المقصد الرابع فی المفاهیـم

حول اختیار الوالد المحقّق لتعدّد السبب والمسبّب

حول اختیار الوالد المحقّق لتعدّد السبب والمسبّب

‏ ‏

‏قد مضیٰ فی ذیل الوجوه السابقة : أنّ من الممکن أن یقال بتعدّد السبب؛‏‎ ‎‏حفظاً لإطلاق الشرط، وتعدّد المسبّب وهو الوجوب، من غیر أن یلزم تعدّد المادّة‏‎ ‎‏والوضوء، وبذلک یجمع بین الإطلاقین، والعرف لایحکم إلاّ بأنّ عقیب کلّ سبب‏‎ ‎‏وجوب، وأمّا أنّ کلّ وجوب متعلّق بموضوع علیٰ حِدة فهو أمر آخر خارج عن‏‎ ‎‏مسألتنا، ولایلزم من ذلک کون الوجوب الثانی مجازاً أیضاً، کما عرفت منّا‏‎[1]‎‏.‏

‏نعم، یلزم أن یکون الوجوب متأکّداً، وهذا ممّا لا بأس بالالتزام به.‏

‏فما نسب إلی العقلاء من الحکم بعدم التداخل صحیح، إلاّ أنّه لایلزم منه عدم‏‎ ‎‏التداخل المقصود فی الباب؛ وهو تعدّد الطبیعة والوضوء فی المثال المعروف، ولا‏‎ ‎‏داعی إلیٰ دعویٰ تعدّده بعد إمکان الأخذ بإطلاق کلّ واحد من الصدر والذیل.‏

وبالجملة :‏ لاموجب للتصرّف فی أحد الإطلاقین.‏

أقول :‏ هذه شبهة أوضحها السیّد الوالد المحقّق ـ مدّظلّه وسدّ ثغورها بما لا‏‎ ‎‏مزید علیه، إلیٰ أن التزم بأنّ التمسّک بأولویّة التأسیس من التأکید هنا غیر تامّ؛‏‎ ‎‏لإطلاق المادّة، وهو رافع لموضوع قاعدة «التأسیس خیر من التأکید».‏

‏ثمّ تعرّض ـ مدّظلّه للوجهین اللّذین ذکرهما الشیخ‏‎[2]‎‏ لتحکیم ذلک، وأنّ‏‎ ‎‏تعدّد السبب ینتهی إلیٰ تعدّد المادّة، وأجاب عنهما، ومن شاء فلیراجع «تهذیب‏‎ ‎‏الاُصول»‏‎[3]‎‏ ولا حاجة لنا إلی الطواف حول ذلک أصلاً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 105
وبالجملة :‏ قضیّة هذه الشبهة سقوط الوجوه المتمسّک بها لترجیح الإطلاق‏‎ ‎‏فی ناحیة الصدر علی الذیل؛ لأنّه فرع لزوم التصرّف فی أحد الإطلاقین، وفرع العلم‏‎ ‎‏الإجمالیّ بعدم إمکان الأخذ بهما مجموعاً، ولو کان المسبّب هو الوجوب القابل‏‎ ‎‏للتعدّد علی الوجه المزبور فیتعدّد المسبّب، من غیر أن تشتغل الذمّة بأکثر من طبیعة‏‎ ‎‏واحدة؛ وهی الوضوء من غیر قید وتعدّد.‏

‏ومقتضی الشبهة العقلیّة حمل الوجوبین علی التأکید، ولأجل وحدة المتعلّق‏‎ ‎‏لایبقیٰ وجه للتمسّک بقاعدة «التأسیس خیر من التأکید» وتصیر النتیجة هی أصالة‏‎ ‎‏التداخل، کما هو الواضح.‏

قلت :‏ تندفع هذه الشبهة بما تحرّر فی محلّه من أنّ الإرادة من الصفات‏‎ ‎‏التی تحتاج فی وجودها إلی المبادئ ، ولایمکن أن توجد فی النفس جزافاً‏‎[4]‎‏.‏‎ ‎‏وهذا من غیر فرق بین الإرادة الفاعلیّة والآمریّة، فإنّها أیضاً تکوینیّة متعلّقة‏‎ ‎‏بالبعث نحو المادة.‏

‏وبناءً علیٰ هذا، إذا تعدّد السبب فإمّا یرجع ذلک إلیٰ أنّ التعدّد صوریّ،‏‎ ‎‏والسبب الواقعیّ واحد، فیکون من الکواشف الشرعیّة عن السبب الواقعیّ، ویصیر‏‎ ‎‏معرّفاً لما هو السبب.‏

