الجهة الاُولیٰ : فی الوجوه الدالّة علی التصرّف فی المقدّم أو التالی
إذا تعدّد الشرط والسبب نوعاً واتحد الجزاء، فهل یتعیّن التصرّف فی ظاهر المقدّم، أم یتعیّن التصرّف فی ظاهر التالی؟ بعد العلم الإجمالیّ بلزوم التصرّف فی أحدهما؛ لامتناع بقائهما علیٰ حالهما؛ وهو تعدّد السبب ووحدة المسبّب. مع أنّ إطلاق کلّ واحد من المقدّم والتالی، یقتضی تعدّد السبب فی المقدّم، ووحدة المسبّب فی الجزاء والتالی.
ولأجل ذلک اختلفوا فی هذه المسألة وهی تداخل الأسباب وعدمه، وذکروا وجوهاً لتعیین أحد الظهورین :
الوجه الأوّل : أنّ تعدّد السبب مستند إلی الدلالة الوضعیّة أو ما یقرب منها؛ لأنّ کلّ واحدة من القضیّتین تدلّ علیٰ دخالة الشرط؛ إمّا بالوضع کما مرّ، أو لأجل خصوصیّات نفس القضیّة، ولو کان السبب المقدّم ـ وهو البول مثلاً فی المثال المعروف علّة تامّة، والنوم المتأخّر ساقطاً عن العلّیة، یلزم سقوط القضیّة عن الدلالة بالمرّة، وهو خلاف الأصل، بخلاف التصرّف فی الجزاء، فإنّه بالتصرّف فیه، وتقییدِه علی الوجه الموجب لتعدّده القابل لتعلّق الأوامر الکثیرة به، یتحفّظ علیٰ مفاد الشرط، ولایلزم سقوط دلالتها کما لایخفیٰ، ولاتلزم لغویّتها فی عبارة اُخریٰ.
وإن شئت قلت : إنّ استناد الجزاء إلی الشرط ـ لأجل الإطلاق الراجع إلی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 91
الانصراف والفهم الخاصّ من القضیّة ـ کفهم الوجوب النفسیّ من الأمر، لا الإطلاق المصطلح علیه فی باب المطلق والمقیّد، ووحدة الجزاء مستندة إلی الإطلاق المصطلح علیه فی الباب المزبور، وإذا تعارض الإطلاقان یتعیّن الأوّل؛ لأقوائیّته، ولأنّه لیس من الإطلاق الحاصل من رفض القیود، بل هو ناشئ من المعنی المستند إلیٰ کثرة الاستعمال، واُنس الذهن، وإلی القرینة العدمیّة؛ وهی عدم التعلیل بأمر آخر غیر الشرط، فعندئذٍ یکون السبب المتأخّر باقیاً علیٰ سببیّته الإجمالیّة، ومقتضیٰ ذلک بقاؤه علیٰ علّیته التامّة، فیکون الجزاء متعیّناً للتصرّف.
مع أنّ التصرّف فی الجزاء من التصرّف الشائع وهو التقیید، حتّیٰ بلغ الأمر إلی أن شاع «ما من عامّ إلاّ وقد خصّ».
وغیر خفیّ : أنّ نتیجة هذا التقریب تفصیل بدیع فی المسألة؛ وهو أنّ فی صورة المقارنة یکون السببان متداخلین، وفی صورة التعاقب یکون السبب المتأخّر مؤثّراً؛ وذلک لأنّ فی الصورة الاُولیٰ یکون أصل الاستناد محفوظاً، وفی صورة التعاقب ـ لمکان لزوم إسقاط أصل الاستناد، وطرح الإطلاق المصطلح علیه فی باب الأوامر والنواهی ـ یلزم ثبوت أصل العلّیة والاستناد، وبعد ثبوت ذلک لابدّ من التصرّف فی الجزاء وطرح إطلاقه؛ بأخذ الإطلاق المنتهی إلیٰ إثبات العلّیة التامّة للشرط، حذراً من التالی الفاسد المذکور.
