المقصد الرابع فی المفاهیـم

المقام الأوّل : فی إمکان تداخل المسبّب ثبوتاً

المقام الأوّل : فی إمکان تداخل المسبّب ثبوتاً

‏ ‏

‏إذا تبیّنت هذه المقدّمة بتفصیل منّا، فالکلام یقع فی المقام الأوّل ومرحلة‏‎ ‎‏الثبوت، وهناک شبهات :‏

الاُولیٰ :‏ ما عن الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‏: «من دعوی امتناع تداخل المسبّبین؛ وذلک‏‎ ‎‏لأنّ متعلّق التکالیف حینئذٍ هو الفرد المغایر للفرد الواجب بالسبّب الأوّل، ولایعقل‏‎ ‎‏تداخل الفردین من ماهیّة واحدة. بل لایعقل ورود دلیل علی التداخل أیضاً علیٰ‏‎ ‎‏ذلک التقدیر إلاّ أن یکون ناسخاً لحکم السببیّة»‏‎[1]‎‏ انتهیٰ.‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّه لایتمّ فیما لو تعدّد السبب نوعاً، فإنّ الغسل لأجل ورود القید‏‎ ‎‏علیه یکون متنوّعاً، ولا یکون هنا فرد أو فردان من ماهیّة واحدة.‏

وثانیاً :‏ لا معنیٰ لأن یکون الفرد الخارجیّ مورد الأمر حتّیٰ یمتنع التداخل،‏‎ ‎‏بل ماهو مورد الأمر لو کان فهو عنوان الفرد بالحمل الأوّلی، وعندئذٍ یمکن دعویٰ‏‎ ‎‏کفایة المصداق المنطبق علیه العنوانان.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ لو أمکن ترشّح الإرادتین علیٰ واحد عنواناً ـ لأجل البعث‏‎ ‎‏إلی الفردین منه من غیر تقیید فی مقام الثبوت ـ لأمکن الالتزام بالتداخل، بل یتعیّن‏‎ ‎‏التداخل کما یأتی‏‎[2]‎‏.‏

وثالثاً :‏ قد عرفت أنّه فی بعض الأحیان، تکون النسبة بین الجزاءین بعد‏‎ ‎‏التقیید عموماً من وجه، وإمکان الالتزام بالتداخل هنا موجود أیضاً.‏

الثانیة :‏ ما یظهر من «الکفایة» علی القول بالامتناع؛ وهو أنّ قضیّة امتناع‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 114
‏اجتماع الحکمین المتضادّین علیٰ واحد، امتناع اجتماع الحکمین المتماثلین علیٰ‏‎ ‎‏واحد، فلو کان القید المفروض فی الجزاء موجباً لکون النسبة بین الجزاءین تبایناً،‏‎ ‎‏فلایعقل التداخل بین المتباینات. وإن کان موجباً لکون النسبة عموماً من وجه مثلاً،‏‎ ‎‏فیلزم اجتماع المثلین علیٰ واحد شخصیّ إذا اُرید الامتثال الواحد المجتمع فیه‏‎ ‎‏العنوان؛ للزوم کون المجمع معروض الوجوبین، وهو أیضاً ممتنع، فعلیٰ هذا لایعقل‏‎ ‎‏التداخل حتّیٰ یبحث عن مسألته‏‎[3]‎‏.‏

وفیه :‏ ما تحرّر فی محلّه‏‎[4]‎‏ أوّلاً، وأنّ التماثل والتضادّ ممنوع بین الأحکام‏‎ ‎‏ثانیاً، وبأنّ الخارج ظرف الاتصاف لا الوجود ثالثاً، فتأمّل.‏

الثالثة :‏ فیما یتّحد السبب نوعاً ویتعدّد بالشخص، إن قیّد الجزاء علیٰ صورة‏‎ ‎‏التکثیر الفردیّ بأن یقال بعد السبب الأوّل: «توضّأ» وبعد السبب الثانی: «توضّأ‏‎ ‎‏وضوءً آخر» فهو غیر معقول؛ لأجل أنّ الإطلاق الأوّل أیضاً لابدّ وأن یطرأ علیه‏‎ ‎‏القید کما عرفت‏‎[5]‎‏، ولایمکن بقاؤه علی الإطلاق.‏

وإن قلنا :‏ بأنّ الجزاء فی هذه الفرض یصیر هکذا «توضّأ وضوءین» یلزم‏‎ ‎‏إشکال عقلیّ آخر: وهو أنّه إذا توضّأ مرّة واحدة فقط، فیلزم أحد الاُمور الآتیة علیٰ‏‎ ‎‏سبیل منع الخلوّ، والکلّ باطل؛ ضرورة أنّ الوضوء المزبور لا لون له حتّیٰ یسقط به‏‎ ‎‏أحد الأمرین معیّناً، فإمّا یلزم سقوطهما، أو سقوط واحد منهما لا بعینه، أو عدم‏‎ ‎‏سقوطهما، والکلّ غیر جائز.‏

