الوجوه الموجبة للتصرّف فی الإطلاق المثبت للمفهوم والانحصار
إذا تبیّن محلّ البحث وحدود الخلاف ومعضلة المسألة، فما یمکن أن یکون وجهاً لکون الإطلاق المنتهی إلی إثبات الانحصار والمفهوم، مورد التصرّف دون غیره اُمور:
الأوّل : أنّ استفادة العلّیة للمقدّم بالنسبة إلی التالی، مستندة إلی الوضع أو القرائن الخاصّة، دون الإطلاق ومقدّماته، فیکون التصرّف فیها علیٰ خلاف تلک القرائن التی مرّ تقریبها، فلابدّ وأن یتعیّن التصرّف فی ناحیة الإطلاق المنتهی إلیٰ إثبات الحصر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 64
وفیه أوّلاً : أنّک قد عرفت منّا فی بعض التنبیهات السابقة، إمکان التصریح بالعلّة فی القضیّة الشرطیّة، وهو یورث سقوط القضیّة عن إثبات المفهوم بالقضیّة الشرطیّة، ویشهد علیٰ أنّ استناد التالی إلی المقدّم بالعلّیة، یکون بالإطلاق وعدم التصریح بالعلّة.
وماهو الدلیل الوحید عندی فی استناد التالی فی القضایا الشرطیّة الشرعیّة إلی المقدّم؛ هو کون التالی حکماً إنشائیّاً، لا إخباریّاً، وعلیٰ هذا لیست القرینة المزبورة إلاّ عدم التصریح بالعلّة الواقعیّة.
فتوهّم الدلالة الوضعیّة للأداة والهیئة وغیرها لإثبات أصل العلّیة، غیر راجع إلیٰ المحصّل.
نعم، لو قلنا: بأنّها موضوعة لها یتعیّن ذلک، کما لو قلنا بأنّها موضوعة لإفادة العلّیة المنحصرة الأعمّ من الانحصار الحقیقیّ ـ بناءً علیٰ إمکان مثل ذلک الوضع ـ لایلزم من التصرّف المزبور مجازیّة وتصرّف فی أصالة الحقیقة.
وهکذا إذا قیل: بأنّ مقتضی الانصراف هو انحصار العلّة علی الوجه الأعمّ من الحقیقیّ، فإنّه لایلزم منه القصور فی الانصراف المدّعیٰ فی المسألة، خلافاً لما فی «تهذیب الاُصول» والأمر سهل جدّاً.
وثانیاً : لنا أن نقول؛ بأنّ استفادة العلّیة بالإطلاق دون الانحصار، فإنّه مستند إلی القاعدة العقلیّة، فیتعیّن التصرّف فی ناحیة الإطلاق المنتهی إلیٰ إثبات العلّیة، دون مایثبت به الانحصار.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 65
نعم، من إسقاط العلّیة یلزم سقوط الحصر، کما یأتی الکلام حوله إن شاء الله تعالیٰ.
الثانی : ما فی کلام العلاّمة المحشّی «وهو أنّ رفع الید عن إطلاق الحصر، أهون من رفع الید عن أصل الحصر فتدبّر» انتهیٰ.
وبالجملة : إنّ التصرّف فی أصالة الاستقلال تصرّف فی أصل الحصر، والتصرّف فی أصالة الانحصار تصرّف فی إطلاق الحصر، وفی ذلک الدوران یتعیّن الثانی؛ أخذاً بحفظ الظهورات علیٰ حدّ الإمکان، من غیر أن یکون ذلک خروجاً عن الجمع العقلائیّ.
وفیه : منع الصغریٰ بأنّ التصرّف فی العلّیة والاستقلال، لیس هدماً لأصل الحصر؛ لأنّ القضیّة باقیة علیٰ إفادة الحصر، ویکون مفادها بعد الجمع نفی العلّة الثانیة، کما عرفت فی ابتداء البحث.
وبعبارة اُخریٰ : ترجع القضیّتان إلیٰ قضیّة «إذا خفی الجدران والأذان فقصّر» ولها المفهوم النافی بالضرورة. هذا أوّلاً.
وثانیاً : أنّ التصرّف فی أصالة الاستقلال، لاتوجب الإخلال بمفاد أصالة الحصر؛ وهو أنّ الحکم المذکور فی التالی مستند إلی العلّة الواحدة؛ ضرورة أنّ ذلک محفوظ، لأنّ ترکّبها لاینافی وحدتها، بخلاف التصرّف فی أصالة الانحصار، فإنّه یوجب أن یکون للحکم المزبور علّتان، فتأمّل جیّداً.