وبعبارة اُخریٰ : بعدما یتعارض الإطلاق المصطلح علیه فی البابین، مع إلاطلاق المصطلح علیه فی باب المطلق والمقیّد، یتقدّم الإطلاق الأوّل، ونتیجة تقدّمه التفصیل بین الصورتین؛ لأنّ فی صورة التقارن یکون الإطلاق المصطلح علیه فی البابـین باقیاً علیٰ حاله، والإطلاق الموجود فی الجزاء أیضاً غیر معارض، وفی صورة التعاقب یکون السبب المتأخّر ـ حسب تقدیم الإطلاق الأوّل ـ باقیاً علیٰ أصل السببیّة، وحیث إنّه لا معنیٰ له لابدّ من تتمیم السببیّة بالإطلاق المصطلح علیه
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 92
فی باب المطلق والمقیّد؛ وأنّ ماهو تمام السبب هو النوم، وعندئذٍ یتعیّن التصرّف فی إطلاق الجزاء، فیکون المأمور به غسل الجمعة والجنابة ومسّ المیّت، أو الوضوء البولیّ والنومیّ، أو غیر ذلک من القیود الممکن تصوّرها.
وهم ودفع
ربّما یمکن أن یقال: إنّ الخطابات المفروضة فی القضیّتین لیست شخصیّة؛ حتّیٰ یقال بلزوم کون الخطاب المتأخّر فی صورة التداخل لغواً والأمرِ بالوضوء إنشاءً محضاً، بل الخطابات حسب التحقیق قانونیّة کلّیة، فلایکون المتأخّر لغواً بعد کون السبب المتأخّر متقدّماً بالنسبة إلی الشخص الآخر، أو بالنسبة إلی المکلّف الواحد فی حال اُخریٰ.
قلت : نعم، إلاّ أنّ الظاهر من کلّ واحدة من القضیّتین ـ حسب الانحلال الحکمیّ، وکونهما من القضایا الحقیقیّة عرفاً وحکماً ـ أنّ کلّ بول یکون سبباً للوضوء، وکلَّ وضوء سبباً للنوم، والتصرّف فی الصدر بإسقاط أصل سببیّة النوم المتأخّر، خلاف هذه القاعدة المستفادة من الإطلاق المصطلح علیه فی البابـین، وأمّا التصرّف فی الذیل بتقییده فخلاف الإطلاق المصطلح علیه فی باب المطلق والمقیّد، فافهم واغتنم، وکن علیٰ بصیرة من أمرک.
وهم آخر ودفع
قال الاُستاذ البروجردیّ قدس سره: «إنّ نظر القوم إلیٰ بیان ما یکون قرینة علیٰ تقیید المتعلّق، مع أنّ عمدة الإشکال إنّما هو فی قابلیّة المتعلّق للتقیّد؛ إذ لا مقیّد فی البین بالبداهة إلاّ ماهو یتوهّم من قید الغیریّة، بأن یکون المتعلّق للوجوب فی کلّ واحد من الخطابین، عبارة عن الوضوء المقیّد بکونه غیر ماهو المتعلّق فی الخطاب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 93
الآخر، وذلک یستلزم نظر کلّ منهما إلی الآخر، ولایمکن الالتزام به.
وبالجملة : لابدّ أوّلاً من إثبات إمکان القول بعدم التداخل، ثمّ البحث فی المسألة فی مقام الاستظهار وتقدیم أحد الإطلاقین علی الآخر، فتدبّر».
أقول : هذا منه فی غیر محلّه؛ لإمکان تعنون الطبیعة بعنوان الشرط، کما فی مثل «إذا أجنبت فاغتسل» و «إذا أدرکت الجمعة فاغتسل» و «إذا مسست المیّت فاغتسل» فإنّه یمکن تقیید کلّ واحد منها بعنوان «الجنابة، والجمعة، ومسّ المیّت» وفیما نحن فیه یکون الأمر بالوضوء فی الأوّل مقیّداً بالوضوء البولیّ، وفی الثانی بالوضوء النومیّ. وهذا کان ـ لشدّة وضوحه ـ مخفیّاً علیه قدس سره.
وأمّا إذا کان السبب متعدّداً بالشخص، فهو یأتی فی الجهة الآتیة المقیّدة لخصوصیّات بحوثه إن شاء الله تعالیٰ.
وأمّا حدیث أخذ العلّة فی المعلول فمـمّا یضحک علیه. وأمّا حدیث أنّ التقیید المزبور مع إطلاق الهیئة یورث وجوب الجنابة ومسّ المیّت، فهو أفحش من سابقه.