‏أو یکون ماهو المأخوذ فی الدلیل حسب الأصل اللفظیّ، مؤثّراً بنفسه وسبباً‏‎ ‎‏وموضوعاً بعنوانه، وبالجملة دخیلاً بما له من المعنیٰ.‏

‏فإن کان من قبیل الأوّل، فلا تکون الإرادة الباعثة نحو الوضوء إلاّ واحدة.‏

‏وإن کان من قبیل الثانی، فلایعقل أن تکون تلک الإرادة واحدة؛ لما عرفت‏‎ ‎‏من احتیاجها إلی المبادئ فی وجودها وتحقّقها.‏

‏ولو کان البول والنوم مرآتین للحدث الذی هو الجامع، فلایکون الأمر إلاّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 106
‏واحداً، ویکون معلول الإذعان بذلک الحدث، ویترشّح عقیب التصوّر والتصدیق‏‎ ‎‏إرادة التشریع والبعث، ومع وحدة الجامع المتصوّر لا تتعدّد الإرادة بالضرورة. وإذا‏‎ ‎‏کانا مؤثّرین ودخیلین کلّ مع قطع النظر عن الآخر فلتصوّر البول، والتصدیق بأنّه‏‎ ‎‏یوجب الوضوء ویستتبع إیجاب الوضوء، وتصوّر النوم کذلک، ولایعقل کون إرادة‏‎ ‎‏الإیجاب واحدة؛ لتعدّد المبادئ المنتهیة إلیٰ تعدّدها بالضرورة.‏

‏فعلیٰ هذا، تنحلّ معضلة المسألة بما لا مزید علیه، من غیر الحاجة إلی‏‎ ‎‏الوجوه الاُخر العرفیّة.‏

‏وإلیٰ ما ذکرناه یرجع ما عن فخر الإسلام ‏‏قدس سره‏‏: «من أنّ الأسباب إن کانت‏‎ ‎‏معرّفات لا یترتّب علیه مسألة عدم التداخل، بخلاف ما إذا کانت مؤثّرات»‏‎[5]‎‏.‏

‏والمراد من «المؤثّرات» هی الدخیلات فی الحکم، کما لایخفیٰ. فما أورده‏‎ ‎‏الفخر ‏‏رحمه الله‏‏علیٰ والده ‏‏قدس سره‏‏ فی محلّه بحسب التصوّر، لا التصدیق؛ ضرورة أنّ الأصل‏‎ ‎‏اللفظیّ یقتضی کون الشرط بعنوانه دخیلاً، لا بجامعه، وما أوردناه علیٰ والدنا‏‎ ‎‏ـ مدّظلّه فی محلّه أیضاً عقلاً وعرفاً؛ ضرورة أنّ مقتضیٰ حکم العقل ـ مع فرض‏‎ ‎‏تعدّد السبب ـ تعدّد الإرادة الإلزامیّة علیٰ وجه التأسیس لا التأکید، وقضیّة حکم‏‎ ‎‏العرف فی القضیّتین الشرطیّتین وأمثالهما؛ دخالة العناوین بما لها من المعانی فی‏‎ ‎‏ترشّح الإرادة لا بجامعها، فلیتدبّر واغتنم.‏

ومن هنا یظهر :‏ أنّ أصحابنا المتأخّرین کأنّهم لم یصلوا إلیٰ مرام الفخر ‏‏رحمه الله‏‏فی‏‎ ‎‏المسألة، وظنّوا أنّه لایرجع إلی محصّل‏‎[6]‎‏.‏

‏نعم، لایتمّ ما أفاده ‏‏قدس سره‏‏ فی المسألة الآتیة؛ وهی ما إذا تعدّد السبب تعدّداً‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 107
‏بالشخص، کما لایخفیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 108

  • ))تقدّم فی الصفحة 84 وما بعدها .
  • ))مطارح الأنظار : 180 / السطر 1 ـ 24 .
  • ))تهذیب الاُصول 1 : 443 ـ 447 .
  • ))تقدّم فی الجزء الثانی : 40 ـ 41 و 49 .
  • ))إیضاح الفوائد 1 : 145 .
  • ))کفایة الاُصول 2 : 492 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 492 ، مطارح الأنظار : 176 / السطر 2 ـ 27 .