حول اختیار الوالد المحقّق لتعدّد السبب والمسبّب
قد مضیٰ فی ذیل الوجوه السابقة : أنّ من الممکن أن یقال بتعدّد السبب؛ حفظاً لإطلاق الشرط، وتعدّد المسبّب وهو الوجوب، من غیر أن یلزم تعدّد المادّة والوضوء، وبذلک یجمع بین الإطلاقین، والعرف لایحکم إلاّ بأنّ عقیب کلّ سبب وجوب، وأمّا أنّ کلّ وجوب متعلّق بموضوع علیٰ حِدة فهو أمر آخر خارج عن مسألتنا، ولایلزم من ذلک کون الوجوب الثانی مجازاً أیضاً، کما عرفت منّا.
نعم، یلزم أن یکون الوجوب متأکّداً، وهذا ممّا لا بأس بالالتزام به.
فما نسب إلی العقلاء من الحکم بعدم التداخل صحیح، إلاّ أنّه لایلزم منه عدم التداخل المقصود فی الباب؛ وهو تعدّد الطبیعة والوضوء فی المثال المعروف، ولا داعی إلیٰ دعویٰ تعدّده بعد إمکان الأخذ بإطلاق کلّ واحد من الصدر والذیل.
وبالجملة : لاموجب للتصرّف فی أحد الإطلاقین.
أقول : هذه شبهة أوضحها السیّد الوالد المحقّق ـ مدّظلّه وسدّ ثغورها بما لا مزید علیه، إلیٰ أن التزم بأنّ التمسّک بأولویّة التأسیس من التأکید هنا غیر تامّ؛ لإطلاق المادّة، وهو رافع لموضوع قاعدة «التأسیس خیر من التأکید».
ثمّ تعرّض ـ مدّظلّه للوجهین اللّذین ذکرهما الشیخ لتحکیم ذلک، وأنّ تعدّد السبب ینتهی إلیٰ تعدّد المادّة، وأجاب عنهما، ومن شاء فلیراجع «تهذیب الاُصول» ولا حاجة لنا إلی الطواف حول ذلک أصلاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 105
وبالجملة : قضیّة هذه الشبهة سقوط الوجوه المتمسّک بها لترجیح الإطلاق فی ناحیة الصدر علی الذیل؛ لأنّه فرع لزوم التصرّف فی أحد الإطلاقین، وفرع العلم الإجمالیّ بعدم إمکان الأخذ بهما مجموعاً، ولو کان المسبّب هو الوجوب القابل للتعدّد علی الوجه المزبور فیتعدّد المسبّب، من غیر أن تشتغل الذمّة بأکثر من طبیعة واحدة؛ وهی الوضوء من غیر قید وتعدّد.
ومقتضی الشبهة العقلیّة حمل الوجوبین علی التأکید، ولأجل وحدة المتعلّق لایبقیٰ وجه للتمسّک بقاعدة «التأسیس خیر من التأکید» وتصیر النتیجة هی أصالة التداخل، کما هو الواضح.
قلت : تندفع هذه الشبهة بما تحرّر فی محلّه من أنّ الإرادة من الصفات التی تحتاج فی وجودها إلی المبادئ ، ولایمکن أن توجد فی النفس جزافاً. وهذا من غیر فرق بین الإرادة الفاعلیّة والآمریّة، فإنّها أیضاً تکوینیّة متعلّقة بالبعث نحو المادة.
وبناءً علیٰ هذا، إذا تعدّد السبب فإمّا یرجع ذلک إلیٰ أنّ التعدّد صوریّ، والسبب الواقعیّ واحد، فیکون من الکواشف الشرعیّة عن السبب الواقعیّ، ویصیر معرّفاً لما هو السبب.
أو یکون ماهو المأخوذ فی الدلیل حسب الأصل اللفظیّ، مؤثّراً بنفسه وسبباً وموضوعاً بعنوانه، وبالجملة دخیلاً بما له من المعنیٰ.
فإن کان من قبیل الأوّل، فلا تکون الإرادة الباعثة نحو الوضوء إلاّ واحدة.
وإن کان من قبیل الثانی، فلایعقل أن تکون تلک الإرادة واحدة؛ لما عرفت من احتیاجها إلی المبادئ فی وجودها وتحقّقها.
ولو کان البول والنوم مرآتین للحدث الذی هو الجامع، فلایکون الأمر إلاّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 106
واحداً، ویکون معلول الإذعان بذلک الحدث، ویترشّح عقیب التصوّر والتصدیق إرادة التشریع والبعث، ومع وحدة الجامع المتصوّر لا تتعدّد الإرادة بالضرورة. وإذا کانا مؤثّرین ودخیلین کلّ مع قطع النظر عن الآخر فلتصوّر البول، والتصدیق بأنّه یوجب الوضوء ویستتبع إیجاب الوضوء، وتصوّر النوم کذلک، ولایعقل کون إرادة الإیجاب واحدة؛ لتعدّد المبادئ المنتهیة إلیٰ تعدّدها بالضرورة.
فعلیٰ هذا، تنحلّ معضلة المسألة بما لا مزید علیه، من غیر الحاجة إلی الوجوه الاُخر العرفیّة.
وإلیٰ ما ذکرناه یرجع ما عن فخر الإسلام قدس سره: «من أنّ الأسباب إن کانت معرّفات لا یترتّب علیه مسألة عدم التداخل، بخلاف ما إذا کانت مؤثّرات».
والمراد من «المؤثّرات» هی الدخیلات فی الحکم، کما لایخفیٰ. فما أورده الفخر رحمه اللهعلیٰ والده قدس سره فی محلّه بحسب التصوّر، لا التصدیق؛ ضرورة أنّ الأصل اللفظیّ یقتضی کون الشرط بعنوانه دخیلاً، لا بجامعه، وما أوردناه علیٰ والدنا ـ مدّظلّه فی محلّه أیضاً عقلاً وعرفاً؛ ضرورة أنّ مقتضیٰ حکم العقل ـ مع فرض تعدّد السبب ـ تعدّد الإرادة الإلزامیّة علیٰ وجه التأسیس لا التأکید، وقضیّة حکم العرف فی القضیّتین الشرطیّتین وأمثالهما؛ دخالة العناوین بما لها من المعانی فی ترشّح الإرادة لا بجامعها، فلیتدبّر واغتنم.
ومن هنا یظهر : أنّ أصحابنا المتأخّرین کأنّهم لم یصلوا إلیٰ مرام الفخر رحمه اللهفی المسألة، وظنّوا أنّه لایرجع إلی محصّل.
نعم، لایتمّ ما أفاده قدس سره فی المسألة الآتیة؛ وهی ما إذا تعدّد السبب تعدّداً
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 107
بالشخص، کما لایخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 108