الوجه الثانی : بناءً علی التداخل یلزم أن یکون المولیٰ فی حال إنشاء کلّ واحد من القضیّتین مخلاًّ بغرضه، وغیر وافٍ بمطلوبه ومقصوده؛ وذلک لأنّ فی صورة تقارنهما یکون کلّ واحد من السببین جزء العلّة، وقد أخلّ المولیٰ بغرضه حیث جعل کلّ واحد ـ حسب الإطلاق ـ تمامَ العلّة.
وفی صورة التعاقب یکون ماهو السبب مقیّداً بعنوان «التقدّم» أی یکون البول المتقدّم علی النوم علّة وسبباً وهکذا، مع أنّه أخلّ بذلک، وجعل کلّ واحد سبباً
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 94
مستقلاًّ؛ سواء تقارنا ، أو تعاقبا.
وأمّا بناءً علیٰ عدم التداخل فلا یلزم شیء ممّا ذکر إلاّ تقیید الجزاء، وهو أمر رائج دائر فی الفقه من أوّله إلی آخره.
وفیه : أنّ الإخلال المذکور أیضاً یلزم فی ناحیة الجزاء؛ لأنّ المطلوب إذا کان مقیّداً فقد أخلّ به فی صورة الإطلاق.
وتوهّم : أنّ الإخلال بالغرض فی ناحیة الشرط یتکرّر؛ لأنّه فی صورة التقارن قد أخلّ بجعل ماهو الجزء کلاًّ ومستقلاًّ، وفی صورة التعاقب قد أخلّ بجعل ماهو المطلق موضوعاً، مع أنّه مقیّد بصورة النوم المقدّم علی البول، فی محلّه، إلاّ أنّه یتکرّر أیضاً فی ناحیة الجزاء؛ لأنّ المطلوب فی إحدی القضیّتین هو غسل الجمعة، والاُخریٰ هو غسل الجنابة، مع أنّه أخلّ بهما بجعل نفس الطبیعة تمام الموضوع.
ودعویٰ : أنّه یکفی تقیید واحد، غیر مسموعة؛ لما لایعقل بقاء الآخر علیٰ إطلاقه، کما تحرّر فی محله، وتصیر النتیجة تقیید کلّ واحد من الإطلاقین فی الجزاءین، فلارجحان لأحدهما علی الآخر.
هذا مع أنّ کون ذلک من الإخلال بالغرض الذی لابدّ من الفرار منه، حتّیٰ یکون أحدهما راجحاً علی الآخر إذا استلزم أقلّیة الإخلال، محلّ المناقشة والمنع، وترجع المسألة إلیٰ لزوم التقیید الواحد والکثیر، ومجرّد تعدّد التقیید الأکثریّ فی ناحیة الموضوع، لایوجب رجحان تقدیم إطلاق الصدر علی الذیل. ومن هنا یظهر النظر فی الوجه الآتی .
الوجه الثالث : وهو أنّ قضیّة التداخل تقیید کلّ واحد من القضیّتین فی ناحیة الشرط بالقیدین، فیکون مجموع التقییدات أربعة؛ وذلک لأنّ من الالتزام
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 95
بالتداخل یکون کلّ واحد من الشرطین، جزء العلّة والسبب فی صورة التقارن، ویکون کلّ واحد منهما مقیّداً بعدم الآخر فی صورة التعاقب، وإذا لوحظ ذلک بالنسبة إلیٰ کلّ واحد من الدلیلین، یلزم التقییدات الأربعة، وأمّا من الالتزام بعدم التداخل فلایلزم إلاّ التقییدان، کما هو الواضح.
ودعویٰ : أنّه لیس من الواضح تقیید منطوق کلّ واحد بالآخر مستقلاًّ، بل إذا قیّد أحد المنطوقین بالآخر یلزم تقیید المنطوق الآخر بالأوّل، غیر مسموعة؛ ضرورة أنّ من الممکن أن یکون البول جزء العلّة مثلاً، ولایکون النوم مثله، فلابدّ من تقیید کلّ منطوق بمنطوق آخر حتّیٰ یثبت التداخل.
اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّه غیر صحیح للزوم اللغویة؛ ضرورة أنّ النوم مثلاً إذا کان سبباً مستقلاًّ فإن کان هو المقدّم، فیستند إلیه المسبّب، وإذا کان هو المتأخّر والبول متقدّماً، فلا داعی إلی اعتبار جزئیّته للسببیّة، وهکذا فی صورة التقارن، فلایکون إلاّ تقییدان فی ناحیة الصدر أیضاً، کما لایخفیٰ.
الوجه الرابع : ما فی «الکفایة» ولعلّه مأخوذ من «تقریرات» جدّی العلاّمة قدس سره: «وهو أنّ ظهور الجملة الشرطیّة فی کون الشرط سبباً أو کاشفاً عن السبب ومقتضیاً للتعدّد، بیان لما هو المراد من الإطلاق، ولا دوران بین ظهور الجملة فی حدوث الجزاء وظهور الإطلاق؛ ضرورة أنّ ظهور الإطلاق یکون معلّقاً علیٰ عدم البیان، وظهورها فی ذلک صالح لأن یکون بیاناً، فلا ظهور له مع ظهورها، فلایلزم علی القول بعدم التداخل تصرّف أصلاً، بخلاف القول بالتداخل، کما لایخفیٰ» انتهیٰ.
وفیه : ما عرفت فیما سبق من أنّ العلّیة التامّة لکلّ واحد من الشرطین، تثبت
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 96
بالإطلاق المصطلح علیه فی باب المطلق والمقیّد، والإطلاق المحرز فی الجزاء یقتضی کون الطبیعة تمام الموضوع؛ ولا قید لها. ولو أمکن أن یکون إطلاق الصدر قرینة لأمکن عکسه؛ لعدم انعقاد الإطلاق للصدر، وعدم استقراره بعد إمکان لحوق القید به، فإذا استقرّ کلّ واحد مع قطع النظر عن الآخر، یمکن أن یصیر کلّ واحد قرینة علی الآخر أیضاً، فتدبّر.
وتخیّل أنّ ظهور الصدر مقدّم علیٰ ظهور الذیل فیما نحن فیه؛ لأنّ الجزاء جملة مستقلّة، غیر نافع؛ ضرورة أنّ المتکلّم یصحّ أن یجعل ذیل کلامه قرینة علی الصدر وإن کانا مستقلّین.
مع أنّ صدر کلّ واحد مع ذیله غیر متنافیین، بل التنافی یحصل من العلم الإجمالیّ: بأنّ القضیّتین لیستا باقیتین علی الإطلاقین فی الصدر والذیل؛ للزوم الامتناع العقلیّ.
الوجه الخامس : مایوجد فی تقریرات العلمین الأراکیّ والنائینیّ رحمهماالله مع ما فیها من الغرائب البعیدة عن ساحتهما وساحة المسألة رأساً، ولاسیّما فی الأوّل منهما، فراجع. مع أنّ أصل الوجه فی «تقریرات» جدّی العلاّمة رحمه الله وتبعها العلاّمة المحشّی رحمه الله أیضاً.
وهو أنّ الجزاء لا ظهور له فی وحدة المطلوب وتعدّده، بل هو بلا اقتضاء من هذه الجهة، وإنّما یجزئ الواحد فی امتثال الأمر؛ لکونه ممّا یتحقّق به المأمور به، ولذلک یتحقّق الامتثال أیضاً بفردین من الطبیعیّ المأمور به إن اُتی بهما دفعة واحدة،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 97
فعلیٰ هذا لایقع التعارض بین ظهور الجزاء وظهور الشرطین الدالّین علی التعدّد؛ لأنّ الأوّل بلا اقتضاء، دون الثانی.
وبعبارة اُخریٰ : لو دلّ الدلیل علیٰ أنّ المطلوب متعدّد، لا یعارضه حکم العقل المزبور، بل یکون ظهور القضیّة الشرطیّة فی تأثیر الشرط مستقلاًّ فی الجزاء، رافعاً حقیقة لموضوع حکم العقل بأنّ المطلوب واحد یحصل امتثاله بإتیانه مرّة ووارداً علیه، انتهیٰ.
