تذنیب : حول دلالة بعض الطوائف من القضایا الشرطیّة علی المفهوم
قد عرفت منّا القول بالمفهوم فی بعض الطوائف من القضایا الشرطیّة الشرعیّة، وعلمت أنّ ذلک لایتقوّم بالقول بانحصار العلّیة وإن کان یستفاد منها
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 48
الحصر، إلاّ أنّ المفهوم لایستند إلیه ، بل هما معاً یستفادان من تلک القضیّة.
فعلی هذا نقول : إنّ المنشأ فی التالی فی أمثال تلک القضایا التی لایتحمّل التالی تکرار الطبیعة منتفٍ، سواء کان آلة الإنشاء معانی اسمیّة، أو حرفیّة، فیکون المنشأ کلّیاً أو شخصیّاً.
مثلاً : إذا ورد «إن جاءک زید اقتله» وقلنا إنّ المستفاد منه أنّ کلَّما جاء زید، وکلَّما تحقّق مجیء زید، یتحقّق لزوم قتله، فإنّ المفهوم ثابت، ولاتکون الخصوصیّة الاُخریٰ مقتضیة للوجوب المزبور ولو کان شخصیّاً، فلو اُرید إثبات وجوب القتل عند خصوصیّة اُخریٰ، فهو منفیّ بالمفهوم؛ لما یلزم استناد التالی ـ حسب الظاهر الثابت عرفاً ـ إلیٰ غیر المقدّم فی فرض، مع أنّ الظاهر من القضیّة ثبوت الاستناد فی جمیع الفروض.
وهذا معناه حصر العلّیة بالمجیء، إلاّ أنّ المفهوم دائر مدار ثبوت الإطلاق الأزمانیّ والأفرادیّ، کما فی قوله علیه السلام: «إذا کان الماء قدر کرّ لاینجّسه شیء» فلاحظ وتدبّر جیّداً.
الثالثة : لا شبهة فی سقوط الخلاف إذا کان الحکم فی المفهوم، منتفیاً بانتفاء الموضوع کما مرّ، وأمّا إذا کان الموضوع قابلاً للوجود؛ بحیث لایکون موضوعاً للمنطوق، ولکن یخرج المفهوم عن السالبة بانتفاء الموضوع، فهل حینئذٍ یثبت المفهوم أیضاً، أم لا؟
مثلاً : إذا ورد «إن جاءک زید فاستقبله» فإنّ مفاد المنطوق وجوب الاستقبال عند المجیء الاختیاریّ فرضاً، فإذا لم یجئ فلایعقل الاستقبال، ولکن یمکن إحضاره ومجیئه بإکراه، وعندئذٍ یحصل موضوع المفهوم؛ لإمکان استقباله، فهل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 49
قضیّة المفهوم هنا أیضاً نفی وجوب الاستقبال، أم لا وتکون القضیّة بلا مفهوم، کما کانت من الأوّل؟ وجهان:
من أنّ دلیل المفهوم لایقصر عن شمولها بعد ذلک.
ومن أنّ مقدّمات الإطلاق مشکوک جریانها فی هذه الصورة، وکانت القضیّة فی عدم جریان تلک المقدّمات مثل القضایا السالبة بانتفاء الموضوع، فلاحظ وتدبّر جیّداً.
الرابعة : فی مفهوم قولک «إن جاء زید یجب إکرامه» احتمالان:
أحدهما : کون الموضوع مفروض الوجود ، وهذا ممّا لا کلام فیه.
وثانیهما : کون القضیّة السالبة أعمّ، فهل یثبت المفهوم عند وجود الموضوع، أم لا؟ وجهان.
ودعویٰ : أنّ الفرار من اللغویّة یقتضی الحکم بالمفهوم، وأنّ الموضوع مفروض الوجود، غیر تامّة؛ لإمکان کون القرینة علیٰ عدم فرض الموضوع، شاهداً علیٰ عدم المفهوم رأساً، فلا داعی إلی الإقرار بالمفهوم أوّلاً حتّیٰ یتشبّث بذیل اللغویّة، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 50