وبعبارة اُخریٰ : التصرّف فی أصالة الاستقلال، لایورث حمل الحصر علی الحصر الإضافیّ، بل یکون الحصر باقیاً علیٰ حقیقته، وتکون العلّة ذات جزءین، وأمّا التصرّف فی أصالة الحصر فیوجب حمل الحصر علی الإضافیّ.
الثالث : أنّ مقتضی المکاذبة والتکافح بین المنطوقین؛ هو العلم الإجمالیّ:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 66
بأنّ القضیّتین الشرطیّتین إمّا ترجعان إلی القضیّة الشرطیّة الواحدة المعطوفة ب«الواو» وهو قوله: «إذا خفی الأذان والجدران فقصّر» أو ترجعان إلی القضیّتین المعطوفتین بـ «أو» وهو قوله: «إذا خفی الأذان أو خفیت الجدران فقصّر».
وهذا العلم الإجمالیّ قابل للانحلال؛ لأنّ التصرّف إمّا یقع فی أصالة الحصر، أو فی أصالة الاستقلال، فإن وقع فی أصالة الحصر فهو.
وإن وقع فی أصالة الاستقلال فیلزم منه أیضاً التصرّف فی أصالة الحصر أیضاً بالضرورة؛ لأنّ خفاء الجدران إذا لم یکن مستقلاًّ، فلایعقل الانحصار بالنسبة إلیه، فیتولّد هناک علم تفصیلیّ بالتصرّف فی أصالة الحصر، وشکّ بدویّ فی التصرّف فی أصالة الاستقلال، فیرجع إلیٰ أصالة الإطلاق لحفظ الاستقلال، دون الإطلاق المنتهی إلی إثبات الحصر، کما هو الظاهر.
فبالجملة : قضیّة انحلال العلم الإجمالیّ إلی العلم التفصیلیّ والشکّ البدویّ، هی المحافظة علیٰ أصالة الإطلاق والاستقلال فی ناحیة الشکّ فی التصرّف فی العلّیة التامّة، ویتعیّن التصرّف فی ناحیة الإطلاق وأصالة الانحصار.
أقول : ربّما یقال إنّ هذا العلم التفصیلیّ المتولّد من العلم الإجمالیّ، لایتمکّن من حلّه؛ لما یلزم منه الدور والخلف، کما تحرّر فی بحوث الأقلّ والأکثر، واختار ذلک «الکفایة» هناک، وأیّده الوالد المحقّق ـ مدّظلّه .
نعم، فی بعض الأحیان لا منع من الالتزام بانحلاله حکماً؛ نظراً إلی التفکیک بین الأحکام الواقعیّة والظاهریّة، فیجری الأصل لنفی الزائد بغیر معارض، کما فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 67
الأقلّ والأکثر، وأمّا فیما نحن فیه فلیس النظر إلی إجراء الاُصول العملیّة فی مورد الشکّ البدویّ، بل المقصود هو التمسّک بأصالة الإطلاق العقلائیّة، وهو غیر ممکن.
اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ بناء العقلاء أیضاً علیٰ أصل آخر؛ وهو حمل کلّ کلام علی الإطلاق إلاّ ما اُحرز خلافه.
ولأحدٍ أن یقول: إنّه إحراز أعمّ من الإحراز التفصیلیّ، وفیما نحن فیه کذلک، فتأمّل جیّداً.
والذی هو الأقویٰ فی النظر کما أشرنا إلیه فی ذیل الوجه الثانی؛ هو أنّ تقیید أصالة الاستقلال والتصرّف فیها، لایوجب التصرّف فی أصالة الانحصار، کما أنّ التصرّف فی أصالة الانحصار، لایوجب شیئاً فی أصالة الاستقلال، فلا علم تفصیلیّ وشکّ بدویّ فی المقام.
أمّا الثانی فواضح.
وأمّا الأوّل؛ فلأنّ مفاد مقدّمات الإطلاق المنتهی إلی حصر العلّة، لیس إلاّ أنّ للحکم المذکور فی التالی علّة واحدة، وأمّا أنّ تلک العلّة هل هی خفاء الأذان، أم شیء آخر؟ فهو خارج عن عهدة ذلک الإطلاق وداخل فی عهدة أصالة الإطلاق المنتهی إلیٰ أنّ شخص خفاء الأذان علّة التقصیر.
