الجهة الثانیة : فی المسبّبات
لو فرضنا إمکان صدور الأمر الثانی تأسیساً، وإمکان کونهما فی حال المقارنة مستقلّین، فلا شبهة فی تداخل المسبّبات؛ ضرورة أنّ تمام ماهو المأموربه بالأمر الثانی عین الأوّل، فإذا امتثله المکلّف فقد أطاع عن الأمرین، وامتثل التکلیفین.
مثلاً : إذا أمر الأب بالتصدّق علیٰ زید بدرهم عند مجیئه، وأمرت الاُمّ بالتصدّق علیه بدرهم عند صلاته مثلاً، فإنّه یتوجّه إلی الابن أمران تأسیّسیان،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 88
ویکفی الامتثال الواحد وإعطاء زید درهماً بالضرورة؛ لأنّه تمام ما یطلبه الأب والاُمّ.
نعم، إن قلنا : بأنّ الإجزاء اختیاریّ فی أمثال المقام أیضاً، کما صوّرناه فی مثل الصلاة المعادة وصلاة الآیات؛ قضاءً لحقّ الأدلّة النافذة لهذا الاعتبار العرفیّ، فیمکن أن یقال بإمکان بقاء الأمر الثانی أو الأوّل بعد الامتثال، ولکنّه خارج عن البحث هنا؛ وهو مسألة إمکان الاکتفاء بالامتثال الواحد وعدمه.
ثمّ إنّ من الممکن دعویٰ عدم حصول الامتثال فی التعبّدیات إلاّ بقصد الأمر، فلو امتثل مرّة بقصد الأمر المعیّن، فلا یتحقّق الامتثال بالنسبة إلی الأمر الثانی.
ولکنّه مضافاً إلیٰ عدم تمامیّة الکبریٰ ، خارج أیضاً عن المقصود بالبحث کما اُشیر إلیه؛ وهو إمکان الامتثال بالواحد عن الاثنین.
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ عبادیّة کلّ واحد من الأمرین تقتضی أن یمتثل مستقلاًّ، وقصدهما معاً یضرّ بکلّ واحد منهما؛ للزوم کونه منبعثاً عن الأمر علیٰ سبیل الجزئیّة، وهو غیر صحیح؛ لأنّ الشرط هو الانبعاث من کلّ واحد من الأمرین علیٰ سبیل العلّیة التامّة، وعلیٰ هذا لابدّ من تکرار الامتثال حتّیٰ یکون مجزیاً عن کلّ واحد من الأمرین، فتأمّل جیّداً، والمسألة واضحة فی محلّها.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 89