فربّما لایکون بین المقدّم والتالی دخالة موضوعیّة، أو علّیة فی القضایا الإخباریّة، فبما أنّ القضیّة الشرطیّة شرعیّة متکفّلة للحکم الإلهیّ، تکون ظاهرة فی أنّ القید المأخوذ فی المقدّم دخیل علی الوجهین المزبورین.
ثانیها : إثبات أنّ الارتباط الموجود بین المقدّم والتالی، یکون من قبیل الارتباط بین العلّة التامّة والمعلول، فلو کان الربط من قبیل الارتباط الإعدادیّ، فلایثبت المقصود والمدّعیٰ بالضرورة. والمتکفّل لذلک ـ أی لإثبات عدم الشریک، وأنّ الربط یکون علیٰ وجه العلّیة التامّة، ولو کان علیٰ وجه الارتباط الناقص والإعدادیّ، لکان یحتمل وجود الشریک المعانق معه فی حصول المعلول، وبالجملة المتکفّل له ـ هو الإطلاق بعد کون المتکلّم فی مقام البیان أوّلاً.
وثانیاً : کون الحکم الإنشائیّ مفاد التالی یوجب أن یکون الربط تامّاً، وإلاّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 27
یلزم ما فی حکم اللغویّة؛ لأنّ أخذ القید الناقص وإهمال تمام القیود، یرجع إلیٰ کون القید المزبور أیضاً لغواً فی محیط العقلاء الحاکمین بأنّ القید المزبور دخیل فی الحکم.
وتوهّم عدم جواز التمسّک بإطلاق الشرط لرفع الشریک؛ بدعویٰ أنّ سببیّة الشرط سببیّة عرفیّة، وهی غیر قابلة للجعل، وما هو قابل للجعل یمکن التمسّک بإطلاقه، کما نسب إلی بعض مقاربی العصر، فاسد جدّاً؛ لما عرفت من صحّة التمسّک بالإطلاق الأحوالیّ، مع أنّ موضوعه الأشخاص، ومن صحّة التمسّک بإطلاق الموضوع، مع أنّ کثیراً من الموضوعات عرفیّات غیر مجعولة، والتفصیل فی محلّه.
وبناءً علیٰ هذا، یثبت حسب هذه المقدّمات إلیٰ هنا؛ أنّ المقدّم والتالی لیسا من المتلازمین فی المعلولیّة لثالث، ولا من المتضایفین. ومجرّد إمکان تشکیل القضیّة الشرطیّة منهما، لاینافی کون الأصل العقلائیّ ـ فیما إذا کان التالی حکماً شرعیّاً إنشائیّاً أو حکماً عرفیّاً وقانونیّاً ـ علیٰ أنّ الربط بینهما یکون علیٰ نحو العلّیة والمعلولیّة، ویکون المقدّم علّة، والتالی معلولاً.
وعلیٰ هذا، یثبت ثالث الاُمور التی یجب إثباتها حتّیٰ یثبت المفهوم: وهو کون المقدّم علّة دون التالی.
وبالجملة : لابدّ أوّلاً من إثبات أصل علقة الربط، وثانیاً: أنّ الربط هو الربط العلّی، وثالثاً: أنّ المقدّم هی العلّة التامّة، أو هو تمام الموضوع، ولا شریک له فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 28
الثبوت عند الثبوت.
وإن شئت قلت : لابدّ أوّلاً؛ من إثبات أصل علقة الربط مقابل القضایا الاتفاقیّة.
وثانیاً : إثبات أنّ الربط الموجود ربط عِلّی مقابل الارتباط الثابت بین المتضایفین، ومعلولی علّة ثالثة.
وثالثاً : إثبات أنّ المقدّم علّة ولو کانت ناقصة، مقابل ما إذا کان التالی علّة ناقصة.
ورابعاً : إثبات أنّ المقدّم علّة تامّة مقابل عکسها.
وقد استفدنا کلّ هذه الاُمور الأربعة من الخصوصیّات، والعمدة حکم العقلاء فیما إذا کان التالی حکماً إنشائیّاً.
وأمّا التمسّک بالظهور السیاقیّ؛ وأنّ ما هو المقدّم بالطبع هو المقدّم فی الوضع، فلایخلو من التأسّف. وهذا نظیر التمسّک بـ «الفاء» التی هی للترتّب، فإنّ الترتّب کما یکون فی القضیّة اللزومیّة، یکون فی القضیّة الاتفاقیّة المشتملة علیٰ المقدّم والتالی، ونظیر التمسّک بأنّ جزم الجملة الثانیة بالجملة الاُولیٰ؛ حسب القواعد النحویّة، فکلّ ذلک فی غیر محلّه.