فما توهّمه القوم : من أنّ التصرّف المزبور یورث التصرّف فی أصالة الانحصار، منشؤه تخیّل أنّ الإطلاق المنتهی إلیٰ أصالة الانحصار، یفید أنّ شخص الخفاء علّة منحصرة، مع أنّ دخالة شخص خفاء الأذان، مستندة إلی الإطلاق المنتهی إلیٰ أصالة الاستقلال.
ویتّضح ما ذکرناه بالنظر إلیٰ أنّ أصالة الانحصار إذا کانت مستندة إلی القاعدة العقلیّة، فکما یکون إثبات أنّ شخص الخفاء علّة تامّة علیٰ عهدة أصالة الاستقلال،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 68
والقاعدة لیست متعرّضة إلاّ لإفادة معنی کبرویّ، کذلک أصالة الانحصار لیست متعرّضة لحدود العلّة الشخصیّة، بل العلّة الشخصیّة مستفادة من الإطلاق الآخر، فافهم واغتنم وتدبّر.
فعلیٰ هذا، من التصرّف فی أصالة الاستقلال یلزم ترکّب العلّة، وتکون أصالة الانحصار باقیة علیٰ حالها، وهو أنّ الحکم المزبور له العلّة الواحدة، وهی بعد التصرّف هی خفاء الأذان والجدران معاً، فتبقیٰ أصالة الانحصار الحقیقیّ باقیة.
وإذا تصرّفنا فی أصالة الانحصار، یلزم انقلاب الانحصار الحقیقیّ إلی الإضافی؛ للزوم کون الحکم المزبور ذا علّتین؛ هما خفاء الأذان، وخفاء الجدران.
ومن هنا یظهر مواضع النظر فی کلمات العلاّمة المحشّی، وتقریرات الکاظمیّ، و«تهذیب الاُصول» وغیره.
وإن شئت قلت : إنّ أصالة الانحصار فی کلّ واحد منهما، تنادی بأنّ العلّة وحیدة، ولا تنادی بأنّ خفاء الأذان علّة وحیدة، وعندئذٍ بالتصرّف فی أصالة الاستقلال، لایلزم التصرّف فی أصالة الانحصار؛ لانحفاظ ندائهما بعد، کما تریٰ.
الرابع : أنّ تقیید العلّة التامّة وجعل الشرط جزء العلّة، یستلزم تقیید الانحصار أیضاً؛ فإنّه لایعقل الانحصار مع کونه جزء العلّة، وهذا بخلاف تقیید الانحصار، فإنّه لایلزم منه تقیید العلّة التامّة کما لایخفیٰ، فیدور الأمر بین تقیید واحد وتقییدین، ومعلوم أنّ الأوّل أولیٰ.
وما فی تقریرات الکاظمیّ رحمه الله: «من أنّ تقیید العلّة التامّة یوجب رفع موضوع
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 69
الانحصار، لا أنّه یوجب تقییداً زائداً، کما مرّ فی تقیید الهیئة والمادّة» غیر متحصّل؛ ضرورة أنّ الانحصار والعلّیة التامّة یمکن أن یثبتا فی عَرْض واحد، ولایصیر أحدهما موضوعاً للآخر.
بل قد عرفت : أنّ معنی الانحصار لیس إلاّ نفی العلّیة للآخر، وربّما لایکون من الأوصاف الثبوتیّة للشیء حتّیٰ یکون له الموضوع المفروض، فلاتخلط.
فالجواب ما عرفت منّا؛ من إنکار أصل لزوم التقییدین من تقیید أصالة الاستقلال.
الخامس : أنّ رتبة تقیید العلّة التامّة متقدّمة علیٰ رتبة تقیید الانحصار؛ لوضوح أنّ کون الشیء علّة منحصرة أو غیر منحصرة، إنّما یکون بعد کون الشیء علّة تامّة، ومقتضیٰ تقدّم الرتبة هو إرجاع القید إلی العلّة التامّة، وجعل الشرط جزء العلّة.
وما فی التقریرات : «من أنّ تقدّم الرتبة لاینفع بعد العلم الإجمالیّ بورود التقیید علیٰ أحد الإطلاقین، ولیس تقدّم الرتبة موجباً لانحلاله کما لایخفیٰ» أیضاً فی غیر محلّه؛ ضرورة أنّ من یتمسّک بهذا الوجه یرید إحیاء الارتکاز بحلّ المشکلة من طریقه، ومن ناحیة العرف بأنّ حکم العقلاء فی أمثال المقام لیس الإجمال، بل العقلاء یرجعون القید إلیٰ أصالة الانحصار، دون الأصل الآخر؛ سواء انحلّ به العلم الإجمالیّ، أم لم ینحلّ؛ فإنّه خروج عن محیطهم، فلیتدبّر.