‏فعندئذٍ لابدّ من تقیید الوجود علیٰ وجه یکون له لون خاصّ، وهذا أیضاً‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 115
‏یستلزم إشکالاً: وهو عدم جواز الاکتفاء بالوضوءات بعد تکرّر أسبابها، وعدم جواز‏‎ ‎‏الاکتفاء بصلوات الآیات عند تحقّق الزلازل الکثیرة؛ لأنّ کلّ جزاء متلوّن بلون‏‎ ‎‏مخصوص به لابدّ من قصده حین الامتثال؛ لتعلّق الأمر به کسائر القیود الذهنیّة،‏‎ ‎‏وهذا ممّا لایلتزم به الفقیه.‏

‏ولو قیّد الوضوء المتعقّب بالنوم الأوّل بالوضوء الأوّل الکذائیّ، فیلزم أن‏‎ ‎‏یکون ذلک قیداً ولو لم یتعقّبه النوم الثانی، مع أنّ الضرورة قاضیة بخلافه؛ فإنّ تقیید‏‎ ‎‏الوضوء عقیب النوم الأوّل لأجل السبب والنوم الثانی، وإلاّ فلایکون له المقیّد، ولا‏‎ ‎‏حاجة إلیه.‏

‏وعندئذٍ یلزم إشکال ثالث: وهو أنّ فی الشریعة وفی القانون، کیف یتصوّر‏‎ ‎‏القید علیٰ وجه لایلزم التلاعب فی إرادة المولیٰ؟! فلیتأمّل‏‎[6]‎‏.‏

أقول :‏ یمکن دفع الشبهة الأخیرة بأنّ المجعول یکون علیٰ نحو القضیّة‏‎ ‎‏الحقیقیّة وهی «أنّ کلّ مصداق من النوم سبب لوضوء یخصّ به» وبذلک یستفاد من‏‎ ‎‏القانون أنّ کلّ مصداق من النوم أو البول وهکذا، یستتبع مصداقاً من الوضوء، من‏‎ ‎‏غیر الحاجة فی هذا المقام إلی التقیید بالسبب الأوّل أو الثانی؛ حتّیٰ تلزم الشبهة‏‎ ‎‏والإشکال الثانی الذی مرّ فی کلامنا.‏

‏وأمّا الإشکال الأوّل : وهو أنّه فی مقام الامتثال إذا امتثل المکلّف واحداً من‏‎ ‎‏الوضوءات، فلابدّ أن یلزم علیٰ سبیل منع الخلوّ أحد المحاذیر المزبورة، فهو مندفع‏‎ ‎‏بما تحرّر منّا فی کتاب الصوم عندما أفتی الأصحاب ‏‏رحمهم الله‏‏ بأنّه لایعتبر فی نیّة قضاء‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 116
‏شهر رمضان قصد الیوم المعیّن، بل یکفی أن یأتی بقضاء شهر رمضان: وهو أنّ‏‎ ‎‏القیود المزبورة العقلیّة دفعاً للشبهة فی مقام الامتثال بل وفی مقام الجعل ـ لامتناع‏‎ ‎‏تعلّق الإرادة المتعدّدة بالعنوان الواحد ـ ممّا لابدّ منها ومن قصدها، وعدم التزام‏‎ ‎‏الفقهاء بذلک لایوجب خللاً فی المسألة، کما لایخفیٰ.‏

‏نعم، فی مثل قضاء رمضان والصلوات التزمنا بأنّ المأمور به واحد؛ وهو‏‎ ‎‏عنوان «القضاء» علیٰ إشکال هناک إثباتاً‏‎[7]‎‏، وأمّا فیما نحن فیه فلایمکن؛ لأن کلّ‏‎ ‎‏واحد منها أداء، کما فی صلوات الآیات بالنسبة إلی سببیّة کلّ زلزلة، وهکذا فی کلّ‏‎ ‎‏مورد یکون المسبّب باقیاً علی أدائیّته، ولایکون المجموع مورد الأمر علیٰ حِدة،‏‎ ‎‏فإنّه خروج عن مسألة التداخل کما لایخفیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 117

  • ))مطارح الأنظار : 180 / السطر 36 ـ 37 .
  • ))یأتی فی الصفحة 119 ـ 120 .
  • ))کفایة الاُصول : 240 ـ 241 .
  • ))تقدّم فی الجزء الرابع : 211 ـ 212 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 95 .
  • ))فإنّ المسألة مشکلة جدّاً لو لوحظ أطرافها، فإنّ من المکلّفین من لایبتلیٰ إلاّ بالنوم فی یوم الخمیس مثلاً، ومنهم من یبتلیٰ بالبول، ومنهم من یبتلیٰ بالنومین، ومنهم من یبتلیٰ بالبولین، ومنهم من یبتلیٰ بالنوم قبل البول، ومنهم بالعکس، فلاحظ (منه  قدس سره).
  • ))تحریرات فی الفقه ، کتاب الصوم ، الفصل السادس من الموقف الأوّل .