وما هو السبب هو اشتمال القضیّة علی الحکم الإنشائیّ فی التالی؛ ضرورة امتناع کون الحکم علّة لشیء، وضرورة حکم قاطبة العقلاء بأنّ المقدّم وما هو تمام الموضوع لذلک الحکم أو القید المذکور فی المقدّم، علّة تامّة لثبوت الحکم علیٰ موضوعه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 29
فإلیٰ هنا قد فرغنا من عهدة المبادئ التی یتوقّف إثبات المفهوم علیها، ولا وجه لإنکارها، بل فی إنکارها نوع مکابرة للعقل والوجدان.
والذی هو المهمّ فی المسألة، وعلیه یدور اختلاف تقاریب القوم فی المقام، رابعها؛ أی رابع تلک الاُمور فی وجه، أو خامس هذه المبادئ فی وجه آخر؛ وهو إثبات کون المقدّم علّة تامّة منحصرة، وإثبات حصر الموضوع بالمذکور فی المقدّم.
ومن هنا یظهر : أنّ الوجوه التی تمسّکوا بها لیست مختلفة فی تلک المبادئ، ولا یلیق الخلاف فیها، وإنّما الخلاف فی إثبات المبدأ الأخیر والأمر الآخر؛ وهو الحصر، فلا وجه لما یستفاد من ظاهر القوم من اختلاف الأعلام فی کیفیّة استفادة العلّیة المنحصرة من القضیّة الشرطیّة، بل هم مختلفون فی جهة واحدة؛ وهی حصر المقدّم فی العلّیة، بعد اعتراف الکلّ بأصل العلّیة، والأمر سهل.
إن قلت : لا حاجة إلی إثبات علّیة المقدّم للتالی فی استفادة المفهوم؛ ضرورة إمکان ذلک مع کونهما معلولی علّة ثالثة منحصرة، وذلک لأنّ التالی والمقدّم إذا کانا معلولی ثالث، وکان الثالث علّة وحیدة لهما، یلزم من انتفاء المقدّم انتفاء تلک العلّة، ومن انتفاء العلّة انتفاء التالی، ویثبت بذلک الانتفاء عند الانتفاء؛ لما لایعقل أن یکون التالی ثابتاً بعلّة اُخریٰ، لأنّه لا علّة له إلاّ ماهو علّة المقدّم.
مثلاً : إذا نظرنا إلیٰ قولک: «إذا قصّرت أفطرت» یمکن استفادة المفهوم من هذه القضیّة مع کون القصر والإفطار معلولی السفر، فلو کان علّة القصر والإفطار منحصرةً بالسفر، یلزم من انتفاء القصر انتفاء السفر، ومن انتفاء السفر انتفاء الإفطار بالضرورة؛ حسب قانون العلّیة فیکون حکم الإفطار وعدمه دائراً مدار حکم السفر بالواسطة.
نعم، إذا کان للإفطار علّة اُخریٰ لایمکن الحکم بالانتفاء عند الانتفاء؛
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 30
لإمکان ثبوت الإفطار وإن کان القصر منتفیاً .
قلت : نعم، إلاّ أنّ إثبات هذا الحصر فی غایة الصعوبة، بل لا طریق لنا إلیه، وغایة ما یمکن تقریبه ـ کما یأتی ـ إثبات حصر العلّة المذکورة. هذا أوّلاً.
وثانیاً : إنّ القضیّة الشرطیّة إذا کانت مشتملة علی الحکم فی المقدّم والتالی، یمکن أن یکون المقدّم والتالی معلولی علّة ثالثة؛ بمساعدة العرف والعقلاء، وأمّا إذا کان المقدّم من الاُمور التکوینیّة، فما هو المقطوع به عندهم هو أنّ التالی ـ الذی هو حکم معلول المقدّم ـ بمعنیٰ أنّ المقدّم سبب جعل التالی، لا بمعنی الإفاضة والخلق؛ ضرورة أنّ التالی من معالیل المقنّن والمشرّع بعلّیة المقدّم وسببیّته، أو باقتضائه وسنخیّته، کما لایخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 31