وإن شئت قلت : نظر المستدلّ تحلیل العلم، وأنّ العرف ـ لأجل تلک الرتبة ـ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 70
یحکم بأنّ أصالة الانحصار متعیّنة للتصرّف، دون أصالة الاستقلال، وبذلک یکشف حدود الإرادة الجدّیة، وأنّ المجعول استقلال کلّ واحد من المقدّمین فی العلّیة.
والذی هو الجواب : أنّ صفة الانحصار إمّا لیست صفة ثبوتیّة، أو لا تکون معلول صفة العلّیة حتّیٰ یتأخّر عنها بالرتبة؛ ضرورة أنّ التأخّر والتقدّم بالرتبة لایتصوّر بین کلّ شیء مع ملازمه، فربّما تعتبر الصفتان المزبورتان معاً للموضوع الواحد، کما عرفت فی الوجه السابق.
السادس : أنّ الموجب لوقوع المعارضة إنّما هو ظهور کلّ من القضیّتین فی الانحصار، دون الاستقلال، فما هو السبب الوحید وما هو منشأ المکاذبة أولیٰ بالتصرّف من غیره.
وبعبارة اُخریٰ : إنّ أصالة الاستقلال فی کلّ واحد منهما، لاتمنع الاُخریٰ، بخلاف أصالة الانحصار، فلا معنیٰ للتصرّف فیما لایوجب المکاذبة، بل یتعیّن التصرّف فیما هو المنشأ لها والسبب المولّد لتلک المعارضة؛ وبذلک تنحلّ المشکلة.
ولایقاومه ما قیل: «من أنّ العلم الإجمالیّ باقٍ علیٰ حاله» لما عرفت أنّ نظر المستدلّ إلیٰ حلّه حسب فهم العقلاء بأنّ من ذلک التقریب یستکشف محطّ التصرّف والتقیید، وینحلّ العلم انحلالاً حقیقیّاً طبعاً.
وإن شئت قلت : مجرّد إمکان رفع المعارضة بالتصرّف فی أصالة الاستقلال لو کان کافیاً؛ بدعوی العلم الإجمالیّ کما ادعوه، لکان لنا أن نقول: بأنّ رفع المعارضة یمکن بالتصرّف فی أصل علّیة المقدّم للتالی، وقد مرّ منّا: أنّ إثبات أصل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 71
العلّیة أیضاً مستند إلی الإطلاق، دون الوضع.
وتصیر النتیجة علیٰ هذا: أنّ قضیّة العلم الإجمالیّ رجوع القید إمّا إلیٰ أصالة الإطلاق المنتهیة إلیٰ إثبات أصل العلّیة، أو إلیٰ أصالة الإطلاق المنتهیة إلی الاستقلال فی العلّیة، أو إلیٰ أصالة الانحصار، ولا مرجّح لکون أحدهما المعیّن مرجعاً للقید المزبور.
ولکن کما أنّ ظهور القضیّة فی أصل علّیة المقدّم بالنسبة إلی التالی ـ الذی هو حکم شرعیّ ـ محفوظ کما عرفت، کذلک ظهور القضیة بالنسبة إلیٰ أصالة الاستقلال محفوظ، ولا موجب لسریان الإخلال إلیه، ولایجوز بعد کون منشأ المکاذبة هو الظهور الثالث لها، وهو ظهورها فی الانحصار، ولایبقیٰ حینئذٍ لدعوی العلم الإجمالیّ محلّ ولا مقام، فافهم وتأمّل تأمّلاً تامّاً؛ فإنّه من مزالّ الأقدام.
وهم ودفع
ربّما یخطر بالبال أن یقال: بأنّ ما یتراءیٰ فی کلماتهم من الإطلاقین ـ الإطلاق المنتهی إلیٰ إثبات العلّیة التامّة، والإطلاق المنتهی إلیٰ إثبات الانحصار ـ أو ثلاثة إطلاقات، أو ثلاث أصالات ـ أصالة العلّیة، أصالة الاستقلال، وأصالة الانحصار ـ أو أکثر من ذلک، کلّه خال من التحصیل، ولیس هناک إلاّ إطلاق واحد ومقدّمات واحدة، منتهیة إلی أنّ الشرط هی العلّة التامّة، ولا شیء آخر یکون علّة.
