تنبیه وتوضیح : فی بیان ثمرة النزاع
ربّما یخطر بالبال السؤال عن ثمرة هذا الخلاف المنسوب إلی القدماء والمتأخّرین.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 57
والذی هو التحقیق : أنّ التعارض إن کان بین المفهوم والمنطوق، یلزم رجوع القید إلی المفهوم، ویستلزم کون کلّ واحد من المنطوقین علّة تامّة للقصر؛ ضرورة أنّ مفاد المنطوق ـ بعد تقیید المفهوم ـ هو أنّ مع خفاء الأذان یقصّر، وإذا لم یخفَ الأذان فلایقصّر، إلاّ إذا خفیت الجدران، فلو کان الواصل إلینا فی الدلیل ذلک، فلا شبهة فی أنّ فهم العرف متعیّن فی القول بأنّ کلّ واحد منهما علّة تامّة، ویکون مفاد المجموع حصر العلّة فیهما لنفی العلّة الثالثة، فلو شکّ فی لزوم القصر عند خفاء الأشجار فیرفع بذلک الإطلاق.
وأمّا علیٰ مسلک المتأخّرین فیلزم رجوعه إلی المنطوق، فیوجب الخلاف فی أنّ الإطلاق المتقیّد به هو الإطلاق المنتهی إلی العلّیة التامّة، أو الإطلاق المنتهی إلی الانحصار، أو بعض الإطلاقات الاُخر، فعلیٰ مسلک القدماء تکون المعضلة منحلّة، وعلیٰ مبنی المتأخّرین یعضل الأمر، ویشکل جدّاً، کما تری من ذی قبل إن شاء الله تعالیٰ.
إن قلت : إرجاع القید إلی المفهوم غیر ممکن عقلاً؛ ضرورة أنّ المفهوم من تبعات المنطوق وحصر العلّة، فلابدّ وأن یلزم أن یتوجّه القید إلی المنطوق المصبّ للإطلاق، وهو محطّ مقدّمات الحکمة، فیکون التعارض بین المنطوقین طبعاً.
قلت أوّلاً : قد علمت أنّ هذا خروج عن فهم العرف، ویشهد له ذهاب القدماء ـ علیٰ ما نسب إلیهم ـ إلیٰ هذه المقالة، والمتّبع هو ذلک جدّاً.
وثانیاً : لایلزم من ورود العلّة الثانیة وهو مثلاً خفاء الجدران، تقیید جانب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 58
المنطوق حسب الاصطلاح فی باب التقییدات، بل هنا أمر آخر: وهو أنّ قضیّة الإطلاق هو انحصار العلّة فی الأذان انحصاراً حقیقیّاً، وبعد ورود الدلیل علیٰ علّیة خفاء الجدران یعلم: أنّ الانحصار إضافیّ، فلایتصرّف فی المنطوق بإیراد قید علیه کسائر الموارد، بل کان مقتضیٰ دلیل المفهوم؛ أنّ المنطوق علّة تامّة منحصرة بانحصار حقیقیّ، ومقتضی الدلیل المقیّد أنّ المنطوق علّة تامّة منحصرة بانحصار إضافیّ، فهذا التقیید یوجب التوسعة فی ناحیة المنطوق، لا التضییق.
فما تخیّله المتأخّرون : من أنّ تقیید المفهوم لابدّ وأن یرجع إلی المنطوق، إن کان یرجع إلیٰ غیر ما ذکرناه، فهو خالٍ من التحصیل.
وإن شئت قلت : قضیّة کلّ واحدة من الشرطیّتین مع قطع النظر عن الاُخریٰ؛ هو کون المقدّم علّة تامّة منحصرة، وإذا قیست إحداهما إلی الاُخریٰ تحصل المعارضة بدواً بین المفهوم والمنطوق، وإذا عالجناهما یحصل التصرّف فی المنطوق بالتقیید الوارد علی المفهوم.
وبعبارة ثالثة : لیس مفاد مقدّمات الإطلاق إلاّ أنّ کلّما تحقّق خفاء الأذان، لابدّ وأن یتعقّبه القصر، من غیر جواز تبدیل مفاد مقدّمات الإطلاق إلیٰ مفاهیم العلّة التامّة المنحصرة، فإنّ فی ذلک إضراراً بحقّ القانون، فإذا کان مفاد المقدّمات المذکورة تلک القضیّة، یکون لها المفهوم حینئذٍ، ویقیّد المفهوم بدواً. ثمّ یستکشف من التقیید أنّ القضیّة کانت هکذا: «کلّما تحقّق خفاء الأذان أو الجدران...» إلیٰ آخرها، فلاحظ وتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 59