ولا أظنّ أنّهم اتکلوا علیٰ أمثال هذه التخیّلات فی الاجتهاد المحتاج إلی استقرار الظهور فی محیط العرف. مع أنّ کلّ واحد من الصدر والجزاء، لا ظهور لهما فی الاستقلال والوحدة لفظیّاً؛ حسبما هو الواضح عندهم ومصرّحین به، وإذا کان کلّ واحد بالإطلاق المصطلح فی باب المطلق والمقیّد، فلا مرجّح لأحدهما علی الآخر، والإطلاق الثابت للجزاء لایثبت الوحدة ولا التعدّد بمفهومهما الأوّلی.
ولکن مقتضی ذلک هو أنّ الوضوء تمام المطلوب، ولا شیء آخر دخیل، وعندئذٍ کیف یمکن تأثیر السببین بإیراد الطلبین علی الموضوع الواحد؟! فلابدّ من أحد الأمرین حفظاً للسنخیّة:
وهو إمّا إرجاع التعدّد الثابت بإطلاق الصدر إلی الواحد بالوحدة النوعیّة بالحمل الشائع، لا بمفهومه.
أو إرجاع الجزاء إلی المتعدّد بإیراد القیدین علی الوضوء، حتّیٰ یحصل لکل مؤثّر متأثّر، ولا مرجّح فی البین.
وبالجملة : دعویٰ أنّ العقل یحکم بلزوم الوحدة فی الجزاء، وإطلاق الشرط بیان بالنسبة إلیه، مدفوعة بدعویٰ: أنّ العقل یحکم بلزوم وحدة الشرط بعد حکمه بوحدة الجزاء، فیکون إطلاق الجزاء بیاناً لإطلاق الشرط، ولإرجاع کلّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 98
شرط إلیٰ عدم الاستقلال فی العلّیة.
فما هو الحجر الأساس؛ أنّ مقدّمات الإطلاق فی الجزاء لاتورث عنوان الوحدة، ولکن تستتبع أنّ الطبیعة بلا قید تمام الموضوع، ولا جزء ولا قید لها، ومقتضیٰ ذلک وحدة الشرط، ومقدّمات الإطلاق فی الصدر تستتبع تعدّد الجزاء، ولا وجه لترجیح التصرّف فی أحدهما المعیّن دون الآخر حسب الصناعة.
الوجه السادس : ما ارتضاه الفقیه الهمدانیّ، واتخذه مسلکاً شیخ مشایخنا جدّ أولادیّ قدس سره فی اُخریات عمره، وربّما یوجد ذلک فی بعض حواشی «الکفایة» وفی «تقریرات» جدّی العلاّمة رحمه الله : وهو أنّ مقتضیٰ قیاس التشریع بالتکوین أنّ اشتغال الذمّة یتکرّر بتکرّر سببه، کما هو الأمر فی التکوین بعد وجود المقتضی وعدم المانع.
وفیه : أنّ القیاس غیر جائز، مع أنّ قضیّة القیاس هی التداخل فی صورة التقارن، بل والتعاقب کما لایخفیٰ.
والذی هو المهمّ إثبات تعدّد السبب واقعاً، ومجرّد اقتضاء الإطلاق لایکفی؛ لاحتمال کون إطلاق الجزاء قرینة علیه، فلم یحرز تعدّد السبب.
نعم، إذا اُحرز ذلک فلابدّ وأن یتکثّر الاشتغال، وتصیر النتیجة کشف القید فی الطبیعة علی الوجه المحرّر.
الوجه السابع : ما عن «تقریرات» جدّی العلاّمة رحمه الله أیضاً، ویوجد فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 99
«مصباح الفقیه» للهمدانی رحمه الله: وهو أنّ قضیّة القواعد اللفظیّة سببیّة کلّ شرط للجزاء مستقلاًّ، ونتیجة ذلک تعدّد الفعل المشتغل به، ولو لم یتعدّد ذلک فهو إمّا لأجل عدم المقتضی، أو لأجل المانع، وکلاهما منتفٍ.
وفیه ما لایخفیٰ من المخالطة؛ وذلک لأنّ الالتزام بشقّیه کلیهما ممکن، فکما یمکن دعویٰ: أنّ ذلک لوجود المانع؛ وهو إطلاق الجزاء المثبت لمرادیّة الطبیعة بما هی هی من غیر قید، ولایدفع ذلک بما ذکره فی ذیل کلامه، کذلک یمکن دعویٰ: أنّه لأجل الشکّ فی المقتضی؛ ضرورة أنّ کون السبب متعدّداً غیر معلوم إلاّ بعد استقرار ظهور الصدر علی الذیل بإعدامه وإفنائه، وهو أوّل الکلام، فلو کان إطلاق الجزاء مقدّماً فلامقتضی لتعدّد الفعل المشتغل به رأساً، فلاتخلط.