فکما أنّ فی قولک : «أعتق رقبة مؤمنة» لاتنعقد ثلاث مقدّمات للإطلاق،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 72
ولاتنعقد الإطلاقات الثلاثة أو الأربعة، بل المقدّمات الواحدة تنتج أنّ مطلق العتق واجب، ومطلق الرقبة المؤمنة واجب عتقها، ویکون الوجوب نفسیّاً... إلیٰ آخره، کذلک الأمرهنا، ولایجوز ملاحظة کلّ واحد منها مستقلاًّ، وترتیب المقدّمات الخاصّة المنتهیة إلی إطلاقه مستقلاًّ أیضاً، بل هناک مقدّمات واحدة منتهیة إلی_' ثبوت الإطلاق فیالکلام من کلّ ناحیة؛ من ناحیة الهیئة، والمادّة، والموضوع وغیرها، کما لایخفیٰ.
أقول : هذا فی غایة المتانة بالنسبة إلی المتعلّق والموضوع، وأمّا بالنسبة إلی الحکم فلا؛ وذلک لما تقرّر منّا: من أنّ الإطلاق المتمسّک به لإثبات الوجوب النفسیّ... إلیٰ آخره، غیر الإطلاق المتمسّک به لإثبات أنّ الطبیعة بنفسها تمام الموضوع، ولا شریک ولا بدیل لها، فإنّ الإطلاق الأوّل یرجع إلی الانصراف، والإلقاء بلا قید لایثبت به القسم الخاصّ من الجامع لو کان فی البین جامع، والإطلاقَ الثانی هو الإطلاق المصطلح علیه فی المطلق والمقیّد، المنتهی إلی إثبات أنّ ماهو المتعلّق تمام الموضوع، وماهو الموضوع هو تمام المراد، ولا شریک ولا بدیل فی البین.
وفیما نحن فیه الإطلاق المتمسّک به لإثبات علّیة المقدّم للتالی هو الإطلاق الأوّل، والإطلاق المتمسّک به لإثبات أنّ الشرط والمقدّم تمام الموضوع ولا شریک له هو الثانی، ولاینبغی الخلط بینهما.
وبناءً علیٰ هذا، تکفی المقدّمات الواحدة لإثبات أنّ الشرط والمقدّم تمام الموضوع، ولاشریک له، وبتلک الواحدة یثبت الإطلاق للکلام من کلّ جانب، فلابدّ حینئذٍ من النظر إلی الجانب المنتهی إلی المعارضة فی المقام حتّیٰ یتصرّف فیه.
فلا معنیٰ للعلم الإجمالیّ بورود القید إمّا علی الإطلاق الکذائیّ، أو الإطلاق الکذائی، إمّا بأصالة الاستقلال، أو أصالة الانحصار، بل نعلم بورود القید علی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 73
الإطلاق الواحد المزبور الثابت للکلام الواحد من کلّ جهة شکّ فی إطلاقه، فإذا قامت القرینة الخارجیّة علی الإخلال فی جانب یؤخذ به معیّناً، ولا شبهة فی أنّ ذلک هو الجانب المنتهی إلی المکاذبة والمعارضة، دون غیره.
وبالجملة تحصّل : أنّه إمّا لا معنیٰ للعلم الإجمالیّ، أو علیٰ تقدیر وجوده فهو منحلّ حسب فهم العرف وحکمه؛ بأنّ المرجع للقید هیأصالة الانحصار، دون غیره.
الوجه السابع : أنّ التصرّف فی أصالة الانحصار لایستلزم فساداً، وأمّا التصرّف فی أصالة الاستقلال فیستلزم کون کلّ واحدة من القضیّتین متضمّنة حین الصدور لجزء العلّة، وهو إخلال بالغرض البعید عن ساحة المولیٰ، وإلقاء فی الخلاف. وحمل ذلک علیٰ بعض المصالح حمل علیٰ خلاف الأفهام الابتدائیّة.
وقد مرّ : أنّ الأصحاب رحمهم الله فی موقف استفادة علّیة المقدّم للجزاء علّیة تامّة، قد أقرّوا بهذا الإطلاق، وبنوا علی أنّ إنکاره یوجب الإخلال بالغرض، بخلاف الإطلاق المنتهی إلیٰ إثبات أصالة الانحصار. ولو أمکن المناقشة فی هذا الأخیر، ولکن الإنصاف أنّ المحصول منه ومن الوجه السادس؛ هو تعیین التصرّف فی أصالة الانحصار، فلاحظ واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 74