وتوهّم : أنّ الاقتضاء ثابت مطلقاً، فاسد جدّاً.
الوجه الثامن : أنّ کلّ واحد من الشرطین فی حدّ ذاته یقتضی ـ لولا إطلاق الجزاء ـ تعدّدَ السبب، وکلّ واحد من المثبتین فی الجزاء ـ قضاء لحقّ أولویّة التأسیس علی التأکید ـ یقتضی تعدّد الطبیعة والوجود؛ لامتناع تعدّد الوجوب التأسیسیّ، کما مرّ فی المسألة الاُولیٰ، فتأسیسیّة کلّ واحد من المثبتین والمتحرّکین تستلزم وجود قید فی المأمور به حتّیٰ یتعدّد، والذی یقتضی خلاف کلّ ذلک هو إطلاق المادّة، والتصرّف فیه ـ بناءً علیه ـ أهون عرفاً.
وإن شئت قلت : لنا الشکّ فی إطلاق المادّة؛ بمعنیٰ أنّه لا معنیٰ لإطلاق المادّة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 100
إلاّ إطلاق الحکم المتعلّق بها، وقد تقرّر فی محلّه: أنّ ما اشتهر من إطلاق المادّة مع قطع النظر عن الحکم، ممّا لا أساس له ولا یتصوّر، فما هو المطلق هو الحکم المتعلّق بالمادّة، وحینئذٍ للمتکلّم أن یتّکل علیٰ قرینة أولویّة التأسیس علی التأکید حتّیٰ فی غیر ما نحن فیه.
فلو قال المولیٰ فی دلیل: «توضّأ» ثمّ أرسل فی دلیل آخر «توضّأ» وأمر بالوضوء ثانیاً، یدور الأمر بین التأسیس والتأکید، والأوّل مقدّم، وتصیر النتیجة فیما نحن فیه تقدیمَ الصدر علی الذیل؛ لعدم ثبوت الإطلاق فی ذیل کلّ واحد من القضیّتین ذاتاً.
وإن أبیت عن ذلک فلا أقلّ من الشکّ، فلا معارض لإطلاق الشرط والصدر کما لایخفیٰ.
لایقال : لا معنیٰ لأولویّة التأسیس من التأکید إلاّ إذا اُرید من الأمر التأکیدیّ الأمر المستعمل فی التأکید، أو فی الاستحباب، أو الإرشاد، وکلّ ذلک خطأ، وقد مرّ منّا: أنّ الأمر التأکیدیّ لیس إلاّ مثل التأسیسیّ فی المبادئ والإرادة، ولو اختلفا فی ذلک للزم أن لایکون تأکید، فالتأکید فی مورد یتّحد الأوّل والثانی فیه کما لایخفیٰ، وإذا کان کلّ واحد عین الآخر فلا معنیٰ لأولویّة التأسیس من التأکید؛ لأنّ کلّ واحد من المثبتین وجوبیّ.
لأنّا نقول : نعم، الأمر کذلک، إلاّ أنّ اختلافهما فی التبعات والآثار؛ ضرورة أنّ الأمر الثانی ـ فیما إذا کان ینتزع منه التأکید باعتبار وقوعه عقیب الأوّل مع
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 101
اتحادهما فی المتعلّق ـ لایکون موضوعاً للإطاعة والعصیان، ولا مستتبعاً للثواب والعقاب، ولا یسأل عنه، ولایؤاخذ علیه استقلالاً، بخلاف الأمر التأسیسیّ، ولا شبهة فی أنّ کلّ أمر فی حدّ ذاته ظاهر فی أنّه مستقلّ فی هذه التبعات والآثار، فیدور الأمر بین قرینة وحدة المتعلّق، وقرینة ذلک، فإن قدّم أولویّة التأسیس من التأکید یلزم عدم التداخل فیما نحن فیه، وهکذا إذا شکّ.
وإن قدّمنا ذاک فیلزم التداخل بالنتیجة، کما مرّ فی مقدّمات المسألة.
وغیر خفیّ : أنّ الطبیعة لیست بحدّ ذاتها إلاّ مهملة، ولا تدلّ علی الوحدة حتّیٰ یتوهّم أقوائیّتها فی الوحدة من أولویّة التأسیس، نعم هی موضوعة للبعث. وقضیّة مقدّمات الإطلاق هوأنّها تمام الموضوع، ولا قید لها فی مقام الإرادة والبعث. وإنّما الشأن فی حصول تلک المقدّمات؛ لإمکان الاتکال علی القرینة الموجودة.
وبعبارة اُخریٰ : یصلح للإضرار بها وجود ما یصلح للقرینیّة، ولا نحتاج إلی القرینة الموجودة.
وإن شئت قلت : لابدّ أوّلاً من إمکان إثبات وحدة المراد بإطلاق الجزاء؛ حتّیٰ یمکن أن تکون قرینة علی التصرّف فی الذیل ، ومع وجود الارتکاز العقلائیّ ـ وهو أنّ کلّ أمر ظاهر فی أنّه مستقلّ وموضوع للعصیان والإطاعة، ومستتبع للثواب والعقاب لایمکن إتمام مقدّمات الحکمة فیالجزاء، فلامعارض رأساً لإطلاق الشرط.
الوجه التاسع : قضیّة إطلاق الشرط هو العموم الاستغراقیّ، وقضیّة إطلاق الذیل لیس شیئاً وراء کون الطبیعة تمام الموضوع، وإذا وقع التعارض ـ ولو کان بالعرض ـ بین العامّ والمطلق یقدّم العامّ؛ لأنّه بیان للمطلق دون العکس، ولأجله قیل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 102
فیما یتعارض العامّ والمطلق اللّذین بینهما العموم من وجه بتقدیم العامّ.
وبالجملة : مقدّمات الإطلاق فی المقدّم تفید أنّ کلّ بول سبب، وکلّ نوم سبب، وفی التالی لاتفید إلاّ صِرْف الوجود والطبیعة، ولا شبهة فی عدم إمکان الأخذ بالعموم والإطلاق المزبور، فعندئذٍ یقع التعارض بین العامّ والإطلاق فی البول المتأخّر، وتکون قضیّة العموم أنّه سبب، وقضیّة الإطلاق عدم سبـبـیّـته، ولایقاوم الإطلاق العموم المزبور؛ إمّا لأجل أنّه متعرّض لخصوص الفرد المذکور، فیکون بیاناً لذلک الإطلاق.
أو لأجل أنّه یقتضی سببیّة البول المتأخّر مستقیماً، وأمّا الإطلاق النافی فهو بطریق غیر مستقیم یقتضی عدم السببیّة.
وعلیٰ کلّ تقدیر : یقدّم ذاک علیٰ هذا، وهکذا فی صورة التقارن، فلیتأمّل.
الوجه العاشر : نسبة الجزاء إلی الشرط نسبة الحکم إلی الموضوع، وقضیّة ذلک إمّا تقدیم إطلاق الصدر علی الذیل مطلقاً، أو فی صورة خاصّة؛ وهی ما إذا کانت القضیّتان هکذا: «من نام فلیتوضّأ» و «من بال فلیتوضّأ» وأمّا فی الشرطیّتین الصریحتین فلا یکون الجزاء حکماً للشرط.
وبعبارة اُخریٰ : إطلاق الموضوع والشرط ناظر إلی استتباع کلّ بول لوضوء یخصّ به، أو لوجوب یخصّ به، وهکذا فی ناحیة النوم، وأمّا إطلاق الجزاء فلایکون ناظراً إلی الموضوع وإلیٰ ما فی الصدر؛ ضرورة أنّ الإطلاق فی الجزاء ثابت للهیئة بالنسبة إلی المادّة، لا للهیئة والمادّة بالنسبة إلی العلّة والسبب، فعندئذٍ یکون النظر من ناحیة الصدر نظراً مستقیماً إلی الذیل؛ لما لا معنیٰ لاعتبار کون البول موضوعاً إلاّ باعتبار الوضوء المترتّب علیه، وأمّا فی ناحیة الذیل فلایکون فیه
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 103
نظر مستقیم إلی الصدر إلاّ بضمیمة حکم العقل، وهذا یکفی فی ترجیح جانب الصدر علی الذیل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 104